أكاديمية المملكة تتأمل آلة القانون بين الجذور المشرقية والامتدادات المغربية

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

احتضن الملتقى الدولي الذي ينظمه المعهد الأكاديمي للفنون، التابع لأكاديمية المملكة المغربية، بتعاون مع “رياض القانون”، حول آلة القانون ورشة علمية، اليوم الخميس، حول موضوع “آلة القانون في المغرب والمشرق، مقاربات متقاطعة”، سيّرها الباحث في الموسيقى والآداب سفيان اجديرة وشارك في تأطيرها عبد الناصر مكاوي وحسن بكاري من المغرب وأمل حمال عياد من مصر.

وتنظّم “التظاهرة الأمّ”، الممتدة من 05 إلى 09 ماي، تحت عنوان “آلة القانون.. الأصول، الانتشار والتفرد الموسيقي بين الشرق والغرب”. وتندرج “هذه التظاهرة في إطار أهداف المعهد الأكاديمي للفنون واهتمامه بالتراث الموسيقي المغربي لصيانته والتعريف به وتحديث طرق عرضه وممارسته، والبحث عن الجوانب النظرية والتطبيقية العلمية للممارسة الموسيقية، وتشجيع الطاقات الفنية والإبداعية ونشر المعرفة المرتبطة بآلة القانون”.

الأصل بالمغرب

عبد الناصر مكاوي، عازف وأستاذ آلة القانون ومدير مؤسسة “رياض القانون”، بيّن، في مداخلته، أن “هذه الآلة ظهرت في المغرب سنة 1916 في نواحي مدينة مراكش، وبالضبط بمنطقة أوريكا، على يد الموسيقار المصري المرسي بركات باراكات، الذي ساهم في تأسيس المدرسة الموسيقية المغربية الشرقية بالمغرب”، تم استيراد مجموعة من آلات القانون من المشرق من أجل العزف عليها من لدن إحدى المولوعات”.

وبعد ذلك، أشار مكاوي، في كلمته المتمحورة حول “آلة القانون بالمغرب.. الواقع والآفاق”، إلى “انتقال بركات إلى مدينة الدار البيضاء، حيث كان يقدم حفلات وسهرات رفقة مجموعة من المطربين والملحنين والعازفين القادمين من مصر ولبنان وسوريا وتونس؛ فحينها كان هناك تواصل فني بين المغرب وبلدان المشرق العربي”، وعندما “التحق بركات بميتم في مدينة الدار البيضاء، قام بتأطير وتدريس طلبة في مجموعة من التخصصات كآلة العود، والإيقاع، والغناء”.

وذكر أن الموسيقي المصري “قدم دروسا في آلة القانون بمصاحبة عازف القانون المغربي سليم عزرة بمدينة الدار البيضاء؛ فتتلمذ على يديهما كل من المكي فرفرة، أول عازف للآلة في المغرب، وصالح الشرقي، وبوبكر الطالبي، الذين شكلوا الجيل الأول لعزف آلة القانون المغربي، والذين أصبح لهم حضور مميز في العزف على هذه الآلة. فوظّفت كذلك هذه الآلة من لدن أحمد البيضاوي، المعروف بميوله إلى المدرسة العربية الشرقية”.

وزاد: “تم توظيف الآلة كذلك من لدن عبد القادر الراشدي، وهو من رواد الموسيقى المغربية، في ألحانه التي تميزت بكونها تستمد روح الأنغام من الإيقاعات المغربية التراثية وغيرها”، مسجلا أن “الراشدي وظف الطبوع والموازين الأندلسية في الموسيقى العصرية المغربية”، وتابع: “أدّت آلة القانون في هذه الأعمال تقاسيم وجُمَلا موسيقية، كما صاحبت المطربين في أداء مواويل؛ واستُخدمت في الموسيقى الأندلسية المغربية من لدن الجعيدي وأحمد الوكيلي”.

وبالنسبة لتدريس آلة القانون بالمغرب، لفت الباحث في الموسيقى إلى أن “الجيل الأول اهتم بها وأبدعوا فيها، وقاموا بتلقينها للجيل الثاني في بعض المعاهد الموسيقية بمدينة الرباط ومدينة الدار البيضاء، عن طريق الاستماع والحفظ والمحاكاة، في ظل غياب برامج ومناهج بيداغوجية تساهم في تقديم الدروس بطريقة سلسة ومرحة”، مسجلا “انفتاح صالح الشرقي على بعض البرامج والمناهج المبسطة، حيث قام بتأليف كتاب “القانون في الموسيقى المغربية” سنة 1965، والذي تضمّن تاريخ ومكونات الآلة”.

وقال مكاوي إنه “قام بتلحين قطع غنائية وآلية خاصة بآلة القانون، والتي كان يؤديها في عروض موسيقية مع مجموعات مصغّرة، وقام المكي فرفرة كذلك بتقديم دروس في آلة القانون، وكان عضوا في فرق موسيقية عصرية وأندلسية، وكان بارعا في العزف”، ثم “ظهر بعد ذلك الجيل الثاني في آلة القانون، وأغلبهم تتلمذ على أيدي فرفرة والشرقي وبوبكر الطالبي، حتى وصل الفن إلى الجيل الثالث بتلقين آلة القانون”.

وأشار مدير مؤسسة “رياض القانون” إلى أن “من بين الإكراهات التي تحدّ من إقبال الشباب على آلة القانون في المغرب هو عدم توفر برامج ومناهج تعليمية واضحة، والاكتفاء أحيانا بالتلقين التقليدي”، مضيفا: “قلة الأساتذة المتخصصين الذين يُدرّسون هذه الآلة في المعاهد الموسيقية وعدم توفرهم على تكوين بيداغوجي، إلى جانب تكوينهم الفني كلها عوامل تجعل من عملية التعليم غير فعّالة في بعض الأحيان”.

تربية اجتماعية

حسن البكاري، باحث متخصص في علم اجتماع الموسيقى، قال إن “الموسيقى تستحقّ أن تكون اللغة الإلزامية في جميع مدارس العالم”، معتبرا أن “هذه من المفارقات التي قد تغيب أو تحضر في مجموعة من السياقات المجتمعية؛ لكننا نلاحظ أن التقدير والاهتمام بالموسيقى التعليمية كما عرفته المجتمعات الإنسانية في الماضي فقد مكانته، بسبب عوامل عديدة لها ارتباط بالسياق الاجتماعي والتربوي والثقافي، وكذلك بالتحولات المجتمعية سواء على المستوى الاقتصادي أو التكنولوجي والرقمي”.

وفي مداخلته المتعلقة بأثر الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والتربويّة على سيرورات تعلم العزف على الآلات الموسيقية- آلة القانون نموذجا، أفاد البكاري بأن “هذه حالة تعيشها المجتمعات الحديثة في المجال الموسيقي، وهي عوامل مست الحقل الموسيقي في عمقه التربوي والتعليمي والجمالي، وغيرت من بنيتها وطبيعة الأعمال وطرق إنتاجها وتوزيعها واستهلاكها”.

وقال: “ساهم الوضع بشكل مباشر في التأثير على طبيعة العلاقة ما بين الإنسان والموسيقى، وعلى طرق تعامله معها بشكل عام”.

وشدد على أن “الشعور بالتوافق الاجتماعي بالمعنى الموسيقي يتحقق من خلال الانخراط في تعلم مهارة العزف”، مضيفا أن “هذا التوافق الإيجابي يكون مصدره ربما التوافق مع مهارات العزف وتعلمها وأداء أشكال موسيقية متنوعة”، وزاد: “اكتساب هذا النوع من المهارات يؤثر ضمنيا على أذن وإحساس المتعلم الموسيقي، ومن ثم على أخلاقه وسلوكه الاجتماعي. فتصبح التعلمات الموسيقية والانخراط في الفعل الموسيقي وسيلة للضبط الاجتماعي”.

وأوضح أن “الموسيقى بديناميتها وكذلك بثباتها وعقلانيتها تشكل أداة ووسيلة للضبط الاجتماعي، سواء على المستوى الأخلاقي أو السلوكي”.

وبخصوص الخصائص الاجتماعية والثقافية والإبداعية في ممارسة الفعل الموسيقي في حالة عازف آلة القانون، قال المتحدث: “من المعلوم أن كل حدث موسيقي يُعد واقعة فنية واجتماعية وثقافية واقتصادية، ويكشف عن أفعال وسلوكيات أفراد بمختلف مواقعهم ووظائفهم”، وزاد: “هناك فئة الموسيقيين وفئة الجمهور، الذين ينتظمون داخل فضاء اجتماعي في زمن محدد”.

ومضى الباحث شارحا: “عندما نحصر علاقة الموسيقى بالإنسان في الجانب العاطفي والجمالي، فهذا معناه أنها تمثل بطبيعة الحال حقيقة اجتماعية لهل أسبابها وانعكاساتها على الحياة الاجتماعية”، وزاد: “بالتالي، فممارسة الفعل الموسيقي هي، إذن، واقعة حضاري وموسيقي وفني، وعلامة من علامات الرأسمال الثقافي الذي يمتلكه الموسيقي، والذي يظهر في تفاعلات وردود أفعال المجتمع بالمعنى النفسي والاجتماعي، والتي تحصل عند مواجهة أي خلفية موسيقية لا تقتصر على جماعة دون غيرها”.

تحديات مطروحة

تناولت الباحثة المصرية أمل جمال عياد، المتخصصة في الفلسفة والتربية الموسيقية، التحديات التقنية التي صارت تواجه الفعل الموسيقي، خصوصا أمام بروز الذكاء الاصطناعي، موضحة أن الأخير “أصبح منتشرا بشكل متزايد في العديد من جوانب الحياة الحديثة، ولم يعد عالم الموسيقى والغناء استثناء”، و”إحدى الطرق المنتشرة حاليا لاستخدامه في عالم الموسيقى العربية هي إنشاء مطربين افتراضيين قادرين على الغناء والأداء مثل المطربين الحقيقيين”.

وسجلت المتحدثة، في عرضها المتعلق بتحديات عصر التكنولوجيا الحديثة في مجال الموسيقى العربية وآلة القانون، أن هذه التقنيات تتيح “خلق المطربين الافتراضيين باستخدام خوارزميات وتقنيات التعلم الآلي”، متطرقة كذلك لمميزات الذكاء الاصطناعى في مجال الموسيقى؛ من قبيل “القضاء على الخطأ البشري، وتحقيق الكفاءة والدقة، بالإضافة إلى خفض التكاليف وتحسين صنع القرار البشري، فضلا عن الحصول على البيانات الفعالة وتحليلها وفهم البيانات عالية الأبعاد”.

وأكدت الباحثة عينها على ضرورة “التعلم والتطوير عن طريق تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية لعازفي آلة القانون لتعلم التقنيات الرقمية وبرامج التوزيع الموسيقي والتدريس، وخفض كلفته ليكون في متناول الجميع لكونها تعد جد مرتفعة”، مشددة على “توظيف التكنولوجيا بوعي واستغلال التكنولوجيا في تعزيز الصوت والتوزيع دون فقدان الهوية الموسيقية الأصيلة”.

وتقاسمت الأكاديمية المصرية جملة من المقاطع التي تبين صعوبة التمييز في الوقت الحالي بين الصناعة الموسيقية البشرية واقتراحات الثورة التقنية التي باتت تتقمّص كافة الأدواء بما فيها الغناء والتلحين، مشددة من جهة أخرى على “حماية آلة القانون من التدخل الصناعي المفرط ودعم المبادرات الثقافية وإقامة فعاليات ومهرجانات تركز على الترويج للموسيقى العربية وآلاتها التقليدية مثل هذه الآلة العريقة”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق