في عالم السينما والرسوم المتحركة، قلة هم الذين تركوا بصمة مماثلة لتلك التي حفرها جيفري كاتزنبرج، المنتج السينمائي الأمريكي الذي تحول من مخلص شركة "والت ديزني" إلى أحد أبرز منافسيها.
ولد كاتزنبرج في 21 ديسمبر 1950 في نيويورك، لعائلة يهودية، حيث كانت والدته فنانة ووالده سمسار بورصة، وبدأ حياته المهنية بعيدا عن الأضواء، لكنه سرعان ما أصبح أحد أبرز الأسماء في صناعة الترفيه، محققا نجاحات غير مسبوقة ومثيرا للجدل في الوقت ذاته.
بدايات جيفري كاتزنبرج
لم يكمل كاتزنبرج دراسته الجامعية، حيث التحق بجامعة نيويورك لمدة عام واحد فقط، بدأ حياته العملية في وظائف متنوعة، من تنظيم الحملات السياسية إلى وكيل مواهب، قبل أن يجد طريقه إلى عالم السينما.
وفي منتصف السبعينيات، انضم إلى شركة "باراماونت بيكتشرز"، حيث عمل تحت إدارة مايكل آيزنر، الذي أصبح لاحقا شريكا له في مغامرة إنقاذ ديزني.
وفي عام 1984، عندما كانت شركة "والت ديزني" تواجه أزمات مالية خانقة وتتداعى تحت وطأة الديون، انضم كاتزنبرج إلى الشركة كجزء من فريق قيادي جديد بقيادة آيزنر وفرانك ويلز، وتولى كاتزنبرج مسؤولية قسم الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، بما في ذلك الرسوم المتحركة وشركة "Touchstone Pictures"، وهي الذراع الفرعية للشركة المخصصة للأفلام الموجهة للكبار.
كيف أعاد جيفري كاتزنبرج إحياء ديزني؟

تحت إدارة كاتزنبرج، شهدت ديزني ما يُعرف بـ"عصر النهضة" في الرسوم المتحركة، حيث قاد إنتاج سلسلة من الأفلام التي أعادت الشركة إلى قمة المجد، مثل "حورية البحر الصغيرة" (1989)، و"الجميلة والوحش" (1991)، و"علاء الدين" (1992)، و"الأسد الملك" (1994).
هذه الأفلام لم تكن مجرد نجاحات تجارية، حيث حققت إيرادات قياسية، بلغت نحو 968 مليون دولار لـ"الأسد الملك"، بل أعادت تعريف الرسوم المتحركة كفن قادر على جذب الكبار والصغار على حد سواء.
كاتزنبرج لم يكتف بإنقاذ قسم الرسوم المتحركة، بل وسع محفظة ديزني من خلال إطلاق "Hollywood Pictures"، والإشراف على استحواذ "Miramax Films"، وتطوير "Touchstone Television"، كما توسط في صفقة مع "بيكسار" لإنتاج أفلام ثلاثية الأبعاد، ممهدا الطريق لإصدار "Toy Story" (1995)، الذي غير قواعد اللعبة في عالم الرسوم المتحركة.
وخلال عقد من الزمن، نجح كاتزنبرج وفريقه في زيادة إيرادات ديزني من 320 مليون دولار إلى 3.7 مليار دولار، وأرباحها من مليوني دولار إلى 800 مليون دولار، لتصبح الشركة إمبراطورية بقيمة 22 مليار دولار.
خلافات أطاحت بـ جيفري كاتزنبرج من ديزني
رغم نجاحاته، لم تكن علاقة كاتزنبرج مع مايكل آيزنر خالية من التوتر، فبحلول عام 1993، طالب كاتزنبرج بترقية إلى منصب رئيس الشركة، لكن آيزنر رفض، خشية أن يؤدي ذلك إلى خلق سابقة أو إزعاج فرانك ويلز.
و تفاقمت الخلافات عندما طالب كاتزنبرج بحقوق ملكية بقيمة 250 مليون دولار كتعويض عن إسهاماته في نجاحات ديزني، الطلب الذي قوبل بالرفض من آيزنر، وفي عام 1994، تم إنهاء خدمات كاتزنبرج بشكل مفاجئ، في خطوة أثارت جدلا واسعا، لاسيما بعد الطفرة التي شهدتها ديزني في عهده.
تحدي جيفري كاتزنبرج.. كيف قهر ديزني؟

لم يستسلم كاتزنبرج بعد الإطاحة به من ديزني، ففي نفس العام، تحالف مع المخرج ستيفن سبيلبرج وقطب الموسيقى ديفيد جيفن لتأسيس "دريم ووركس SKG"، وهي شركة طموحة تهدف إلى منافسة ديزني في عقر دارها.
وركز كاتزنبرج على قسم الرسوم المتحركة، وقاد إنتاج أفلام مثل "أمير مصر" (1998)، و"شريك" (2001)، و"مدغشقر" (2005)، و"كونغ فو باندا" (2008)، و"كيف تروض تنينك" (2010).
هذه الأفلام لم تحق نجاحًا تجاريا فحسب، بل تنافست بقوة مع إنتاجات ديزني وبيكسار، حيث فاز "شريك" بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم رسوم متحركة في 2002، متفوقا على ديزني.
فلم يأت لقب "قاهر ديزني" من فراغ، فبعد طرده، أثبت كاتزنبرج أن بإمكانه تحدي الشركة التي بنى نجاحها، ولم تكتف "دريم ووركس" بإنتاج أفلام ناجحة، بل غيرت ديناميكيات السوق من خلال تقديم قصص مبتكرة وأسلوب فكاهي يجذب جمهورا واسعا.
فعلى سبيل المثال، سلسلة "شريك" حققت إيرادات عالمية تجاوزت 2.9 مليار دولار، مما جعلها واحدة من أنجح سلاسل الرسوم المتحركة في التاريخ.
ولم يتوقف كاتزنبرج عند حدود الرسوم المتحركة، ففي 2017، أسس شركة "WndrCo" للاستثمار في المشاريع الإعلامية الرقمية، وفي 2020، أطلق منصة "Quibi" لتقديم محتوى قصير مخصص للهواتف المحمولة، وعلى الرغم من فشل "Quibi" وخسارتها 1.35 مليار دولار في سبعة أشهر، إلا أن هذا الفشل لم ينتقص من سمعة كاتزنبرج كرائد أعمال جريء.
كيف أصبح جيفري كاتزنبرج رمزا للطموح؟

خارج عالم السينما، كان كاتزنبرج ناشطا سياسيا بارزا، فدعم حملات الديمقراطيين، بما في ذلك جمع 7 ملايين دولار لحملات باراك أوباما الانتخابية في 2008 و2012، وتبرع شخصيا بـ3 ملايين دولار لإعادة انتخاب أوباما. كما دعم هيلاري كلينتون في 2016، في 2013، كرمه أوباما بمنحه الميدالية الوطنية للفنون تقديرا لإسهاماته الفنية.
جيفري كاتزنبرج ليس مجرد منتج سينمائي، بل رمز للطموح والمرونة، فمن إنقاذ ديزني من الانهيار إلى تحديها بتأسيس إمبراطورية جديدة مع "دريم ووركس"، أثبت كاتزنبرج أن النجاح لا يقاس فقط بالإنجازات، بل بالقدرة على النهوض بعد السقوط.
ورغم الجدل الذي أحاط ببعض قراراته، يبقى كاتزنبرج واحدا من أعظم العقول في صناعة الترفيه، و"قاهر ديزني" الذي حول هزيمته إلى انتصار مدوي.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق