في ظل التغيرات المناخية التي باتت تهدد الأمن الغذائي والمائي عالميًا، تتجه مصر بخطوات متسارعة نحو حلول مستدامة لترشيد استهلاك الموارد وتقليل الانبعاثات الكربونية، ومن بين أبرز هذه الحلول، تشكل مبادرة استخدام الطاقة الشمسية في تشغيل وحدات الرفع على المساقي بدلًا من الاعتماد التقليدي على وقود الديزل، نموذجًا فعالًا للتكامل بين التنمية المستدامة والابتكار البيئي، حيث تعتمد وحدات الرفع على المساقي في الأراضي الزراعية على مصادر طاقة تقليدية لتشغيل المضخات التي تنقل المياه من الترع إلى الحقول، وكانت هذه الوحدات تعتمد على الديزل كمصدر رئيسي للطاقة، وهو ما يتسبب في استهلاك كميات كبيرة من الوقود، وزيادة في الانبعاثات الضارة للبيئة، فضلًا عن ارتفاع تكاليف التشغيل والصيانة، والتحول إلى الطاقة الشمسية سيغير هذا الواقع، إذ يتيح مصدراً مستدامًا للطاقة يعتمد على وفرة الإشعاع الشمسي في مصر، حيث تقع مصر في نطاق الحزام الشمسي الذي تتراوح شدة إشعاعه الشمسي المباشر بين 2000 ك.و.س./م2/سنة شمالا و3200 ك.و.س./م2/سنة جنوبا، أما ساعات السطوع الشمسي فهي بين 9 – 11 ساعة يوميا.
ويحقق توظيف الطاقة الشمسية في تشغيل وحدات رفع المساقي، عددًا من الفوائد البيئية والاقتصادية، فمن الناحية البيئية، يؤدي هذا التحول إلى خفض مستويات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرق الوقود التقليدي، وهو ما يتماشى مع التزامات مصر الدولية تجاه خفض البصمة الكربونية، أما من الناحية الاقتصادية، فإنه يقلل من تكاليف الوقود والصيانة الدورية لمحركات الديزل، ويوفر حلولًا طويلة الأمد للفلاحين والمزارعين.
وتواصل وزارة الموارد المائية والري، تنفيذ حزمة من المشروعات النموذجية لتشغيل وحدات الرفع بالطاقة الشمسية في بعض المناطق المستصلحة، حيث شملت هذه المشروعات توفير وحدات شمسية متكاملة تضم ألواحًا كهروضوئية، ومنظمات جهد، ومحولات تيار، إضافة إلى أنظمة تخزين ذكية للطاقة لضمان التشغيل المستمر في فترات الغياب الشمسي.
حيث يسهم التشغيل بالطاقة الشمسية أيضًا في ترشيد استخدام المياه، لأنه يمكن ربط أنظمة الرفع بأجهزة ذكية للتحكم في توقيتات وكميات ضخ المياه، مما يقلل من الهدر ويعزز من كفاءة أنظمة الري الحديث، ويتماشي هذا النهج المتكامل مع رؤية الدولة في التحول إلى الري الذكي والدقيق، لا سيما في المناطق التي تعاني من شح مائي أو ضعف البنية التحتية، وتعد هذه المبادرات طوق نجاة للعديد من صغار المزارعين، خاصة في المناطق النائية أو التي لا تتوافر بها شبكات كهرباء مستقرة، لأن الطاقة الشمسية توفر مصدرًا محليًا ومستقلًا للطاقة دون الحاجة إلى نقل الوقود أو الاعتماد على الشبكة القومية، ما يضمن استمرارية النشاط الزراعي ويخفف الأعباء المالية عن كاهل الفلاحين، والمزارعين.

التوسع في تعميم التجربة في مختلف المحافظات
وتتجه وزارة الموارد المائية والري، إلى التوسع في تعميم التجربة في مختلف المحافظات، وظهر ذلك جلياً بعد اجتماع عقده الدكتور هاني سويلم، وزير الموارد المائية والري، مع مارك بومان، نائب رئيس بنك التنمية والإعمار الأوروبي EBRD للشراكات والسياسات، لمناقشة أوجه التعاون فى مجال إعادة تأهيل محطات الرفع تحت مظلة "الخطة الاستراتيجية لتأهيل محطات الرفع في مصر"، والتي أعدتها الوزارة مؤخراً وكذلك مناقشة مقترحات استخدام الطاقة الشمسية في تشغيل وحدات الرفع على المساقى بديلاً عن الديزل لتقليل الانبعاثات المسببة للتغيرات المناخية.
ومن المقرر أنه يجري وضع نماذج تمويل مرنة لتشجيع الجمعيات الزراعية والأفراد على تبني نظم الطاقة الشمسية، سواء من خلال دعم مباشر أو نظام التقسيط طويل الأجل، حيث ستمثل استخدام الطاقة الشمسية في تشغيل وحدات الرفع على المساقي أحد النماذج التي تعكس جدية الدولة في التحول نحو الاقتصاد الأخضر، ودمج الاعتبارات البيئية في خطط تطوير قطاع الزراعة والري، ويضمن هذا التوجه الاستدامة، ويؤسس لبنية تحتية تقاوم آثار التغير المناخي.
ويمثل التحول إلى استخدام الطاقة الشمسية في تشغيل وحدات رفع المياه على المساقي خطوة فعالة نحو تقليل الانبعاثات الملوثة للهواء، حيث يسهم في خفض نحو 15 ألف طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وهذه الكمية الكبيرة من الانبعاثات تنتج عن احتراق الديزل بشكل يومي، ما يؤدي إلى تلوث الهواء ورفع درجة حرارة المناخ، ويعد هذا التحول جزءًا من التزام مصر بالتحول إلى اقتصاد منخفض الكربون وتقليل آثار التغيرات المناخية.
كما تعتمد وحدات الرفع التقليدية على الديزل كمصدر رئيسي للطاقة، وهو ما يضع عبئًا ماليًا على صغار المزارعين نتيجة ارتفاع أسعار الوقود وتكاليف النقل والصيانة الدورية للمولدات، أما استخدام أنظمة الطاقة الشمسية، فيوفر مصدرا مجانيا دائما للطاقة، مما يقلل من تكاليف التشغيل على المدى الطويل ويسهم في استقرار النشاط الزراعي في المناطق الريفية.
ومن خلال ربط أنظمة الرفع الشمسية بأجهزة تحكم ذكية، يمكن تنظيم توقيت وكميات ضخ المياه بدقة عالية، ما يسهم في تقليل الفاقد من المياه وتحسين كفاءة استخدام هذا المورد الحيوي، ويعد ذلك عنصرًا أساسيًا في دعم استراتيجيات الدولة لترشيد استهلاك المياه، لاسيما في ظل التحديات التي تفرضها محدودية الموارد المائية والتوسع في الرقعة الزراعية.

مكونات متكاملة للنظام الشمسي
يتألف نظام تشغيل وحدات الرفع بالطاقة الشمسية من مجموعة من العناصر التقنية المتكاملة، في مقدمتها الألواح الشمسية الكهروضوئية التي تحول ضوء الشمس إلى كهرباء، كما يحتوي على منظمات جهد ومحولات تيار للتحكم في تدفق الكهرباء، إضافة إلى أنظمة تخزين ذكية (بطاريات) لضمان التشغيل المستمر خلال فترات ضعف الإشعاع الشمسي، وأجهزة تحكم ذكية لضبط عملية الضخ بحسب الحاجة.
ومن أبرز المزايا الاقتصادية لأنظمة الطاقة الشمسية أنها تتطلب صيانة دورية محدودة مقارنة بمحركات الديزل التي تحتاج إلى صيانة مستمرة بسبب استهلاك الوقود واحتكاك المكونات الميكانيكية، كما أن العمر الافتراضي للألواح الشمسية ومحولات الطاقة يتجاوز 20 عامًا في بعض الحالات، ما يجعل الاستثمار فيها أكثر جدوى على المدى البعيد.

وزير الري: تتوافق مع السياسات العامة للدولة للتخفيف من التغيرات المناخية
وفي السياق ذاته، قال الدكتور هاني سويلم، وزير الموارد المائية والري، إنه تم تنفيذ عدد من المبادرات التي تتماشى مع السياسات العامة للدولة، خاصة في مجال استخدام الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة النظيفة والمتجددة.
وأوضح وزير الري، أن الوزارة قامت بتركيب محطات للطاقة الشمسية على عدد من المباني الإدارية التابعة لها، بهدف تقليل الانبعاثات وتوفير الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل هذه المباني.
وأشار وزير الري، إلى أنه تم إنشاء محطتين للطاقة الشمسية على مبنى الوزارة بقدرتي 50 و80 كيلووات، حيث توفر هذه المحطات ما بين 5 إلى 12% من إجمالي استهلاك الكهرباء بالمبنى، وكذلك تم إنشاء محطات طاقة شمسية على مبانٍ أخرى تابعة للوزارة، منها مبنى هيئة الصرف بقدرة 50 كيلووات، ومبنى قطاع مياه النيل بقدرة 100 كيلووات، ومبنى الإدارة العامة للمياه الجوفية بالداخلة بقدرة 30 كيلووات، ومبنى المعاهد البحثية بالقناطر الخيرية بقدرة 90 كيلووات، بالإضافة إلى مبنى الهيئة المصرية للسد العالي وخزان أسوان بقدرة 50 كيلووات، ومبنى الاستراحات بالزلازل بقدرة 100 كيلووات، والمركز الثقافي الأفريقي ومتحف النيل بقدرة 50 كيلووات.
وفي إطار استخدام الطاقة الشمسية في تشغيل الآبار الجوفية، أكد وزير الري، أنه تم تركيب منظومة للطاقة الشمسية لعدد 85 بئرًا جوفية بمحافظة الوادي الجديد في واحات الخارجة والداخلة والفرافرة، وذلك بهدف تقليل الانبعاثات والتحكم في معدلات السحب من المخزون الجوفي، بما يضمن إطالة عمر الخزان الجوفي.
وأكد وزير الري، أن تشغيل هذه الآبار خلال ساعات سطوع الشمس فقط يتيح للخزان الجوفي استعاضة مناسيبه أثناء فترات الليل، مما يسهم في الحفاظ على الموارد المائية الجوفية.
وفيما يتعلق بتشغيل شبكات الرصد والاتصالات (التليمترى) المستخدمة في مراقبة مناسيب ونوعية المياه بشبكات الترع والمصارف ومحطات الرفع، بالإضافة لمحطات الرصد المناخي، أوضح وزير الري، أنه تم تشغيل 400 موقع رصد باستخدام الطاقة الشمسية، بما يضمن استدامة تشغيل هذه الشبكات على مدار الساعة.
وأكد وزير الري، أن تلك الخطوات تأتي في إطار التزام الوزارة بتنفيذ الأنشطة التي تتوافق مع السياسات العامة للدولة للتخفيف من التغيرات المناخية والتكيف مع آثارها السلبية، خاصة من خلال التوسع في استخدام الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة النظيفة المتجددة اللازمة لتوليد الكهرباء المطلوبة لتشغيل المباني والمرافق التابعة للوزارة.
وأكد سويلم، أن الوزارة لا تألو جهدًا في اتخاذ كل التدابير اللازمة لتحقيق هذه الأهداف، مشيرًا إلى أن استخدام الطاقة الشمسية يسهم في تقليل الانبعاثات وتحقيق الاستدامة البيئية، وأن تلك المبادرات تعكس مدي التزام وزارة الموارد المائية والري بتعزيز استخدام مصادر الطاقة المتجددة، بما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة.

وزير الزراعة: الدولة تولي اهتمامًا كبيرًا بتشجيع استخدام التقنيات الحديثة والتطبيقات المبتكرة
الدكتور علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، قال إن الدولة تولي اهتمامًا كبيرًا بتشجيع استخدام التقنيات الحديثة والتطبيقات المبتكرة في إدارة الموارد المائية، بهدف ترشيد استهلاك المياه وزيادة كفاءة استخدامها في الزراعة، بما ينعكس على رفع إنتاجية المحاصيل وتحقيق التنمية الزراعية المستدامة.
وأوضح وزير الزراعة، أن من بين أبرز هذه الجهود، دعم التحول إلى نظم الري الحديث والطاقة الشمسية كمصادر طاقة نظيفة ومستدامة لتشغيل وحدات الضخ على المساقي، وهو ما يُسهم في تقليل الفاقد من المياه وتخفيض الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية.
وأشار وزير الزراعة، إلى أن الوزارة نفذت بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي GIZ عددًا من النماذج الإرشادية لنظم الري الحديث على مستوى المساقي، تتضمن استخدام وحدات ضخ تعمل بالطاقة الشمسية، بهدف توعية وتدريب المزارعين على أساليب الري الموفرة للمياه.
وأكد وزير الزراعة، أنه تم الانتهاء من تنفيذ نموذجين بمحافظتي البحيرة والدقهلية، حيث يغطي النموذج الأول مساحة 22 فدانًا بالبحيرة، فيما يمتد النموذج الثاني على مساحة 19 فدانًا بالدقهلية، لافتًا إلى أن العمل جارٍ حاليًا على استكمال إنشاء 3 حقول إرشادية أخرى بمحافظات كفر الشيخ، والشرقية، والبحيرة.
وذكر وزير الزراعة، أن تلك المشروعات تأتي في إطار استراتيجية الدولة لتعظيم الاستفادة من وحدة المياه، وتحقيق الأمن الغذائي، والحد من آثار التغيرات المناخية عبر استخدام حلول مستدامة وصديقة للبيئة في المجال الزراعي.

وزير الري الأسبق: استخدام الطاقة الشمسية في تشغيل الوحدات يعد خطوة متقدمة نحو تحديث المنظومة المائية
وفي السياق ذاته، أكد الدكتور محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والري الأسبقالدكتور محمد عبد العاطي، وزير الموارد المائية والري الأسبق، أن استخدام الطاقة الشمسية في تشغيل وحدات الري يعد خطوة متقدمة نحو تحديث منظومة الري في مصر، ويمثل نقلة نوعية في الاتجاه نحو تطبيق تقنيات الري الحديثة، بما يسهم في ترشيد استخدام الموارد المائية وتقليل معدلات الهدر.
وأوضح عبد العاطي، في تصريحات صحفية، أن الاعتماد على الطاقة الشمسية كبديل للديزل والكهرباء في تشغيل محطات الري السطحي يعزز من جهود الدولة في التحول إلى مصادر طاقة نظيفة وصديقة للبيئة، موضحًا أن هذه الخطوة لا تقتصر على الحفاظ على البيئة فحسب، بل تسهم أيضًا في خفض الانبعاثات الضارة وتخفيف الأعباء الواقعة على شبكة الكهرباء القومية.
وأشار عبد العاطي، إلى أن المشروع يعكس التوجه الوطني نحو تعزيز الاستدامة البيئية في مشروعات الري، ويُسهم في تقليل آثار التغيرات المناخية والاحتباس الحراري، من خلال الحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري، ودعم نشر تقنيات الطاقة المتجددة في القطاع الزراعي.

خبير: مصر تتبنى توجهًا راسخًا نحو بناء اقتصاد أخضر مستدام
وفي السياق ذاته، أكد الدكتور أحمد خطاب، الخبير الاقتصادي، أن مصر تتبنى توجهًا راسخًا نحو بناء اقتصاد أخضر مستدام، يرتكز بشكل أساسي على مصادر الطاقة المتجددة وفي مقدمتها الهيدروجين الأخضر.
وأشار خطاب، إلى أن زيارات الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أوروبا شهدت توقيع العديد من الاتفاقيات المهمة مع دول رائدة في مجال الاقتصاد الأخضر مثل الدنمارك والنرويج وفنلندا، مما يعكس حرص مصر على الاستفادة من خبرات هذه الدول المتقدمة.
وشدد خطاب، على أن المستقبل العالمي للطاقة لا يعتمد على مخزونات الغاز والبترول الموجودة في أفريقيا، بل يرتكز بشكل كبير على الإمكانات الهائلة التي تتيحها الطاقة الشمسية في القارة السمراء، التي تتمتع بسطوع شمسي غالبية أيام العام، ومصر تأتي في مقدمة هذه الدول.
وختم "خطاب" بالتأكيد على أن هذه الخطوات تعكس إصرار مصر على المضي قدمًا في مسيرة التحول نحو الاقتصاد الأخضر وتعزيز دورها كفاعل رئيسي في مجال الطاقة المتجددة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
0 تعليق