ثقافة
الإثنين 12/مايو/2025 - 09:04 م

على نول خشبي تغزل امرأة ستينية الأفكار، الأفكار المضطربة القديمة، القديمة جدا، الألوان ترتعش أمام عينيها، الخيوط تتشابك، يسقط المشط الخشبي من يدها، فتعاود التقاطه في حرص شديد ، كأنما تخاف أن يلمحها أحد، تقبض عليه كغريق، وجد لتوه خشبة تنقذه ، فتعلق بها، تقول لنفسها: إيه جري لك يا نعمة!؟ بت يا نعمة!؟ امسكي نفسك، إيدك اللي تتلف في حرير، وكايدة بنات البلد، بصنعها اللي ما لوش زي ...
يا دي الحوسة؟! يكونش فعلا انصبتي باللي اسمه إيه ده؟؟ الزهايمر.. نسيتي يا بت، ؟؟ طول عمرك منسية يا حزينة، الدنيا شايلاكي، وحطاكي، مودياكي وجايباكي لكن ناسية تفرحك، ناسية تطمنك، ناسية تحن عليك... ولا حتى تجبر بخاطرك... بس كنت فاكرة الكل يا نعمة، فاكرة نفسك كمان، ودريانة وواعية بحالك، ومحتالك، يا بنت ده أنت كان مخك دفتر ...الجمعية، وأوان القبض، وقسط الولية (أم سيد) أول الشهر، ساعة يا بت، ينظبط عليها الوقت، وتترتب المشغوليات.. قال يعني إيه زهايمر ده؟؟ الخرف يا نعمة، اللي صاب خالتك (أوشه) زمان، و كنت بتتمألتي عليها أنت وعيال الدار، كنتوا تتلموا عليها في الحوش، لحد ما تعصبوها، وتقوم عليكم بالطوب. ما تبكيش، هو أنت يعني اللي مرضتيها! دي أمك الله يسترها، أوتيها، وكفتها، وأبوكي كان حنين وجدع، ولا كلش يوم منها، بعد ما أخواتها الكبار رموها، أول ما تعبت، وقالوا إحنا رجالة، هنراعيها إزاي وهي حرمة ... شوف البت، هتخرف أهيه هو إحنا في خالتك (أوشه) ولا في ايدك اللي بترعش.. الأبله المشرفة قالت لك النهاردة لو ما كملتيش الغزلة، والرسمة طلعت مظبوطة ، ما تجيش تاني... اجمدي، النول ده صاحبك، وحبيبك، وسندك في ليالي العتمة، والسكة اللي فتحت لك باب الرزق، بعد ما المحروس جوزك، بلاكي بكوم اللحم، وهج على العراق، لأجل ما يخليكي هانم، قال ويستتك.... يا بت، دا أنت غزلت العمر لأولادك، وكبروا واتجوزوا، وخرجوا للدنيا... أم رجل مسلوخة اللي كنت بتخوفيهم بيها، في حكايا الليل الطويل لأجل ما يعششوا في الدار... واهي الدار، فضيت ولا بقوا يجوا، إلا بالشر( بلاش النول ياما... بلاش الغزل ياما...) نقوا عليك يا نعمة، كنت زي الفل... لولاش نبر ولادك ده ... تفتكري لو أنا منصابة زي خالتي مين اللي هيقنيني في بيته، الواد الكبير اللي داير زي الثور في الساقية، ومراته كاسرة عينه بإيه ما أعرفش؟؟ ولا الوسطاني، اللي بيغلط في اسمي باسم مراته، ولا الصغيرة اللي شاربه مرار جوزها البخيل، وعياله، يا نهار، يا اولاد بطني... لو حطوني في دار المسنين بتاعة الجمعية، دي كانت البلد تعاييرهم العمر كله، وانت كل اللي هامك المعايرة ، وهم عاد يهمهم البلد، ولا اللي فيها... طب اطلع القرشين تحويشة الحج، كان نفسي اتزف للرسول، وأروح له ... يجيبوا لي بت كده تخدمني لغاية الأجل، طب أدي القرشين لمين الكبير، ولا الوسطاني، ولا البت... يا مرارك يا نعمة. تأتى إليها مشرفة الجمعية (ست نعمة... أنت كويسة؟؟) فتجيب نعمة، وهي تلملم شتات عمرها المهدور، كقطع الصوف الملونة تحت قدميها، طبعا كويسة يا أبله، وزي الفل... غيرش بس سرحت في شكل السجادة لما تخلص، دي هتبقى روووعة.
تهم بربط المشط بإحكام في معصمها، لتسحبه إن عاود السقوط، تتذكر أنها كانت تصنع بعض السجاد، دون رسمة محددة، وكانوا يعجبون به في المعرض، ويقولون عنها فنانة بالفطرة، سأعاود الغزل، ولن ألتفت لشيء، فسجادتي الجديدة هي الأجمل كما وعدت الأبله المشرفة بعونك يا رب...
0 تعليق