في قلب مغرب متحول يسابق الزمن لتنزيل أوراش كبرى واستراتيجيات وطنية بحجم “مغرب المونديال” و”مغرب المستقبل”، يرصد منتصر السويني، الباحث في العلوم السياسية والمالية العامة، مؤشرات عودة الدينامية السياسية الكلاسيكية إلى الواجهة؛ من خلال تفكير مكون من المعارضة في تقديم ملتمس للرقابة لإسقاط الحكومة. وبينما يمضي المغرب الرسمي بسرعة القطار الفائق، كما تجسد ذلك صور انطلاق أشغال الخط السككي بين القنيطرة ومراكش، يختار الفاعل الحزبي المعارض التموقع داخل إيقاع سياسي بطيء محكوم بأدوات الماضي وآلياته الدستورية التقليدية.
هذه المفارقة الزمنية والسياسية، وفق مقال للسويني توصلت به هسبريس، تضعنا أمام ما يسميه السوسيولوجي ألان تورين صراعًا بين “الدول المسرعة” و”الدول البطيئة”، أو بلغة مغربية حية: صراع بين مغرب القطار السريع ومغرب الأوتوبيس؛ الأول يؤمن بالفعل والنجاعة وحسن توظيف الزمن السياسي في البناء والتخطيط، بينما الثاني يفضل التوقف عند محطات التفاوض والصراع، ويعيد إحياء أدوات الضغط التقليدية، كتقديم ملتمس الرقابة، في لحظة وطنية تتطلب أقصى درجات التركيز والسرعة في الإنجاز.
يتجاوز هذا النقاش الإطار القانوني لمسطرة الرقابة البرلمانية، وفق الخبير نفسه، ليتحول إلى سؤال عميق حول نماذج تدبير الزمن السياسي في المغرب المعاصر: هل المطلوب اليوم هو التموقع داخل “مربع الفعل” و”خريطة الطريق” المنبثقة عن رهانات كبرى، أم الرجوع إلى “مربع السلطة” والصراع الانتخابي؟ وهل تخدم الأدوات التقليدية للمعارضة المصلحة الوطنية في هذه المرحلة الدقيقة، أم تعيد إنتاج منطق التكرار والجمود؟ من هنا، تنبع أهمية المقال الذي يلي، بوصفه قراءة تحليلية نقدية لتوتر إيقاعات الزمن السياسي المغربي.
نص المقال:
المتتبع للشأن العام المغربي سيلاحظ أن مغرب اليوم يبعث رسائل متناقضة؛ من جهة رسائل تؤكد المضي في ترسيخ الزمن المتواصل والسريع والذي يتميز بتحديد الأهداف الاستراتيجية ومن ثم التوجه لإنجازها بسرعة القطار فائق السرعة، من أجل إنجاح أوراش مغرب المونديال ومغرب المستقبل (صورة الملك وهو يعطي انطلاقة أشغال إنجاز الخط السككي فائق السرعة الرابط بين القنيطرة ومراكش)، ومن جهة أخرى مغرب الزمن البطيء أو المتقطع (تفكير المعارضة السياسية المغربية في تقديم ملتمس للرقابة) وهي التسمية التي أطلقها السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو على الزمن الدستوري والسياسي الذي يعرف لحظات للعمل ولحظات للتوقف من خلال العودة إلى الشعب عبر تنظيم الانتخابات أو من خلال سحب الثقة أو ملتمس الرقابة. مما يعطي الانطباع أن المغرب اليوم محكوم بديناميكية حداثية (مغرب القطار فائق السرعة) حيث يمكن التأثير على الأحداث من خلال السرعة، بغية إحداث تغييرات متحكم فيها من خلال تشييد البنية التحتية التي يتطلبها بناء مغرب المستقبل وفق أهداف محددة ومن خلال فتح الأبواب والنوافذ على المستقبل.
ومن جهة أخرى، ديناميكية تقليدية حيث يسود الزمن البطيء أو الزمن المتقطع الذي يميز التدبير الميكانيكي والأهداف العادية؛ من خلال السير البطيء والوقوف المتكرر والعودة إلى نقطة الانطلاق، الذي يميز التنقل بالأتوبيس، وهي الديناميكية التي تميز المجتمعات التي يحكمها الماضي وتفضل بالتالي بناء محطات للراحة في الزمن الحاضر من خلال شرعنه الزمن المقتطع.
الصراع بين مغرب القطار السريع ومغرب الأوتوبيس هو في حقيقة الأمر صراع بن تصورين متناقضين؛ مغرب القطار فائق السرعة والذي يرى أن المشاكل التي يعيشها المغرب اليوم هي مشاكل مرتبطة بالفعل والعمل والفعالية والأثر والسرعة، وبالتالي مرتبطة أكثر بمربع -كيفية ممارسة السلطة، وشرعنه الفعل. ويعتقد هذا المعسكر أن مشاكل مغرب اليوم هي مشاكل مرتبطة بنوعية العلاقة بين الحاكمين والمحكومين؛ وبالتالي مرتبطة فعليا بفصول الدستور التي تؤطر العمل والفعل والفعالية والأثر، مما يثبت الحاجة إلى نخب تتقن الضغط على دواس السرعة بشكل مستمر.
ومن جهة أخرى، مغرب الأوتوبيس، ويمثل المعسكر التقليدي المغربي الذي يرى أن مشاكل مغرب اليوم مرتبطة أكثر بمربع المؤسسات الدستورية، وخصوصا الثنائي المكون من (الناخبين- الممثلين) ومربع المؤسسات السياسية (البرلمان- الحكومة) أي بمربع العالم السياسي القديم والتقليدي (الأحزاب السياسية)، والذي يؤمن بأن معركة تغيير الحكومة والأغلبيات الحاكمة قادرة على إخراج المغرب من أزمته. ويعتقد هذا المعسكر كذلك أن الحل يوجد ضمن ما يطلق عليه “المربع الماكرو دستوري”؛ وهو المربع المؤطر من خلال معارك الوصول إلى السلطة والمواضيع القديمة للقانون الدستوري المرتبطة بمربع شرعنه السلطة. لهذا، يرى هذا المعسكر أن المغرب اليوم في حاجة إلى نخب تتقن الضغط على دواس تخفيف السرعة ودواس الوقوف والانتظار في محطات الوقوف من أجل تغيير الأشخاص الذين يؤطرون المشهد الحكومي أو من أجل العودة إلى مربع التفويض الأول (الناخبون- الممثلون).
أولاـ تقديم ملتمس الرقابة والثقافة السياسية التقليدية المرتبطة بالمربع الماكرو دستوري الذي يركز على قضايا الصراع على السلطة
أكد السوسيولوجي الفرنسي بيير روزنفلون، في كتابه “برلمان اللامرئيين”، أن التنظيمات المرتبطة بالحياة السياسية اليوم، خصوصا الأحزاب السياسية، تركز اهتماماتها بشكل حصري على المسائل المرتبطة بالوصول إلى مواقع السلطة وممارستها، ولا تهتم بمشاكل المرتبطة بالقدرة على التعبير عن اهتمامات وانشغالات المجتمع ولا تهتم كذلك بكيفية الحكامة الجيدة للمجتمع في المستقبل؛ مما يجعل هذه القوى السياسية أكثر اهتماما بمعارك الوصول إلى السلطة، سواء تعلق الأمر بالانتخابات أو بسحب الثقة أو بتقديم ملتمس الرقابة.
إن اهتمام الطبقة السياسية التقليدية بمعارك الوصول إلى السلطة يجعلها تهمش المشاكل الأساسية المرتبطة بتحسين شروط العيش المشترك والتي تفرض عليها العمل من داخل مربع الفعل والسياسات العمومية، والمشاكل المرتبطة باليومي وسياسة القرب.
يعود الفضل إلى مجموعة من الباحثين الذين لهم خلفية اقتصادية ودستورية (نيكولاس روسليي -ماتيو كارو) في نقل مصطلح الماكرو اقتصادي والميكرو اقتصادي إلى مجال البحوث الدستورية من خلال الحديث عن الماكرو دستوري والميكرو دستوري؛ فقد عمل هؤلاء على تحديد الماكرو-دستوري باعتباره المجال الذي يهتم بالتوازنات الكبرى التي تؤطر التنظيم المؤسساتي للدول والعلاقة بين المؤسسات، ويهتم كذلك بمجال الوصول والصراع على السلطة وهي المواضيع التقليدية للدساتير، كما أنه المجال المهتم بما يطلق عليه مربع (الناخبين- الممثلين).
