إفيه يكتبه روبير الفارس "دخان الكانون"

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

"الكانون" موقد بدائي سهل الصنع. يُقام على الأرض من حجرين أو قالبين من الطوب النيء، ثم يُحشى بالحطب وتُشعل فيه النار. في ثوانٍ، يتصاعد الدخان، يُعمي العيون، يطهو الطعام، ويترك الصماد الأسود القوي على الأواني.
قد يكون "الكانون" كوسيلة للتدفئة والطبخ قد انتهى واصبح فلكلور في عصر البوتاجاز والميكروويف، لكنه كوسيلة لإشعال الحرائق وإنتاج الدخان الكثيف للتعمية عن القانون لا يزال موجودًا وفعالًا، بل محركًا ومُحرِقًا للسوشيال ميديا.
صارت حياتنا تُحكم في كثير من تفاصيلها بـ"الكانون" لا بالقانون، ومن الشاشات الزرقاء والسوداء يهبط الدخان الكثيف إلى الشارع، فلا رأي ولا رؤية ولا تروٍّ.
أطلِق إشاعة، اروِ موقفًا، انسُج حبكة، واترك التفاعلات تقود... تقود الموقد المشتعل، وتضع المزيد من الحطب والكيروسين.
فهناك من ينتظر، وهناك من يحتل شيطان الفراغ عقله، وهناك من تملأ الطائفية بطنه، وهناك من تحكمه الأهواء.
هناك من يُصدّر الدخان ويربح من إنتاج "الكانون"، في شارع نهمٍ لابتلاع القصص. تُبنى الكراهية بيوتًا من ورق، وعند كل حريق، هناك مزيد من بؤر الحريق، وهناك من يهلل صارخًا: "هل من مزيد؟"

في مذكرات الدعوة والداعية لمؤسس جماعة الإخوان الإرهابية، يبرز حسن البنا بطولاته في محاربة المدارس المسيحية، مدعيًا أنها مدارس تبشيرية استعمارية.
ولم يحدث طوال تاريخ هذه المدارس، على اختلاف الكنائس التابعة لها، أن وقع بها حادثة واحدة لتغيير ديانة طالب أو طالبة من روادها.
وقد عاد صوته ينعق كالبوم في منشورات وبوستات عديدة هذه الأيام: نفس التهم، ونفس الكراهية، ونفس الرفض.
والعجب العُجاب أن أسرة الطفل الذي أثار الدنيا وقلب الحياة وشغل العالم، لم تنقله من المدرسة موضع الاتهام ومكان "الشر" في تلك الرواية!
وهو أمر غريب جدًا! لماذا لم يُنقل من المدرسة؟ وهذا لا يمنع بالطبع السير في إجراءات التقاضي.

الأسئلة في هذه القضية، التي ما زالت تنتظر درجات التقاضي وقوة القانون، أكثر من أن يحتملها دخان "الكانون".
لعل أيسرها: كِبَر سن المتهم؟
إن المصائب التي تحدثها وسوف تحدثها أدوات وسائل التواصل الاجتماعي، وهي أبرز أدوات الحداثة في مجتمع ما زال يُعميه الدخان، سوف تتكرر.
لأن الزيت لا يختلط بالماء، يا سيدي.
ولأن الشوارع القابلة للاشتعال لمجرد منشور أو حكاية بلا سند، هي قنابل موقوتة، مع غياب الوعي وتغلغل الطائفية.

أُفيه قبل الوداع:

* "لكل واحد قانونه يا منصور يا ولدي" – (محمود ياسين في فيلم الجزيرة.)
* المصيبة عندما يكون لكل واحد "كانونه"، لا "قانونُه".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق