مشروع القانون المتعلق بجبايات الجماعات الترابية يُخرق الدستورَ من خلال تحديده للمصالح الإدارية المراد منها تنفيذ الاختصاص (المادة 167: “يقصد بالإدارة الواردة في هذا القانون، المصالح التابعة لإدارة الضرائب…”، أو المادة 167 المكررة التي تؤكد أن “المحاسب العمومي المكلف بالتحصيل…”). بهذا يكون المشروع قد خرق الفصلَ التاسعَ والثمانينَ من الدستور الذي ينص على:
«تعمل الحكومة تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي، وعلى ضمان تنفيذ القانون. والإدارة موضوعة رهن تصرفها…».
تأكيدُ المشرع الدستوري على أن الإدارة “موضوعة رهن تصرف الحكومة” يعني سلطةَ الحكومة على الإدارة، وبالتالي يقف المشرع عند باب الحكومة (عندما يأمرها بالتنفيذ) من خلال ثنائية البرلمان والحكومة، أو – في أقصى الحالات – يعمل على تحديد السلطة الوزارية المكلفة بالتنفيذ (وأكد هنا “أقصى الحالات”) ويترك لها صلاحيةَ تحديد الإدارة المكلفة بالتنفيذ احترامًا للدستور؛ لأن الإدارة – حسب منطوق الفصل التاسع والثمانين – “موضوعة رهن تصرف الحكومة” وليس تصرفَ البرلمان ليأمرها بتنفيذ مهام. أما أن يصل الأمر بالمشرع القانوني إلى تحديد اسم المديرية المكلفة بالتنفيذ، فهو ما يمكن اعتباره ضربًا لمبدأ فصل السلط.
من جهة أخرى، يُحسب لدستور 2011 – من خلال الفقرة الأخيرة من الفصل السابع والثمانين – التأكيدُ على:
«يحدد قانون تنظيمي، خاصة القواعد المتعلقة بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها. ويحدد هذا القانون التنظيمي أيضًا حالات التنافي مع الوظيفة الحكومية، وقواعد الحد من الجمع بين المناصب، والقواعد الخاصة بتصريف الحكومة المنتهية مهامها للأمور الجارية».
من خلال هذا التنصيص، أراد المشرع الدستوري المغربي التأكيدَ على تبني القاعدة الدستورية المعمول بها في بعض التجارب الدولية، والتي تنص على أن «كل جهاز دستوري يمتلك سلطة تنظيم نفسه وجهازه الإداري، وهذه السلطة لا يمكن أن تنبع إلا منه». كان الهدف من هذه القاعدة ضمانُ استقلالية الجهاز الحكومي عن باقي الأجهزة السياسية. وفي هذا السياق، فإن المادة الرابعة من القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها عملت على التأكيد على:
«تطبيقًا لأحكام الفصل 93 من الدستور، ومع مراعاة أحكام النصوص التشريعية الجاري بها العمل، يحدد رئيس الحكومة – بعد تعيين أعضاء الحكومة من قبل الملك – مهام كل عضو من أعضائها واختصاصاته، والهياكل الإدارية التي يتولى السلطة عليها، بموجب مراسيم تُنشر في الجريدة الرسمية».
تأكيدُ الدستور والقانون التنظيمي على أن وحدها مراسيمُ الاختصاص تحدد اختصاصات الوزارات الفعلية والهياكل الإدارية التي يتولى السلطة عليها، يُثبت – بما لا يدع مجالًا للشك – أن تحديد اختصاص الهياكل الحكومية هو اختصاصٌ حصريٌّ لرئيس الحكومة عبر مراسيم الاختصاص.
ينص الفصل التسعون من الدستور على:
«يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية، ويمكن أن يفوض بعض سلطه إلى الوزراء. تحمل المقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة التوقيعَ بالعَطْف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها».
وبالتالي، فإن تكليفَ جهاز تابع لوزارة المالية بمهام واختصاصات معينة لا يمكن أن ينتج إلا على إثر مرسوم الاختصاص والتنظيم الذي يُوقَّع بالعَطْف من طرف الوزراء المكلفين بالتنفيذ. وعليه، يجب أن تحمل المراسيمُ التنظيميةُ توقيعَ الوزراء المكلفين بالتنفيذ.
مع العلم أن الفقيه روني تشابوس سيُؤكد أن مفهوم “التوقيع بالعَطْف” يمكن اعتباره قاعدةً شكليةً وقاعدةً مرتبطةً بتحديد الاختصاص. وبالتالي، سيعتبر الفقيهُ أن “التوقيع بالعَطْف” بمثابة سلطة تقريرية تمنح للوزير المعني صفةَ مشاركٍ ثانٍ في اتخاذ القرار. بل أكثر من ذلك، سيعتبر الموقعُ بالعَطْفِ مشاركًا في اتخاذ القرار على ثلاث مستويات: الواقعي والسياسي والقانوني، مما يوضح أن تحديد اختصاصات الأجهزة الإدارية ليس شأنًا حكوميًّا فقط (عبر المراسيم)، بل إن شرط التوقيع بالعَطْفِ يفرض مشاركةَ الوزير الذي تنتمي إليه المديريةُ المعنية في اتخاذ القرار.
مما سبق، يتضح أن مشروعَ تغيير وتتميم القانون المتعلق بجبايات الجماعات الترابية انتقل فعليًّا من موضوع جبايات الجماعات الترابية إلى ممارسة مهام حصرية للحكومة والوزارات الحكومية، عبر التطاول على الاختصاصات المحددة بموجب ظهير تشكيل الحكومة ومرسوم تحديد اختصاصات القطاعات الوزارية، مما يشكل خرقًا للقواعد الدستورية والقواعد المحددة في القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها.
في الختام، من المفروض العمل على احترام الاختصاصات بين المجال القانوني والمجال التنظيمي، ومنع تضمين القوانين ما يُطلق عليه “المسافرين السريين داخل العربة القانونية”، وإرجاعهم إلى “العربة التنظيمية” احترامًا للدستور وتفعيلًا لبناء دولة القانون والمؤسسات. ويجب التذكير بمقولة القانوني الفرنسي جان-إيتيان بورطليس (Jean-Étienne Portalis) – الذي يُعتبر الأب الفعلي للقانون المدني الفرنسي – والتي أكد فيها:
«القانون يأمر، يمنع، أو يعاقب» فقط.
وبالتالي، على المشرع القانوني المغربي أن يبتعد عن “الثرثرة القانونية”، وعن جعل القانون المغربي مجالًا مفتوحًا لشرعنة “المسافرين السريين داخل العربة القانونية”.
0 تعليق