برزت إلى السطح بعد أن ظلت مدفونة في القاع، وقائع صادمة تثير الاشمئزاز وتنأى عنها حتى وساوس الشيطان، لِما تحمله من انحرافات لا يقترفها سوى ضعاف النفوس، ممن افتقدوا الدين والضمير، أو أولئك الذين يعانون اضطرابات نفسية، وربما كانوا في بعض الحالات نتاج أسر مفككة.
وهى جريمة استغلال الطفولة والبراءة فى أغراض شهوانية وهى الاغتصاب وهتك العرض، فى صور بشعه تحت تهديد السلاح تارة وتهديد بقتل الأسرة تارة أخرى، مستغلين فى بعض الأحيان علاقة القرابة مع الضحية أو فرض السيطرة من خلال الوظيفة، واحيانا استغلال حب للأطفال وثقتهم فى الجاني.
وأصبح القانون وحده غير رادع لتلك الوقائع وبات من الضرورى تدخل قوى للأسرة والمجتمع المدنى وكافة المجتمع بكل طوائفه، لنبذ الجاني، واهتمام الأسرة بسلوك أبنائهم منذ الصغر.
وكذلك توعية الأبناء المعرضين للخطر من جانب آخر لخطورة التعامل الجسدى معهم من اى شخص بغض الطرف عن صلة القرابة أو الصداقة أو الجيرة، وكذلك نذب شديد وقاطع للجناة وذويهم، وزيادة التوعية الإعلامية والقنوات الدينية حول التمسك بالدين والقيم، وفرض قوانين صارمة تمنع القنوات الاباحية داخل الدولة بشكل قاطع، وتفعيل دور المدرسة فى توعية الأطفال حول حرمة الجسد وكيفية تعامل الأطفال مع محاولات التحرش وهتك العرض.
وفيما يلى عرض ابشع الوقائع التى تتالت علينا فى الشهور القليلة الماضية، وآراء خبراء الجريمة والصحة النفسية فيها.
توربينى البحيرة
المتهم «م. ص» وشهرته «بعرور»، استغل الأطفال ممن حوله فى إرضاء شيطانه، وكان يستدرجهم فى غفلة من ذويهم ويقوم بالاعتداء الجنسى عليهم أحد الأطفال وابتزازهم.
بدأت الواقعة ببلاغات متكررة تلقها قسم شرطة كفر الدوار، يتهموا فيه أحد الأشخاص، بالتعدى جنسيًا على أبنائهم، وتصويرهم، وتبين أنه مالك كشك سجائر، وله معلومات جنائية.
وبفحص هاتف المتهم وجود مقطع فيديو للاعتداء الجنسى على الأطفال، وأن المتهم يقوم بتصوير الأطفال أثناء الاعتداء عليهم لابتزازهم.
مندوب طلبات للمدير
فى الخليفة وأثناء انشغال المدرسة، فى الحصص والصمت يعم المكان، استطاع عامل يقوم بتوفير الطلبات للمدير، فى استدراج طفل فى الثامنة من عمره، والاختلاء به، وتهديده والاعتداء عليه جنسيًا، ولكن الاب الذى يقف بالمرصاد لكل من يقترب من ابنائه ظهر فى لحظة حاسمه، عندما رفض الطفل الخوف من تهديدات المتهم الواهية.
وقام بإخبار والده، الذى لم يتهاون وانتقل الى المدرسة وتمكن من معرفة الجاني، وتوجه الى الأجهزة الامنية، وحرر محضر بالواقعة ليتمكنوا من ضبط المتهم، وحبسه على ذمة التحقيقات، وعرض الطفل على الطب الشرعى لبيان صحة الواقعة.
طفلة شبين القناطر
وفى شبين القناطر كشفت أسرة طفلة، تفاصيل صادمة حول تعدى خفير تعدى على الطفلة أكثر من مرة، لمدة ١٠ ايام، بعدما تمكن من استدراجها، أثناء ذهابها إلى الغيط لشراء برسيم، وفى طريقها قابلت الخفير، وطلب منها أن تشترى له بعض الأغراض وقام بإخراج ١٠٠ جنيه وأعطاها للطفلة.
وبعودة الطفلة مرة أخرى، قام باستدراجها وطلب منها خلع البنطلون، ثم قام بتهديدها باستخدام مطواة، وهتك عرضها من مواطن عفتها فى الأمام والخلف".
كما قام بالتعدى عليها وهى ذاهبة إلى درس ديني، وعندما حاولت الطفلة الهروب هددها بقتلها وقتل والدها المريض.
