فيدرالية نسائية تختبر مقومات الوساطة في تقاسم أموال الأسرة بعد الطلاق

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ضمن مسارها الترافعي بغرض إخراج مدونة أسرة تضمن المساواة بين الجنسين، نظمت فيدرالية رابطة حقوق النساء، أمس الأربعاء في الرباط، مائدة مستديرة تحت شعار: “إحداث هيئة للصلح والوساطة مستقلة عن القضاء ومراجعة مدونة الأسرة.. تجارب مقارنة”، استمعت خلالها الجمعية إلى بعض ملامح التجربة البلجيكية، بوصفها من “النماذج الرائدة في مجال مأسسة الوساطة وتمكينها من أداء كافة أدوارها”.

وكانت الهيئة المكلفة بتعديل المدونة قد أوضحت أنه تم إقرار تضمين المدونة الجديدة إنشاء هيئات للوساطة والصلح لمعالجة النزاعات الأسرية قبل اللجوء إلى القضاء، ضمن أبرز التعديلات المقترحة؛ وهي الأرضية التي أطرت المائدة المستديرة، التي تنقب عن “الصيغ الكفيلة باستدعاء الوساطة أيضا أثناء اقتسام الأموال الأسرية المكتسبة خلال فترة الزواج، حماية لحقوق جميع أفراد الأسرة، بمن فيهم الأطفال”.

وساطة الممتلكات

فوزية العسولي، الرئيسة الشرفية لفيدرالية رابطة حقوق النساء، اعتبرت أن “التصور الذي نحتاج إلى أن تتخذه الوساطة هو أن تلعب دور الصلح وتسهيل إجراءات اقتسام الأموال الأسرية المكتسبة خلال فترة الزوجية”، مضيفة أن “نساء كثيرات لا يطالبن بعد الطلاق باقتسام الممتلكات، نظرا لانتشار معلومات مغلوطة وتدني نسب التعليم؛ وهو ما كنا نترافع بشأنه لسنوات لإيجاد آلية تجمع بين النقطتين”.

وشددت العسولي على أن “عملية الصلح، كما هي اليوم، لا تفضي إلى نتائج ملموسة”، وأضافت: “بالنسبة للبعض، ارتفاع معدلات الطلاق يعود إلى نقص الوساطة وغياب المهنية والاحتراف في أداء المهمة؛ فالقضاة لم يتلقوا تدريبا على ذلك، بل ليست هذه وظيفتهم أصلا”، مسجلة “ضرورة مأسسة الوساطة وتوفير أشخاص مؤهلين للقيام بها، وكذا إدخال هذا الخيار إلى صلب القضايا المتعلقة بتقسيم الممتلكات حماية لمصالح الطرفين والأطفال”.

وقالت الرئيسة الشرفية للجمعية الحقوقية المتخصصة في قضايا النساء إن “هناك تجارب دولية جديرة بالاهتمام، خاصة في أوروبا، وعلى رأسها بلجيكا، بالإضافة إلى بعض الدول العربية والإسلامية مثل ماليزيا وباكستان ومصر التي تدعم الوساطة والصلح وتقدم نماذج إيجابية، وإن كانت أحيانا مرتبطة بتفسيرات دينية نابعة من الشريعة”.

“تجربة رائدة؟”

البلجيكية هيلد مولوت، محامية بهيئة لوفان متخصصة في قانون الأسرة، أشارت إلى أن الوساطة في بلجيكا منظمة قانونيا ومبينة وجود أشكال متعددة لها، سواء في سياق المحكمة (Judiciaire) أو خارجها (Extrajudiciaire).

وأضافت: “في الحالة الأولى، يعين القاضي وسيطا ويمكنه، في بعض الحالات، إلزام الأطراف بالسعي إلى حل من خلال هذه الآلية”.

وأفادت مولوت بأن “الدولة البلجيكية أنشأت لجنة اتحادية للوساطة ووسعت نطاق تدخلها”، مبرزة أن الأمر “لا يتعلق فقط بوساطة، بل نظام تعاوني أيضا”.

وأوضحت أن المشرع البلجيكي عرّف الوساطة بأنها “عملية طوعية وسرية لحل النزاع، تسعى الأطراف من خلالها إلى التوصل إلى اتفاق بمساعدة طرف ثالث محايد”، لافتة إلى أنها “تشمل، إلى جانب الوساطة العائلية، القضايا المدنية والتجارية والاجتماعية”.

وأكدت المتخصصة في قانون الأسرة أن “الوساطة مهنة مستقلة تهدف إلى تسهيل التواصل بين الأطراف”، مشيرة إلى أن “التنظيم القانوني الهادف إلى مأسسة الوساطة جاء لتوفير إطار أكثر فاعلية واستدامة وضمان جودتها، لا سيما في القضايا ذات الطابع الأسري”.

وشددت مولوت على أن “بلجيكا دعمت هذه المؤسسة عبر شروط تتعلق بالتكوين الأساسي والمستمر للوسطاء الذين يخضعون لتدريب نظري وتطبيقي يتراوح بين 90 و120 ساعة ويتطلب الحصول على مؤهل علمي، كدرجة الماستر في تخصصات مثل علم النفس، إضافة إلى ترخيص من اللجنة الاتحادية قبل ممارسة المهنة”.

“تحديات راهنية”

قدم أنس سعدون، الباحث في قانون الأسرة المغربي والمقارن، عرضا حول واقع وآفاق الوساطة في المادة الأسرية بالمغرب، مبرزا أن “القانون الأسري يتطرق إلى الصلح ويجعله إلزاميا في كافة المنازعات الأسرية؛ لكن ضعف الموارد البشرية وغياب الإمكانيات يجعل الواقع يقتصر على أعمال الصلح فقط في قضايا الطلاق والتطليق”.

كما استعرض سعدون مجموعة من “الإكراهات التي تحد دون فعالية هذه الإجراءات”. ومن أبرز هذه الإكراهات، التي ذكرها الباحث في قانون الأسرة المغربي والمقارن، “غياب إطار قانوني لمأسسة الوساطة في المجال الأسري وغياب التخصص رغم المجهودات التي تبذلها الهيئات والمؤسسات ومكونات المجتمع المدني”.

وسجل أن “مشروع تعديل مدونة الأسرة يفتح آفاقا واعدة لإمكانية مأسسة الوساطة، خاصة خارج إطار مؤسسة القضاء؛ لأن مهمة الوساطة، التي تعني تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين، تختلف تماما عن مهمة الصلح القضائي”، لافتا إلى أن “مهمة القاضي تتمثل في البت في النزاعات”.

أما يوسف آيت الحو، الكاتب العام للهيئة الوطنية للعدول، فقد شدد على أنه “لا وصاية لأحد على الأسرة، فهي منتوج وطني ينبغي للجميع أن يسعى إلى إصلاحه والرقي به”، مفيدا أنه “بالنسبة للوساطة للعدول ارتباط وطيد جدا بخلية الأسرة فمن مكاتبهم تبدأ. وجمعهم بين الثقافتين القانونية والشرعية يجعل الناس يقصدونهم أحيانا للقيام بالصلح الفردي؛ فالجهات الموكول لها القيام بالعملية غير مؤهلة عمليا لإجراء الصلح والعبرة بالنتائج”.

وأورد آيت الحو، في كلمته، أن “المحكمة تستعين بالمساعدة الاجتماعية”، موردا أن “المكتب الذي تستضيف فيه المساعدة المتخاصمين يكون ضيقا ويكون فيه أشخاص آخرون، لديهم مهام أخرى؛ وهذا يمس بالسرية، خصوصا أن السياق الأسري يكون حساسا ويستدعي رفع السرية عن بعض الأمور بغرض الوصول إلى نتيجة”، وزاد: “المساعدة الاجتماعية تكون أيضا صغيرة سنا وتفتقر إلى التجربة التي تمكنها من البتّ في قضايا الناس”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق