كبير الباحثين بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
الجمعة 09/مايو/2025 - 09:02 م 5/9/2025 9:02:35 PM

خلال الـ24 ساعة الماضية، اهتمت وسائل الإعلام العربية بما نشرته عدد من الصحف الإسرائيلية وتحديدا (إسرائيل هيوم - هآرتس - وكذلك القناة 12 الإسرائيلية)، حول اتساع مساحة الخلاف بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
تستند فرضية انقلاب ترامب على نتنياهو على معطيات يمكن حصرها في التالي:
- تأكيد صحف أمريكية أن إدارة ترامب بصدد توقيع اتفاق مع السعودية لإنشاء مفاعلات نووية سلمية، على أن تشمل تخصيب اليورانيوم داخل المملكة، دون وضع أي شروط لتطبيع العلاقات أولا مع إسرائيل، وفقا لما كانت تطرحه إدارة بايدن.
- الاتفاق الذي توصلت له إدارة ترامب مع جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن، لوقف التصعيد المتبادل، بوساطة عمانية، مقابل توقف الحوثيين عن استهداف فقط "السفن الأمريكية" التي تعبر البحر الأحمر، ودون شمول ذلك وضع واشنطن شرطا لوقف الهجمات الصاروخيّة على إسرائيل أو حتى وقف استهداف السفن الإسرائيلية.
- أن إدارة ترامب قررت الدخول في جولات مفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، دون تنسيق مسبق مع نتنياهو،
- الذي كان يعول على تطابق الموقف الأمريكي مع تل أبيب في ضرورة الاستهداف العسكري للبرنامج النووي الإيراني.
- إقالة ترامب لمستشارة للأمن القومي "مايك والتز"، بعد أن فضيحة "سيجنال"، لكن الأهم بعد أن تم الكشف عن مناقشة والتز مع نتنياهو قبيل اجتماعه بترامب، خطط الخيار العسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية، وهو الأمر الذي نفاه نتنياهو بعدها في تصريح رسمي في حسابه الرسمي على موقع X.
- عرقلة نتنياهو التوصل لاتفاق مع حماس يفضي بالإفراج عن الأسرى والرهائن خاصة الأسير "عيدان ألكسندر"، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، والذي طالب ترامب مرات عديدة بالإفراج عنه، في حين أن نتنياهو وائتلافه الحاكم مصرين على توسيع العملية العسكرية في غزة بما يهدد حياة الأسرى والرهائن.
- خاصة أيضا أن مبعوث ترامب ستيف ويتكوف وكذلك ترامب نفسه عقدوا لقاءات عديدة مع عائلات الرهائن سواء المفرج عنهم أو لم يفرج عنهم بعد، وقدموا وعودا بأن العمل جاري للوصول لصفقة للإفراج عن الجميع.
- إن إدارة ترامب وفقا للصحف الإسرائيلية بصدد الإعلان نهاية الأسبوع القادم أثناء أو قبيل زيارته لدول الخليج، عن خطة شاملة في غزة تشمل آلية لإدخال المساعدات وتصور كامل حول وقف إطلاق النار ومستقبل القطاع، وأن نتنياهو عليه اللحاق بهذه الخطة.
- أن وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، ألغى زيارة كان مقررا أن يقوم بها لإسرائيل في 12 مايو الجاري، قبيل زيارة ترامب المرتقبة للشرق الأوسط من 13 حتى 16 مايو وتشمل السعودية والإمارات وقطر، بجانب اجتماع مع كل دول مجلس التعاون الخليجي.
- إن الخلاف الإسرائيلي التركي داخل سوريا، أزعج إدارة ترامب، وهو الأمر الذي دفع ترامب نفسه وأمام وسائل الإعلام في البيت الأبيض في وجود نتنياهو إلى ضرورة التنسيق مع تركيا وعدم الصدام، وهو ما ترجم بعدها في لقائين بين وفود إسرائيلية وتركية في باكو عاصمة أذربيجان (اللقاء الثاني مرجح أن يتم خلال الساعات القادمة).
- كما أن إدارة ترامب بدأت تستمع للدول الخليجية (السعودية - قطر) الراعية للنظام الجديد في سوريا حول فرص إعادة إدماجه والعمل على إزالة المخاوف الأمريكية.
لكن هل كل المعطيات السابقة (التي هي مجرد تكهنات وتحليلات) تعني بالضرورة أن ترامب انقلب على نتنياهو وأن أسابيع العسل بينهما قد أوشكت على الانتهاء؟، في رأيي، لا. لعدة أسباب:
- أن المصدر الرئيسي لحدوث شروخ في العلاقات بين نتنياهو وإدارة ترامب، هي صحف ومواقع إسرائيلية (إسرائيل هيوم - هآرتس - موقع والا)، وعليه علينا ألا نبالغ في أي تقديم أي تقديرات ومؤشرات حول تحول في السياسة الأمريكية.
- هناك مبالغة في تحليل ردود فعل الصحافة الإسرائيلية وكذلك سياسيين معارضين كيائير لابيد على سبيل المثال، حول الاتفاق المرتقب بين البيت الأبيض والسعودية لإنشاء برنامج ومفاعلات نووية سلمية في المملكة، فهذا الاتفاق جزء من اتفاقيات عديدة تشمل مجالات عسكرية وتكنولوجية بعقود تتجاوز التريليون دولار، اعتبرها ترامب نفسه إنجاز لإدارته، ولم تكن هذه العقود مرتبطة بأي شرط لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل أولا.
- كما أن هذه الاتفاقيات والعقود تختلف عما كانت تطرحه إدارة بايدن حول "اتفاقية دفاعية" مع السعودية كشرط للتطبيع.
- الخلاف الأمريكي الإسرائيلي حوّل المفاوضات النووية مع إيران، واعتبار عدم ترجيح ترامب للخيار العسكري بمثابة صفعة لنتنياهو، يحتاج لمراجعة بالتأكيد، فمنذ متى وكان الخيار العسكري له الأولوية لدى إي إدارة أمريكية لتقويض البرنامج النووي الإيراني، فالخيار الناجع دائما كان سلاح العقوبات، والتهديد العسكري.
- وعليه، فإن ترامب يركز على ضمان عدم حصول طهران على سلاح نووي، وتعظيم المكاسب الأمريكية باتفاق تاريخي يغاير اتفاق 2015 الذي أبرمته إدارة أوباما.
- كما أنه في حال التوصل لاتفاق، فمن غير المتخيل أن يقبل ترامب استمرار إيران في الاستثمار في ميليشيات وجماعات مسلحة في الإقليم، الأمر هنا يمكن فهمه أن ترامب يريد التوصل لاتفاق يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي بما يحقق المصلحة العليا الأمريكية وكذلك مصلحة إسرائيل والتي تختلف عن مصلحة نتنياهو نفسه.
- الاتفاق الأمريكي مع الحوثيين، لا يجب فهمه إلا في إطار أن إدارة ترامب تبحث عن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية قبل مصالح أي طرف حتى لو كانت إسرائيل، بعد أن وصلت لقناعة أنها لن تستطيع تحقيق حسم كامل في هذه الجبهة، بدليل أن الهجوم المكثف على اليمن ل50 يًوما بدء من 15 مارس الماضي، لم يمنع هجمات الحوثيين على سفن الملاحة، ولم يمنعهم حتى من تكثيف ضرباتهم على القطع البحرية الأمريكية وإيقاع خسائر.
- كما أن تجربة عملية "حارس الازدهار" التي شنتها إدارة بايدن لأكثر من عام ضد الحوثيين فشلت في تحقيق أهدافها، وهو ما تأكد منه ترامب بالتجربة العملية في أقل من شهرين.
- عدم شمول اتفاق ترامب مع الحوثيين، وقفا لهجمات الحوثيين على إسرائيل وسفنها التجارية، لا يعني وقف التعاون والتنسيق العسكري والاستخباراتي بين القيادة المركزية الأمريكية والجيش الإسرائيلي ليقوم هو بنفسه باستكمال هجماته وضرباته ضد الحوثيين في اليمن.
- غير متوقع في المدى القريب والمتوسط أن تمارس إدارة ترامب ضغوطا على إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي احتلتها في سوريا بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي، ولا حتى الخمس نقاط التي لا تزال تحتلها إسرائيل في جنوب لبنان.
- النقطة الأهم: المبالغة في خطة أمريكية نهاية الأسبوع القادم لإنهاء الحرب في غزة، واعتبار ذلك انقلاب على نتنياهو، حديث عبث، فعلينا جميعا الانتظار والترقب، لأن الخطة الأمريكية المقترحة هى نفسها (الخطة الإسرائيلية) التي وافق عليها الكابينيت الإسرائيلي، حول إنشاء "مجمعات إنسانية"، في غزة منها منطقة إنسانية بين محور موراج ومحور فيلادلفيا، ليتم توزيع المساعدات الإنسانية والإغاثية، على أن يتم نقل كل سكان القطاع إلى هذه المناطق، والخلاف الرئيسي الآن حول هذه الخطة الإسرائيلية (الأمريكية) هو اختيار الجهة الدولية التي ستتولى توزيع المساعدات وتأمينها دون وصولها لحماس، في ضوء رفض الأنروا وباقي المنظمات الإغاثية الأممية الأخرى هذا الطرح، وهو ما دفع إدارة ترامب لإيجاد بديل وهو مقترح "مؤسسة غزة الخيرية" على أن يترأسها المدير السابق لبرنامج الأغذية العالمي، ديفيد بيزلي، وهذا المقترح الخاص بالمؤسسة قدمه مبعوث ترامب ستيف ويتكوف في جلسة مغلقة لمجلس الأمن مؤكدا أنها ستكون مستقلة وبإدارة مدنية.
- ليس هناك توافق دولي وإقليمي بعد حول هذا المقترح الأمريكي (الإسرائيلي) الأصل، خاصة وأنه يتماشى مع استراتيجية تل أبيب لإنهاء عمل وكالة الأنروا والمنظمات الأممية داخل غزة والأراضي المحتلة.
- الخطة الأمريكية هنا في جانبها الإنساني، لا تنهي الحرب في غزة، وليس بالضرورة أن تفضي لاتفاق بين إسرائيل وحماس لصفقة شاملة لتبادل الأسرى والمحتجزين مقابل وقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع. فنتنياهو يحتاج لصفقة جزئية لكن حماس ترفض هذا الطرح.
- لا يوجد أي تغيير في الموقف الأمريكي من خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين وقد تكون "المناطق الإنسانية" المزمع إنشاؤها جزء من الخطة الإسرائيلية لتسريع عملية التهجير الطوعي للفلسطينيين من داخل هذه المجمعات.
- نزع سلاح حماس وتدمير الأنفاق لا يزال مطلبا أمريكيا كشرط لوقف الحرب، وإعادة الإعمار، وهو ما ترفضه حماس والفصائل الفلسطينية. وعليه مهم ألا نزيد من التفاؤل حول قرب إنهاء أزمة غزة.
الخلاف القائم بين ترامب ونتنياهو قد يكون مجرد ضباب للتغطية على ما هو قادم، فالخطة القادمة هي خطة إسرائيلية في الأصل، ومع افتراض وجود تناقض في بعض الرؤى فهذا لا يعني الإقرار بتحول استراتيجي في نظرة ترامب لنتنياهو والمصالح الإسرائيلية.
0 تعليق