في خضم زخم متنامٍ للجريمة المنظمة العابرة للحدود ألقى باحثان مغربيان من جامعة الحسن الثاني (كلية العلوم القانونية والاجتماعية بالمحمدية) مزيداً من الضوء على كيفية “مساهمة الذكاء الاصطناعي في مجال مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية”، من خلال دراسة بحثية جديدة.
وحاولت الورقة، المنشورة باللغة الفرنسية في عدد أبريل 2025 من مجلة “تنمية الموارد البشرية للدراسات والأبحاث” (دورية دولية محكمة)، ضمن إصدارات “المركز الديمقراطي العربي”، “تِبيان كيف تشكّل الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية تهديدا خطيراً للأمن، في بعدَيْه الوطني والدولي”، وكذا “سبل وإمكانات الذكاء الاصطناعي في خدمة مهمة مكافحة هذه الظاهرة من منظور أمني”.
وقال مُنجزا الورقة، وهُما الطالب الباحث في سلك الدكتوراه محمد شعشوع والدكتورة نعيمة اعبة، أستاذة التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- المحمدية، إن “برامج الذكاء الاصطناعي تفتح آفاقاً واسعة أمام أجهزة إنفاذ القانون لمحاربة هذا النمط من الجريمة”، التي تعدّ، بحسبهما، اليوم، “تهديدا حقيقياً لأمن الدول ولاستقرار المجتمعات”.
وفي تقدير المستند البحثي الذي طالعت جريدة هسبريس نسخة كاملة منه فإن “هذا النوع من الإجرام يتطوّر بشكل مستمر ويغيّر أشكاله حسب السياقات، كما يغطي طيفا واسعا من الأنشطة غير المشروعة عالية الرّبحية؛ فيما تترجم القوة الاقتصادية التي تراكمها بعض المنظمات الإجرامية العابرة للحدود إلى سلطة سياسية من شأنها أن ترهن الدولة وتعطل تقدم المجتمع”.
“لا غنى عن البشر”
خلُص كاتِبا الورقة إلى أن “مجال مكافحة الجريمة بشكل عام، وحتى في ظل وجود أنظمة ذكاء اصطناعي فائقة التطور، ستظلّ فيه الحاجة إلى الذكاء البشري والتعاون بين الأفراد ضرورةً لا غنى عنها”، بتعبيرهما؛ وذلك بعد مقدمة مفصلة، وثلاثة محاور كبرى انتظمت من خلالها مقاربتهما للموضوع عبر بيبليوغرافيا حديثة عن تطورات مجالات الذكاء الاصطناعي واستخداماته في مكافحة الجريمة.
ولفت الباحثان الانتباه، ضمن متن تحليلهما، إلى أن “استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لا يخلو من بعض القيود؛ إذ يعتمد الذكاء الاصطناعي على كميات كبيرة جدًا من البيانات، يجب أن تكون ذات جودة عالية، ما يثير خطَرا محتملا هو أن تكون البيانات التي تستخدمها أجهزة الأمن مَعيبة أو متحيزة أو مسمّمة من قبل المنظمات الإجرامية”، مسجلين أن “من شأن زيادة التعاون الدولي في هذا المجال أن يساعد على إدارة هذه المخاطر بشكل أفضل”.
وفي هذا السياق استحضر كل من شعشوع واعبة دلالات إعلان منظمة الأمم المتحدة يوم 15 نونبر يوماً دولياً للتوعية بجميع أشكال الجريمة المنظمة العابرة للحدود ومكافحتها.
ويهدف هذا الإعلان، وفق ما أبرزه الباحثان، إلى “تحقيق هدفين رئيسيَين: أوّلهما رفع مستوى الوعي حول التهديدات التي تمثلها الجريمة المنظمة العابرة للحدود؛ وثانيهِما يتمثل في تعزيز التعاون الدولي في مجال محاربة الجرائم المنظمة العابرة لحدود الدول، خصوصاً في بُعده التقني، كما تنص على ذلك المادة 30 من ‘اتفاقية باليرمو’ ( la convention de Palerme)”.
أبرز التوصيات
أوصت الورقة ذاتها بمقترحات “يمكن العمل على تطبيقها وتطويرها”، ونادت، في هذا الإطار، بـ”ضمان تبادل المعارف والمهارات وأفضل الممارسات في مجال مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للأوطان”؛ كما شددت على “تقديم المساعدات المالية الكافية للبلدان الأكثر تضررًا من الجريمة العابرة للحدود الوطنية، لاسيما في مجال مكافحة الاتجار بالمخدرات وتهريبها، وتهريب المهاجرين”.
كما شددت الورقة البحثية على “تعزيز التدريب والتكوين المستمر لموظفي إنفاذ القانون وضمان حصولهم، بشكل سهل ومسؤول، على أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة التي يمكن استخدامها لمكافحة الجرائم الخطيرة”.
وفي المجمَل رسّخ المصدر ذاته فكرة أن “الفهم الدقيق لمسارات تهريب المخدرات، وأساليب إخفاء ونقل البضائع المحظورة، بالإضافة إلى الخرائط الجغرافية والزمانية لحركة هذه الشبكات، ومعرفة أماكن اختباء العصابات والروابط التي تجمع بينها، يُسهم بشكل كبير في تنسيق عمليات أمنية موجَّهة على مستوى عدة دول”، وزاد: “تُعدّ هذه العمليات، إلى جانب رمزيتها، ذات فعالية حقيقية، حيث توجه ضربات موجعة للبُنى الأساسية للتنظيمات الإجرامية المستهدفة، وتحد من قدرتها على الاستمرار في أنشطتها غير المشروعة”.
0 تعليق