شهدت الأوساط الأكاديمية في الجزائر جدلا واسعا إثر قرار عمادة كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة حسيبة بن بوعلي بالشلف، القاضي بمنع أساتذة قسم التاريخ من الإدلاء بأية تصريحات أو إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام الأجنبية بمختلف أنواعها، دون الحصول على ترخيص مسبق وصريح من إدارة الجامعة.
وجاء في المراسلة الصادرة عن العميد تحت عنوان “تعليمات داخلية موجهة إلى أساتذة قسم التاريخ”: “عملا بالتعليمات التنظيمية المعمول بها في مؤسسات التعليم العالي، وحرصا على حماية صورة الجامعة وضمان انسجام الخطاب الأكاديمي مع التوجيهات الرسمية للدولة، يُطلب من جميع أساتذة قسم التاريخ بالكلية الامتناع عن الإدلاء بأية تصريحات أو إجراء مقابلات مع وسائل الإعلام الأجنبية المرئية أو المسموعة أو المكتوبة أو الإلكترونية، دون الحصول على ترخيص مسبق وصريح من الإدارة. ويُعتبر كل تصريح خارج هذا الإطار خرقا للإجراءات الإدارية، وقد يعرض صاحبه للمساءلة التأديبية وفقا للتنظيمات المعمول بها. لذا، يُرجى التقيد الصارم بفحوى التعليمة”.
وفي هذا الإطار، قال أحمد نور الدين، خبير العلاقات الدولية، إن الهدف الحقيقي من المنع يكمن في “إسكات أي صوت ينطق بالحقائق التاريخية التي تزعج النظام”.
وأشار نور الدين، ضمن تصريح لهسبريس، إلى أن الإعلان جاء كرد فعل “خوفا من الحقيقة التي نطق بها بوعلام صنصال عن مغربية الصحراء الشرقية وأجزاء كبرى من الخارطة التي رسمتها فرنسا للجزائر، سواء في الصحراء الشرقية أو المناطق التي تقع اليوم في غرب الجزائر انطلاقا من مدينة معسكر إلى وهران وتلمسان وغيرها، وخوفا من الحقائق التاريخية التي كشفها نور الدين آيت حمودة عن الأمير عبد القادر وخوفا من كشف حقيقة التراث المغربي الذي تريد الجزائر قرصنته؛ ولكن لا يمكن تغطية الشمس بالغربال؟! والتاريخ كشاف”.
بدوره، اعتبر عبد الفتاح الفاتيحي، خبير العلاقات الدولية، أن القرار يشكل “انتهاكا صريحا للحق في التعبير ورفضا للرأي والرأي الآخر”، ووصاية على مؤسسات يفترض أن تكون منارات حرة لتعدد التوجهات الفكرية والثقافية.
وأكد الفاتيحي، ضمن تصريح لهسبريس، أن “فرض وصاية على آراء الأساتذة، أيا كانت تخصصاتهم، هو إسكات للأفواه وتحجيم لوجهات النظر، ويجب ألا يكون الفيصل فيها إلا التدافع العلمي الحر”.
وتابع الخبير العلاقات الدولية: “إن اقتياد مؤرخ جزائري إلى السجن لمجرد إعلانه وجهة نظره حول قضية تاريخية يُسفه بهيبة العلماء ويقيد مواقفهم العلمية، والمصادقة على فرض رقابة على زملائهم في الجامعات تصرفٌ أشبه بالخطأ الفادح وانتهاك جسيم لحرية التعبير”.
وأضاف المتحدث عينه أن “النظام الجزائري يعيش أزمة ثقة في هويته وانتمائه للثقافة المغاربية. ولذلك، يتجه نحو أسلوب الدولة الشمولية التي تحوّل الجامعات إلى سجون كبيرة”.
وكانت الجزائر في قرار مثير للجدل فتحت تحقيقا قضائيا ضد أحد ضيوف قناة “سكاي نيوز عربية”، على خلفية بث مقطع مصور على مواقع التواصل الاجتماعي وُصف بأنه “يمس بالرموز الوطنية والوحدة الوطنية”.
وأوضح بيان رسمي صادر عن المحكمة أن المعني، ويدعى محمد الأمين بلغيث، ظهر في المقطع وهو يُجري مقابلة تلفزيونية “ضمن مشروع صحفي درامي”، وتضمّن كلامه، بحسب النيابة، “مساساً صريحاً بالرموز الوطنية والثوابت، وتحريفاً لهوية الأمة الجزائرية، وخرقاً لأحكام الدستور”
0 تعليق