هتك عرض
فى واقعة غريبة اقدم شخص على انتهاك حرمة طفل وترويعه بعد شجاره من نجله، فاستدرجه الى بيت مهجور، بمعاونة آخرين، وهتك عرضه..
وكشفت تحقيقات النيابة عن أن المتهم وشهرته "كرع" قام بمعاونة اثنين آخرين من أسرته، باستدراج طفل، بزعم توصيله لوالده، ثم توجهوا به الى أحد المنازل المهجورة، وقاموا بتجريده من سرواله، وتوجه إليه المتهم الأول بسيل من السباب الفاحش.
واستطردت التحقيقات، أن الطفل وما أن تركوه عاد إلى منزله، وهو فى حالة ذعر شديدة، وأبلغ أسرته بما حدث، فتوجه الاب والام الى قسم الشرطة لتحرير محضر بالواقعة، وقررت النيابة حبسه اربعة أيام على ذمة التحقيقات..
طفلة من ذوى الهمم
وفى البساتين، فتحت النيابة العامة تحقيقات موسعة، فى واقعة اعتداء شخص على فتاة من ذوى الهمم، والتحرش بها، والاعتداء عليها بالضرب.
وكشفت تحقيقات النيابة عن تلقى قسم شرطة البساتين بلاغًا، من أحد الأشخاص يفيد بتعرض شقيقته" من ذوى الهمم" لاعتداء بدني، وتحرش جنسي، مستغلًا حالتها المرضية، وقام بترويعها، والاعتداء عليها بالضرب الوحشى لترويعها وعدم فضح أمره.
وتمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط المتهم، وتبين أن لديه معلومات جنائية، وحررت محضر بالواقعة واخطرت النيابة التى باشرت التحقيقات، وقررت حبس المتهم اربعة أيام على ذمة التحقيقات.
بيدوفيليا
وعن سلوكيات الشخص المتحرش اوضح دكتور وليد هندى استشارى الصحة النفسية، ان هذا الشخص عادة ما يعانى من البيدوفيليا وهو هوس العشق بالأطفال وهو ممارسة الفاحشة بفرق عمرى يتجاوز الخمس سنوات، وهو شكل من أشكال الخلل النفسى شديد الخطورة التى قد تصل الى القتل لإخفاء الجريمة، والتى غالبا ما تحدث بين الاقارب لقدرة الشخص على معرفة السيطرة على ضحيته وقدرته على الاستدراج.
كما يمكن ان يكون بين اى شخص ذو سلطه كالمدراس او غيره، وغالبا ما يتم باستخدام الايذاء والضرب وترك اثار سحجات وغيرها على جسد الضحية، وهو شائع بين الرجال اكثر من النساء ، وأضاف انه غالبا ما يكون شخص سيكوباتى لديه سلوك مضاد للمجتمع، يرى ان الضحية لديه ما ليس لديه مثل الاستقرار الاسرى او النجاح والخلق الحسن مما يولد لديه حقد طبقى يدفعه الى ممارسة البيدوفيليا معهم.
وان هذا الشخص السيكوباتى لا يُظهر ميوله العدوانية للمجتمع، بل على العكس يظهر كشخص منمق متعاون، وغالبا ما يأتى من أسرة مضطربة وتصدع أسرى بنائى سواء بالفراق اوتصدع وظيفى بالخلاف والمشاحنات لا يرو الاشباعات النفسية لديه.
إعادة إنتاج السلوك
وأضاف ان مريض "البيدوفيليا" نفسه أحيانا ما يكون قد تعرض لاعتداء جنسى فى الصغر ليقوم بما يسمى إعادة إنتاج السلوك ، وهناك أشكال كثيرة منهم كتعاطى المخدرات، او متلازمة الانفصال الجزئي، وهو خلل فى منظومة العمل فى الدماغ، ولديه انسحاب اجتماعى او كبت جنسى ورفض للنصيحة والمساعدة والخوف من العلاج والوصمات الاجتماعية، ومتقلب المزاج، وفى النهاية هو مرض خطير يسبب العديد من الجرائم تتخطى الاعتداء والاغتصاب وتصل للقتل.
آثار الاعتداء
وواضح “هندى" فيما يخص آثار تعرض الطفل من جراء التحرش، ولذلك وجب التعامل مع الاثار النفسية طويلة الأمد، حيث ان طرق التعامل مع الطفل المتحرش منذ اللحظة الاولى، كمساعدة الام لطفلها من خلال التماسك وعدم الأنفال والاستماع الطفل وعدم إظهار ردور أفعال ترعب الطفل، ويجب تشجيعه على السرد وتصديقه وعدم تعنيفه او استجوابه، لإظهار كل المشاعر السلبية.
ويجب تهدئته والتأكيد على دفاع الأم عنه والتصدى للمتحرش، وعلاج الطفل جسديا مما لحق به من اذى بدنى واللجوء الى المتخصصين، ويجب غمر الطفل بالأمان والحب، وحثه على ممارسة أنشطة كالرسم لتفريغ المشاعر.
دور المجتمع
أما عن المجتمع فيجب الدعم والمساندة وعم الإفشاء بمعلومات تخصه او تكرار اسمه، وحملات من المشاهير بكافة ألوان المجتمع والقصص المؤثرة لمن تعرض لنفس الواقعة ونجو منها واكملو حياتهم بنجاح، والبعد عن استغلال الطفل من أجل مصالح شخصية، والبعد عن تعريضه للتنمر مثل ارتداء الطفل ياسين لملابس "سبايدر مان" لأنه نوع من الخوف من المواجهة، علاوة على دزر المدرسة وتشجيع ولا يتم الدخول معه فى موقف خلافى بعيدا عن اجراءات القانون.
ناقوس الخطر
قال فتحى قناوى، استاذ علم الجريمة بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية ، أنه لا يمكن وصف تلك الوقائع بالظاهرة بالمقارنة بين عدد الوقائع وأعداد الشعب المصري، أو أعداد المدارس على مستوى الجمهورية، ولكن فى مثل تلك الوقائع يجب علينا أن ندق ناقوس الخطر للمشكلة أيا كان حجمها، نظرًا لأن المجتمع أصبح قرية صغيرة، وكل شئ منور للعالم أجمع، بسبب السوشيال ميديا التى تساعد على الانتشار.
فمثل هذا التركيز على الوقائع يُسهل على الآخرين ارتكابها، وليس العكس حيث ان توجيه النصح لا يكون بهذا الأسلوب، لما له من تأثير سلبى على أسرة الطفل، ولكن يجب التركيز على الجانى لمعاقبته، ومعرفة جذور المشكلة.
دراسة الدين
وأضاف "قناوى" أن هناك بعض المدارس التى يُدفع لها آلاف الجنيهات ليس بها تركيز كافٍ على دراسة الدين سواء المسيحى او الإسلامي، ولا يوجد قواميس لدى الجميع سواء من يقوم بالعملية التعليمية، أو الأسرة، قائلا (الأخلاق أساس الفضيلة وتُنَور الطريق للعمل الصحيح)، ولكن ما يحدث الان هو أن الأسرة مجرد توفير متطلبات فقط دون تربية سليمة، علاوة على السوشيال ميديا وأصدقاء السوء، وما يتم فى المدارس.
لذا وجب بدأ التصحيح من المنبع وهو الأسرة والجهات المسئولة، وحجب المواقع الاباحية، والقضاء على استباحت اسرار البيوت من خلال منصات التواصل الاجتماعى مثل "تيك توك".
أمن قومى
واستكمل "قناوى" ان تلك الوقائع والخروج عن النص والتحريض على الإباحية يعتبر قضية أمن قومى يجب التصدى لها، واشار الى ان تلك الوقائع غير مرتبطة بسن او دين او منصب، ولكن مرتبطة بمن استباح المحرمات ورؤيتها، ولذا وجب تغليظ العقوبات والا يكون هناك تصالح فى قضايا الاغتصاب.
حيث ان التأثير النفسى الذى يقع على الطفل لا يُرد بميل، وعقابها القصاص، او الانتظار حيث ان وقائع هتك العرض كواقعة الطفل ياسين من الجانب الطبى لا تكتشف بمرور الزمن، عكس وقائع الاغتصاب التى تقع للفتاة، وأضاف ان واقعتى الطفلة مريم والطفل ياسين لا يختلفا اجتماعيا ونفسيا ولذا يجب توجيه المساعدة النفسية والاجتماعية لهم، بالإضافة الى بيئة جيدة.
خطط للتعافى
وفيما يخص خطط التعامل مع الأطفال ومستقبلهم، أوضح قناوى أنه يجب وضع مستقبل الطفل فى الأولوية صحيً ونفسيا، حيث ان الطفل المجنى عليه من الوارد ان يتحول نفسه لمتحرش فى الكبر كنوع من أنواع الانتقام من المجتمع كله، علاوة على النظرة السيئة فى التعامل معه كمجنى عليه، وانه يوجد مؤسسات للدعم النفسى للأطفال المعرضين للخطر وأن تلك الهيئات موجودة ولكن من يقوم بالإبلاغ.
وأوضح أن جراءة ام الطفل ياسين هى ما جعلها تصل الى الرأى العام ولكنها سوف تتعرض للضغط المجتمعى، وهو ما جعله يدعو الالتزام بميثاق الشرف الإعلامي فى نشر تفاصيل تلك الوقائع، وأنه يجب العودة إلى أخلاقيات وميثاق التعامل المهنى، وان الانسان ضمير نفسه وحاكمها.
العقوبات القانونية
ومن الناحية القانونية؛ لم يتوانى القانون المصرى فى وضع عقوبات رادعة على كل من ينتهك أجساد الآخرين وحرياتهم، حيث جاء فى المادة ٢٦٧ أن من واقع أنثى بغير رضاها، وإذا كانت المجنى عليها لم تبلغ سنها ١٨ سنة ميلادية كاملة، أو كان الفاعل من أصول المجنى عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادماً بالأجر عندها أو عند من تقدم ذكرهم، أو تعدد الفاعلون للجريمة، يُعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد.
ونص القانون على أن إذا كان عمر المجنى عليه لم يبلغ ١٨ سنة ميلادية كاملة أو كان مرتكبها أو أحد مرتكبيها ممن نُص عليهم فى الفقرة الثانية من المادة (٢٦٧)، تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن ٧ سنوات، وإذا اجتمع هذان الظرفان معًا يُحكم بالسجن المؤبد.
هتك العرض
وفيما يخص وقائع هتك العرض الذى يقع على الأقل من ١٨ عامًا، فجاء حكمها واضحًا في المادة (٢٦٩): ونصت على أن كل من هتك عرض صبى أو صبية لم يبلغ سن كل منهما ١٨ سنة ميلادية كاملة بغير قوة أو تهديد يُعاقب بالسجن، وإذا كان سنه لم يجاوز ١٢ سنة ميلادية كاملة أو كان من وقعت منه الجريمة ممن نُص عليهم فى الفقرة الثانية من المادة (٢٦٧)، تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن ٧ سنوات".
وأضافت للمادة (٢٨٨) من قانون العقوبات أن "كل من خطف بالتحايل أو الإكراه طفلاً ذكراً لم يبلغ ١٨ سنة ميلادية كاملة بنفسه أو بواسطة غيره يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن ٥ سنوات"، ويعاقب كل من خطف بنفسه أو بواسطة غيره من غير تحايل ولا إكراه طفلاً لم يبلغ سنه ١٢ سنة ميلادية كاملة، بالسجن المشدد مدة لا تقل عن ٥ سنوات.
نجدة الطفل
أكد المجلس القومى للطفولة والأمومة، على خلفية الوقائع التى يشهدها الشارع المصرى، على ثقته الكاملة فى نزاهة القضاء المصرى فى التصدي لما يواجه المجتمع المصرى من ظواهر سلبية جديدة، نتيجة الانفلات الأخلاقى والذى لا يتفق مع القيم النبيلة التى دعت إليها الأديان السماوية ولا مع مبادئ وقيم المجتمع المصري.
وأوضح فى بيان له أنه وفقًا لأحكام القانون رقم ١٨٢ لسنة ٢٠٢٣ الصادر بإعادة تنظيم المجلس القومى للطفولة والأمومة باعتباره الآلية الوطنية المعنى بالطفل والام، يختص المجلس بتلقى ودراسة الشكاوى الخاصة بانتهاك حقوق وحريات الطفل والأم ، وإحالتها إلى جهات الاختصاص، والعمل على حلها مع الجهات المعنية، وتوفير المساعدة القضائية اللازمة لضحايا الانتهاكات، والتنسيق مع الجهات المعنية لتوفير الإغاثات العاجلة للأطفال.
وناشد المجلس القومى للطفولة والأمومة بضرورة التواصل مع آليات الإبلاغ فى حال تعرض الأطفال للخطر والمتمثلة فى خط نجدة الطفل ١٦٠٠٠ والذى يعمل على مدار ٢٤ ساعة أو من خلال تطبيق الواتس آب على الرقم ٠١١٠٢١٢١٦٠٠، أو من خلال الصفحة الرسمية للمجلس القومى للطفولة والأمومة على موقع التواصل الاجتماعى فيسبوك.
وبذلك قد أصبح من الواضح أن تلك الوقائع وعلى الرغم من توسعها بشكل ملحوظ، إلا أنها لم تتخطى كونها وقائع فردية، وليست بالظاهرة، كما اتضح انه من الضروري تكاتف المجتمع المدنى والمواطنين مع رجال القانون، والمسؤولين عن التشريع للقضاء على هذه النماذج ووأدها من المجتمع ككل، وإعداد دورات داخل المدارس والمصالح الحكومية ودور العبادة، والتوعية بخط نجدة الطفل للجوء إليه والإبلاغ عن وقائع دون الخوف من الفضيحة.
0 تعليق