تصاعد الجدل السياسي والاجتماعي في الشارع المصري بشأن مشروع قانون الإيجار القديم خلال الأيام القليلة الماضية بعدما بدأت الحكومة مناقشة تعديلات جوهرية داخل البرلمان، أثارت انقسامًا واسعًا بين الملاك والمستأجرين.
وبينما تسعى الدولة لتحقيق توازن تشريعي يراعي حقوق الطرفين، تخوّف المستأجرون من خطر الإخلاء، واعتبر ملاك العقارات التعديلات "مخيبة للآمال".
أولًا: الخلفية القانونية والسياسية لتعديلات قانون الإيجار القديم
حكم المحكمة الدستورية وشرارة التعديل
أصدرت المحكمة الدستورية العليا في نوفمبر الماضي حكمًا بعدم دستورية بعض نصوص قانون الإيجار القديم رقم 136 لسنة 1981، معتبرةً أن ثبات القيمة الإيجارية وإلزامية امتداد العقد تخالف الدستور. حُدد بدء سريان الحكم عقب انتهاء الدورة البرلمانية الحالية، مما دفع الحكومة لإعداد مشروع قانون جديد يتوافق مع الحكم القضائي.
ثانيًا: أبرز مواد قانون الإيجار القديم المثيرة للجدل
1. المادة 5: إنهاء العلاقة الإيجارية بعد 5 سنوات
تنص المادة على إنهاء عقود الإيجار بعد خمس سنوات من تاريخ العمل بالقانون الجديد، ما لم يُتفق على غير ذلك. أثارت هذه المادة تخوفًا شديدًا لدى المستأجرين، خصوصًا كبار السن، حيث اعتُبرت تهديدًا مباشرًا لاستقرارهم السكني.
2. القيمة الإيجارية: قفزة مفاجئة
نص المشروع على رفع الإيجار إلى 20 ضعف القيمة الحالية، على ألا تقل عن 500 جنيه في القرى و1000 جنيه في المدن، مع زيادة سنوية بنسبة 15%، يرى منتقدون أن هذه الزيادة غير عادلة ومجحفة بالمستأجرين، خصوصًا في المناطق الشعبية.
ثالثًا: ردود الفعل داخل البرلمان
اعتراضات النواب: خطر على الاستقرار المجتمعي
رفض عدد من النواب مشروع القانون بصيغته الحالية. النائب مصطفى بكري اعتبره "يتعامل بعين واحدة"، بينما أكد رئيس لجنة الإدارة المحلية أحمد السجيني أن المادة المتعلقة بإنهاء العقود بعد خمس سنوات "قد تؤدي لطرد كبار السن".
مقترحات لتعديل الفترات الانتقالية والقيم الإيجارية
طالب البعض، كائتلاف ملاك العقارات، بفترة انتقالية مدتها 3 سنوات فقط، وبقيمة إيجارية أعلى تصل إلى 2000 جنيه بالمناطق الشعبية، معتبرين مشروع الحكومة مخيبًا للآمال ولا يعيد الحقوق للملاك بشكل منصف.
رابعًا: موقف الحكومة – بين الإنصاف والضمانات
الحكومة: "لن نُخلّي إلا بعد توفير بديل كريم"
أكد وزير الإسكان أن الدولة ستبدأ فور إقرار القانون في تلقي طلبات الحالات الخاصة، وتوفير سكن بديل وفق معايير عادلة، وبرنامج زمني محدد. وشدد على أن "القانون لا يستهدف الإخلاء، بل إعادة التوازن".
المستشار محمود فوزي: "الانحياز سيكون فقط للعدالة"
قال وزير الشؤون النيابية إن القانون يستهدف إنهاء تشوهات تاريخية، وأوضح أن المحكمة الدستورية أصدرت 39 حكمًا بشأن الإيجار القديم، منها 26 بعدم الدستورية، ما يستوجب تدخلًا تشريعيًا حاسمًا.
خامسًا: خطوات الدولة لتوفير السكن البديل لسكان قانون الإيجار القديم
وزارة التنمية المحلية: خطة لحصر الأراضي وبناء مساكن جديدة
أعلنت الوزيرة منال عوض عن بدء حصر للأراضي في أربع محافظات كبرى (القاهرة، الجيزة، القليوبية، الإسكندرية) تمهيدًا لبناء مساكن بديلة للفئات المتضررة من القانون، بالتعاون مع صندوق الإسكان الاجتماعي.
سادسًا: النقاط العالقة وأفق التوافق
أبرز نقاط الخلاف: الإخلاء والقيمة الانتقالية
تلخصت الاعتراضات البرلمانية والشعبية في نقطتين: الأولى تتعلق بمدة الإخلاء التي يرى البعض أنها قصيرة نسبيًا، والثانية في القيمة الموحدة (1000 جنيه) التي لا تفرّق بين الأحياء الراقية والعشوائية.
دعوات لإعادة التوازن
طالب نواب وأعضاء حقوقيون باستمرار جلسات الحوار للوصول إلى صياغة توافقية تراعي العدالة الاجتماعية، في حين أكدت الحكومة مرونة القانون وقدرته على التطوير دون الإخلال بفلسفته.
مسار طويل نحو توازن عادل
بين التعديلات الدستورية، والتحديات الاجتماعية، والتخوفات المشروعة، يبدو أن ملف الإيجار القديم في مصر يسير نحو إعادة هيكلة شاملة طال انتظارها. غير أن التحدي الأبرز يظل في ضمان التنفيذ العادل والمتدرج دون المساس بحقوق الطرفين، في مجتمع يشهد تناميًا سكانيًا وضغطًا عمرانيًا متزايدًا.
0 تعليق