مجلة "فورين أفيرز": الاحتلال يستخدم التجويع كسلاح في عدوانه على غزة

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في أوائل شهر مارس الماضي، ومع بدء انهيار وقف إطلاق النار مع حركة حماس، لجأت إسرائيل مرة أخرى إلى تكتيك استخدمته في وقت سابق من عدوانها علي قطاع غزة وهو فرض حصار كامل على المنطقة، بما في ذلك قطع جميع إمدادات الغذاء والدواء والوقود والكهرباء. 

سياسة التجويع 

وكان الهدف، وفقا لمسؤولين في حكومة الاحتلال الإسرائيلي، هو جعل الحياة لا تطاق بالنسبة لمواطني غزة البالغ عددهم مليوني نسمة لإجبار حماس على قبول المطالب الإسرائيلية في المحادثات بشأن تمديد اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسري، بحسب ما ذكرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية. 

استخدام سياسة التجويع ضد المدنيين في غزة  

وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، دافع وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش، مرددا تصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن جفير، عن قرار حكومة الاحتلال بـ“الوقف الكامل” لتدفق المساعدات الإنسانية إلي غزة، واصفا إياه بأنه وسيلة لفتح “أبواب الجحيم بأسرع ما يمكن ومميت قدر الإمكان.” 

وكان سموتريش قد أشار في وقت سابق إلى أن منع المساعدات عن غزة له ما يبرره حتى على حساب المجاعة الجماعية للمدنيين. بعد سبعة أسابيع من الحصار الجديد، وبينما أعلن برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة أن إغلاق الحدود تسبب في نفاد جميع مخزوناته الغذائية في غزة، قال موشيه سعادة، عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود بزعامة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لقناة 14 الإسرائيلية، إن هذا كان القصد: “نعم، سأجوع سكان غزة، نعم، هذا هو هدفنا”.

وفي خضم العدوان الذي استشهد فيه عشرات الآلاف من المدنيين بوسائل أكثر مباشرة، قد يبدو الحصار الإسرائيلي على غزة للوهلة الأولى قضية ثانوية. لكن هذا التكتيك، والمبررات التي قدمها المسؤولون الإسرائيليون لاستخدامه، أصبح اختبارا رئيسيا للقانون الدولي. 

انتهاك ميثاق الأمم المتحدة

وتعقد محكمة العدل الدولية، هذا الأسبوع، جلسات استماع حول هذه القضية، في أعقاب طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة، للتحقيق فيما إذا كانت إسرائيل قد انتهكت ميثاق الأمم المتحدة من خلال منع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، من ممارسة عملها في غزة. 

وفي نوفمبر الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف جالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. 

وفي قلب التهم الموجهة إلى نتنياهو وجالانت تكمن جريمة مختلفة، ونادرا ما يتم التذرع بها: إذ يتهمهما المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، بالقيام بسياسة التجويع كجريمة ضد السكان المدنيين في غزة.

وفي تصنيفه لجرائم الحرب، يتضمن نظام روما الأساسي، معاهدة عام 1998 التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية، “استخدام تجويع المدنيين عمدا كوسيلة للحرب،” وهو تكتيك يمكن أن يتضمن “إعاقة إمدادات الإغاثة عمدا.” وقال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، أن نتنياهو وجالانت ارتكبا جريمة الحرب المتمثلة في التجويع، من خلال الإعلان علنا عن نية إسرائيل فرض حصار كامل على غزة ثم فرض تدابير تحرم سكان غزة من الغذاء والسلع الأخرى التي لا غنى عنها لبقاء المدنيين علي قيد الحياة. وهذه هي المرة الأولى في التاريخ التي تركز فيها محكمة كبرى علي محاكمة جرائم الحرب فيما يتعلق بهذه التهمة بالذات.

كارثة إنسانية تهدد سكان غزة

ومع شدة العدوان علي غزة، كانت عواقب الحصار الإسرائيلي بعيدة المدى. في أكتوبر 2024، وبعد عام من العدوان حيث تباطأت شحنات المساعدات في كثير من الأحيان إلى حد كبير، وجد تقييم غذائي مدعوم من الأمم المتحدة أن ما يقرب من أربعة أخماس سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة يواجهون “جوعا شديدا”. والآن، مع تصعيد جيش الاحتلال الإسرائيلي هجومه البري الجديد بشكل كبير، تتزايد المخاوف من أن الأزمة الإنسانية قد تصل مرة أخرى إلى تلك المستويات الكارثية، أو حتى تتجاوزها. وفي أوائل إبريل الماضي، أعلن برنامج الأغذية العالمي أن جميع المخابز الخمسة والعشرين التي يدعمها في غزة، والتي كان الكثير منها حيويا لبقاء المدنيين علي قيد الحياة خلال المراحل السابقة من العدوان، اضطرت إلى الإغلاق بسبب نقص الدقيق والوقود. 

وبما أن الوقود والكهرباء ضروريان لتشغيل محطات تحلية المياه التي توفر معظم مياه الشرب في غزة، فإن ما يقدر بنحو 91 في المائة من السكان يواجهون أيضا انعدام الأمن المائي، مما يؤدي إلى تفاقم نقص الغذاء وتفشي المرض. ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، يدخل سكان غزة الآن في أطول فترة بدون مساعدات إغاثة منذ بدء العدوان في أكتوبر 2023. وقال متحدث باسم أوتشا، في الأسبوع الماضي، “في الوقت الحالي، ربما يكون هذا أسوأ وضع إنساني شهدناه طوال الحرب."

تعرض المحكمة الجنائية الدولية للاستهداف 

 

ورغم هذه التأثيرات الواضحة للسياسات الإسرائيلية، فإن المحكمة الجنائية الدولية تواجه معركة شاقة، حيث أنها لم تحاول قط محاكمة زعيم دولة كإسرائيل. وقد وضعت أوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة، الدول الأعضاء، وخاصة حلفاء إسرائيل الأوروبيين وكندا، في موقف محفوف بالمخاطر. وإذا ذهب نتنياهو أو جالانت إلي إحدى تلك الدول، فإن سلطاتها ملزمة قانونا باحتجازهما. (لقد خالف رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، هذا الإجراء عندما استضاف نتنياهو في بلاده في أوائل أبريل الماضي). من جانبها، عارضت الولايات المتحدة بشدة القضية المرفوعة ضد الإسرائيليين منذ البداية، وشرع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تدمير المحكمة الجنائية الدولية نفسها، وسحب دعم الولايات المتحدة لمحاكمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وأذن بفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، في فبراير الماضي، تهدف إلى جعل عمل المحكمة صعبا للغاية. وخوفا من تعرض مستقبلها للخطر، سارعت المحكمة إلى دفع رواتب الموظفين مقدما، وناشدت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات طارئة. وقالت رئيسة المحكمة الجنائية الدولية توموكو أكاني، للبرلمان الأوروبي في مارس الماضي، “المحكمة تواجه تهديدا وجوديا."

المحكمة الجنائية الدولية تعجز عن إثبات جريمة التجويع على دولة الاحتلال

على الرغم من تاريخها الطويل والمدمر، إلا أنه من الصعب إثبات سياسة التجويع المتعمد ضد السكان المدنيين، ونادرا ما تتم محاسبة المسؤولين عن استخدام هذا التكتيك. ومن ثم، فإن إجراءات المحكمة الجنائية الدولية تسلط الضوء على مدى الإلحاح الشديد الذي تتسم به أزمة الجوع الجماعي في غزة والتحديات المستمرة في مقاضاة المسؤولين عن المجاعة باعتبارها جريمة. وعلى الرغم من هذه العقبات القانونية الهائلة، فإن الخطوة التي اتخذها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لفتت الانتباه الدولي إلى شكل خطير من أشكال الحرب ضد المدنيين، وهو سياسة التجويع، الذي غاب حتى الآن في كثير من الأحيان عن الرادار. 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق