“الجنس تواصل وليس تناسل” هو عنوان كتاب للكاتب المصري خالد منتصر، ومن هذا المنطلق يُطالب عدد من الحقوقيين والفاعلين التربويين بإدماج التربية الجنسية في المناهج الدراسية، في إطار المشاورات التي تُجريها الأكاديميات الجهوية لتكييف البرامج التعليمية مع توجهات مشروع “المدرسة الرائدة”.
يُشار إلى أن الدولة استجابت جزئياً لبعض هذه المطالب من خلال إدراج مادة “التربية الأسرية”، واعتماد محور خاص بالتوالد عند الإنسان ضمن دروس علوم الحياة والأرض، فضلاً عن تناول مواضيع مثل الجماع والعلاقات الزوجية في بعض مقررات التربية الإسلامية، وذلك في إطار مقاربة مبسطة ومحدودة للمسائل المرتبطة بالتربية الجنسية.
وقد ورد هذا المطلب ضمن مسودات وُجهت إلى الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، اطلعت عليها هسبريس، إلى جانب وثائق أخرى تُعدها حالياً هيئات حقوقية بغرض تقديمها لاحقاً، في وقت مازال الموضوع قيد النقاش ولم يُعلن عنه بشكل رسمي بعد.
ضرورة ملزمة
يرى موراد شويكا، الحقوقي المهتم بقضايا الطفل والشباب، أن إدماج التربية الجنسية في المناهج الدراسية لم يعد خياراً، بل أصبح ضرورة تمليها تحولات المجتمع المغربي، مشدداً على أن هذا التوجه لا يتعارض مع طبيعته المحافظة، بل يسعى إلى ترسيخ مبادئ الاحترام والمسؤولية لدى الناشئة.
ويؤكد شويكا، في تصريح لهسبريس الإلكترونية، أن تنامي الظواهر المرتبطة بالعلاقات الجنسية العشوائية، والانتهاكات الجسدية، وارتفاع عدد الأمهات العازبات، يعكس الحاجة الملحّة إلى تربية جنسية مبنية على أسس علمية، تُعزز وعي الذكور بحقوق الآخرين، وتمكّن الإناث من حماية أجسادهن وفهم حدودهن الشخصية.
وشدّد المتحدث ذاته على أن الدعوة إلى إدماج التربية الجنسية لا تعني الانفلات من القيم، بل تروم إعمال المنطق والعلم في مقاربة موضوع حساس، مشيراً إلى أن الاكتفاء بالخطاب الديني غير كافٍ، تماماً كما لا يمكن معالجة الاضطرابات النفسية بالذكر فقط دون اللجوء إلى المتخصصين.
وأضاف الحقوقي نفسه أن التربية الجنسية تتطلب معالجة مهنية تراعي الجوانب النفسية والاجتماعية والتربوية، بعيداً عن الاجتهادات الفردية أو الخطابات الأخلاقية العامة، موضحاً أن ما تحقق حتى الآن يظل محتشماً، وأن إدراج بعض المفاهيم الجنسية داخل المقررات الحالية يتم بطريقة مترددة تُفرغها من محتواها التوعوي الحقيقي.
ولفت شويكا إلى أن مجرد نطق الأستاذ بكلمات مثل “جماع” أو “جنابة” داخل الفصل الدراسي يُقابل عادةً بردود فعل هزلية من التلاميذ، ما يكشف عن غياب تربية جنسية فعلية منذ المراحل الأولى من التعليم، داعياً إلى إدماج هذا النوع من التكوين بشكل تدريجي انطلاقاً من التعليم الابتدائي، موردا أن الأفكار التي طرحها خالد منتصر في مصر منذ عام 2001، التي وُوجهت حينها بالرفض والاضطهاد، تُعاد اليوم إلى الواجهة في سياق أكثر نضجاً ووعياً، مشيداً بالكتب التي ألّفها للأطفال لتعريفهم بأجسادهم بطريقة علمية مبسطة، معتبراً إياها مراجع تربوية تستحق أن تُدمج في المناهج الدراسية لبناء وعي مبكر ومتوازن.
كما اعتبر المتحدث أن التعامل المتزمت مع موضوع التربية الجنسية يُنتج نمطين متناقضين من الأفراد: أحدهما تتشكل لديه شهوة مبكرة تدفعه نحو الممارسة دون وعي، ما قد يؤدي إلى الانحراف، والآخر يبلغ مرحلة عمرية متقدمة دون أي معرفة بجسده أو كيفية التعامل معه، مؤكداً أن المجتمعات الإسلامية مطالبة بأن تكون أكثر وعياً واتزاناً في هذا المجال، بدل ترك الأطفال عرضة للجهل والارتباك.
أفكار مغرضة
من جهتها عبّرت السعدية أمزول، أستاذة مادة التربية الأسرية، عن رفضها مقترح إدماج التربية الجنسية كمادة مستقلة داخل المناهج الدراسية، معتبرة أن هذه الدعوات تروّج لأفكار مغرضة لا تخدم المصلحة التربوية، في وقت يواجه التعليم المغربي أزمات أعمق تتعلق بالمناهج، وضعف التكوين، وتراجع جودة التحصيل الدراسي.
وترى أمزول، في تصريحها لهسبريس الإلكترونية، أن مثل هذه المواضيع يمكن تناولها ضمن بعض المواد، كمادة التربية الأسرية، إذا تم ذلك بأسلوب متزن يراعي الخصوصيات الثقافية، لكنها ترفض تحويلها إلى مادة قائمة بذاتها يُمتحن فيها التلاميذ، مشددة على أن ذلك يتعارض مع هوية المدرسة المغربية ومع طبيعة المجتمع المحافظ.
وأكدت المتحدثة ذاتها أن المغرب مازال بعيداً عن اتخاذ قرار من هذا النوع، معتبرة أن النقاش حول إدماج التربية الجنسية في المناهج يبقى عقيماً في ظل التحديات الاجتماعية والتربوية الأكثر إلحاحاً، ومضيفة أن الانحرافات السلوكية المنتشرة حالياً كافية بحد ذاتها، ولا حاجة لإضافة مزيد من التعقيد بطرح مواضيع تُثير الجدل.
كما أوضحت الأستاذة ذاتها أن المغرب لم ينجح بعد في التوصل إلى صيغة توافقية بشأن مدونة الأسرة، نتيجة تعدد المرجعيات والانتماءات الثقافية داخل المجتمع، مشيرة إلى أن إدخال التربية الجنسية كمادة تعليمية مستقلة قد يفاقم هذا الانقسام ويُربك العملية التربوية، بدل أن يُسهم في تحسينها أو معالجة اختلالاتها البنيوية.
مقاربة إعلامية
يرى الإعلامي مصطفى الهردة، مقدم برنامج “سمير الليل” على إذاعة MFM، أن إدماج التربية الجنسية في المناهج الدراسية لا يُعد أولوية في الظرفية الحالية، موضحاً أن المجتمع المغربي يعاني من اختلالات أعمق على مستوى بنية الأسرة، وفي مقدمتها غياب المساواة الفعلية بين الذكور والإناث داخل الفضاء الأسري.
وشدّد الهردة، في تصريحه لهسبريس، على أن التربية الجنسية ينبغي أن تبدأ من داخل الأسرة، من خلال ترسيخ ثقافة الاحترام المتبادل بين الإخوة، وتنظيم العلاقات بين الجنسين منذ الطفولة، معتبراً أن المدرسة لا يمكنها أن تعوّض هذا الدور الجوهري الذي تتحمل مسؤوليته الأسر بالدرجة الأولى.
وقال الإعلامي الذي راكم خبرة سنوات في الاستماع اليومي لهموم المواطنين إن الأسرة المغربية مازالت تعاني من اختلالات بنيوية تُكرّس التمييز بين الجنسين، سواء في توزيع الأدوار أو في منح الحقوق، ما يؤثر سلباً على إدراك الأطفال طبيعة العلاقة بين الذكور والإناث، مؤكداً أن الطفل يجب أن يصل إلى المدرسة وهو يمتلك تصوراً مبدئياً عن هذه المفاهيم، حتى تتمكن المؤسسة التعليمية من صقلها وتطويرها.
يُذكر أن مثل هذه النقاشات تُطرح باستمرار ضمن المشاورات المتعلقة بتجديد المناهج التعليمية، وهو ما ساهم، وفق عدد من المتابعين، في تحقيق تقدم نسبي من خلال إدراج محاور مرتبطة بالتربية الجنسية في بعض المواد الدراسية، وإنْ بقي هذا التقدّم محدوداً ومطبوَعاً بالحذر والتحفظ.
0 تعليق