يصنف المغرب ضمن الدول التي تمتلك تاريخا سياسيا خلافيا يعزز ويقوي الثقافة الخلافية للطبقة السياسية المغربية؛ مما يفسر تفضيل هذه الأخيرة الاشتغال من داخل المربع الذي يعرف بالماكرو-دستوري، وهو المربع المؤطر دستوريا في المغرب من خلال الفصول (103-104-105)، حيث يتم التركيز على العمل الدستوري والسياسي المرتبط بالصراع على السلطة: تشكيل لجان تقصي الحقائق – سحب الثقة- ملتمس الرقابة-والصراع الذي يشهده اليوم الانتخابي- وفي بعض الحالات نقل الصراع السياسي إلى الشارع.
والمعروف عن الدول التي تملك ثقافة سياسية خلافية أن طبقتها السياسية لا تكتفي فقط بتفضيل العمل من داخل مربع الماكرو-سياسي المرتبط بالصراع على السلطة والمرتبط بثقافة الدولة المركزية وبثقافة الكل سياسي والكل مؤسساتي؛ بل وتتميز هذه الطبقة السياسية كذلك بافتقارها إلى الثقافة المرتبطة بالمواضيع الجديدة للقانون الدستوري، وهو القانون الدستوري للجهوية المتقدمة والقانون الدستوري للبيئة وكذلك المواضيع المرتبطة بالميكرو دستوري، وخصوصا المواضيع المرتبطة بالمالية والمواضيع المرتبطة بالاقتصاد والمواضيع المرتبطة بالسياسات العمومية والمواضيع المرتبطة بالأثر ونتائج السياسات العمومية.
ثانيا ـ تقديم ملتمس سحب الثقة هو عجز فعلي عن الإبداع من داخل مربع خريطة الطريق واختيار يائس لخريطة “الخروج عن الطريق” رغم كلفتها الباهظة
المغرب السياسي الذي تنتظره تحديات مستقبلية كان مطلوبا منه تبني خريطة الطريق التي تعبد شبكة الوصول إلى الأهداف المستقبلية وتحقيقها وفق أجندة مضبوطة ومحددة؛ مما يفرض على قواه السياسية، سواء تلك الموجودة في الحكم أو الموجودة في المعارضة، ضرورة الانخراط في حسن تنفيذ وتنزيل خريطة الطريق من أجل ترسيخ المصلحة العامة والعيش المشترك.
يقول إكسيل هونيت إن الفعل الجماعي داخل الجغرافية الديمقراطية يفترض نظام للتعاون الاجتماعي في حالة الاشتغال. أما الباحثة حنة أرندت فتؤكد أن السياسة كانت دائما، منذ بداية التنظيم السياسي، مجالا للحركة والفعل. ومن خلال الفعل والحركة، يتم بناء وتأسيس الفعل الجماعي. أما بالنسبة لكارل ماركس فإن الإنتاج والعمل يعني بالنسبة للأشخاص الدخول في علاقات مع بعضهم البعض.
العيش المشترك والمصلحة العامة في الحالة المغربية كانت تفرض على الطبقة السياسية المغربية التفكير في كيفية تعزيز أسس العيش المشترك، من داخل مربع الفعل ومربع العمل؛ لكن تفكير المعارضة السياسية في تقديم ملتمس الرقابة كان يؤكد أنها تفضل ليس الانخراط في تنزيل برنامج خريطة الطريق المرتبطة بالمستقبل بسرعة وفعالية، بل تفكر في شرعنة زمن قد يؤدي إلى توقيف مؤقت لخريطة الطريق من خلال خريط “تصريف الأمور الجارية”؛ مما يؤكد أن استراتيجية تقديم ملتمس الرقابة في هذه الظرفية المهمة بالنسبة للمغرب والمغاربة هي استراتيجية ذات كلفة دستورية وسياسية واقتصادية ومالية وإدارية عالية.
يحكي جون لويس دوبري، رئيس المجلس الدستوري الفرنسي السابق، في كتابه الموسوم بـ”مالم أستطع قوله”، عن الكلفة الاقتصادية والمالية الكبيرة لبعض قرارات المجلس الدستوري والتي وضعته في خلاف حاد مع الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي الذي اتهم المجلس الدستوري بأنه فوّت على فرنسا موارد مهمة تقدر بما يقارب المليارين أورو، بعد أن اعتبر المجلس الدستوري أن قانون فرض ضريبة الكاربون غير مطابق للدستور؛ مما يؤكد أن القرارات الدستورية والسياسية يجب أن تخضع لتقييم يحدد كلفتها المالية والاقتصادية على دافعي الضرائب.
أما كاي في لو، الخبير العالمي في الذكاء الاصطناعي ومهندس المعلوميات، فيؤكد، في كتابه “الذكاء الاصطناعي أو التغييرات الكبرى في التاريخ”، أن الطبيعة الخلافية للديمقراطية الأمريكية جمدت عمل الشركة الأمريكية “سليندرا” المختصة في الذكاء الصناعي وصناعة الألواح الشمسية فقط لأن المعارضة الأمريكية انتقدت بشدة الدعم المقدم لهذه الشركة المبدعة سنة2012، واعتبرت القرض الذي منحته إدارة الرئيس باراك أوباما للشركة يدخل في خانة ما يطلق عليه “رأسمالية الأصدقاء” وخانة “الاشتراكية العبثة”؛ مما جعل الشركة تضع المفاتيح على الأرض وتنسحب. هذا الانسحاب مكن البرنامج الصيني من تحقيق تفوق كبير على البرنامج الأمريكي، في حينه.
مما يفرض على الطبقة السياسية المغربية التفكير بجدية في تقييم الكلفة الدستورية والسياسية والاقتصادية والمالية للقرارات السياسية التي تتبناها، وخصوصا القرار السياسي المرتبط بتقديم ملتمس الرقابة.
ثالثا ـ العقل الحزبي المغربي وصعوبة الانتقال من المسؤولية السياسية الجماعية للحكومة إلى المسؤولية السياسية الشخصية للوزراء
الكلفة الدستورية والسياسية والاقتصادية والمالية والإدارية العالية لملتمس الرقابة وعملية سحب الثقة، اللذين يؤديان إلى إسقاط الحكومة ككل، دفعت مجموعة من الدول التي تفضل العمل والفعل والاقتصاد إلى تبني مسطرة أخرى أقل كلفة وأقل ضررا على الدول؛ من خلال إقرار إصلاح دستوري يشرعن عملية سحب الثقة من الوزراء وليس من الحكومة.
وهكذا، تخبرنا التجارب الدولية أنه تمت شرعنة الجمع بين المسؤولية الجماعية للحكومة وبين المسؤولية الفردية للوزراء، خصوصا في الدول الإسكندنافية (الفصل 15 من دستور الدانمارك). أما في فرنسا فقد طالب مجموعة من الباحثين بضرورة تعديل الفصل التاسع والأربعين من الدستور من خلال إعادة التنصيص على المسؤولية الفردية للوزراء (الباحث داميان كاتو- غزافيي فانديدرياش)؛ وبالتالي حان الوقت في المغرب للقيام بإصلاح دستوري يشرعن المسؤولية السياسية للوزراء، خصوصا أن ظهير تعيين الحكومة يحدد للوزراء الفعليين الأهداف الوطنية الكبرى (من خلال تحديد القطاعات الوزارية). هذه الأهداف الوطنية الكبرى من المفروض تنزيلها إلى أهداف وسياسات عمومية.
كما أن انتقال العقل الدستوري المغربي لسنة 2011 إلى مربع البرنامج الحكومي والسياسات العمومية والتقييم كان يفرض التفكير في نقل المسؤولية من السياسة بمفهومها العام والمرتبطة بالمربع الحكومي إلى الأهداف الوطنية الكبرى ومدى فعاليتها والأثر الذي من المفروض أن تتركه على المجتمع والمواطن (أي المربع الوزاري) من خلال إقرار المسؤولية السياسية والتدبيرية للوزراء الفعليين وتفعيل مسطرة سحب الثقة منهم.
إن الطبقة السياسية المغربية المتشبعة بالثقافة السياسية الخلافية كان مطلوبا منها، في إطار تحديث تصوراتها وأفكارها، العمل على المطالبة بإصلاح دستوري يستهدف تحديث المربع الماكرو دستوري لدستور 2011؛ ليكون متطابقا مع المواضيع الدستورية الجديدة ويعمل على تفعيل المسؤولية الوزارية، خصوصا أن غالبية الدول التي تبنت التدبير العمومي الجديد عملت على استبدال المسؤولية الجماعية للحكومية بالمسؤولية الفردية للوزراء.
رابعاـ تقديم ملتمس الرقابة ومحاولة إحياء العالم السياسي القديم السياسي
تشهد مجموعة من الدول، عند اقتراب المواعيد الانتخابية، ما يطلق عليه إحياء العالم القديم السياسي وهو عالم الأحزاب السياسية بالأساس، حيث إن المواعيد المرتبطة بتجديد التمثيلية الوطنية تمنح نفس ودفعة قوية للعالم القديم.
وأمام اختفاء عالم الأبطال السياسيين وعالم السياسيين ذوي الوزن الثقيل، فإن إحياء العالم القديم المكون في الغالب من قادة الصف الثاني والقادة العاديين والقادة المجربين والقادة المستهلكين (قادة عمروا طويلا في المشهد السياسي والمشهد البرلماني والمشهد الحكومي) يحتاج إلى دفعة قوية خارجية تعيده إلى مسرح الأحداث، خصوصا بعد أن عجزت هذه الأحزاب من خلال مؤتمراتها عن الإحياء الفعلي للبرامج والإحياء الفعلي للحقائب الفكرية الحزبية، وعجزت كذلك عن ضخ دماء جديدة ونخب جديدة؛ نخب قريبة من العالم الجديد ومن الثقافة السياسية والتدبيرية الحديثة وقريبة من المواضيع الدستورية الجديدة وقريبة من ما يطلق عليه الميكرو دستوري.
عالم السياسة القديم أمام عدم قدرته على القيام بالتغيير والتحديث، وجد نفسه مضطرا إلى تفعيل العودة إلى واجهة الأحداث من خلال الأدوات الدستورية والسياسية التقليدية؛ وهي الأدوات المرتبطة بما يطلق عليه “الماكرو دستوري” وإعادة احياء تسخينات ومعارك الوصول إلى السلطة من خلال تقديم ملتمس الرقابة. وبالتالي، لم يجد العالم السياسي القديم من خيار إلا خيار اللجوء إلى خلق حدث سياسي قوي يجذب الإعلام والمواكبة الإعلامية (تقديم ملتمس الرقابة)، سواء في الداخل أو في الخارج، حتى يتم بث الروح من جديد في العالم السياسي القديم من خلال إعادة البرلمان بقوة إلى المشهد السياسي المغربي بعد أن تسيدت مؤسسات القرار المشهد في العالم السياسي الحديث.
الخلاصة
الرسالة الأساسية التي كان المفروض على المعارضة السياسية بالمغرب توجيهها هي رسالة تعبر عن انخراطها في مربع الفعل والعمل والسرعة والفعالية، وأنها هي كذلك مستعدة ومهيأة للسفر من خلال القطار فائق السرعة عبر تحديث برامجها وتغيير حقائب أفكارها السياسية من خلال التركيز على المواضيع الميكرو –دستورية؛ وهي المواضيع المرتبط بنتائج السياسات العمومية والأثر الذي تتركه على المواطن ودافع الضرائب والمرتفق.
مع العلم أن علم السياسة يخبرنا بأنه من المفروض في الأحزاب السياسية، سواء كانت في الأغلبية أو في المعارضة، أن تختار بدقة أين توقف عربتها السياسية داخل الجغرافية الدستورية. وإن الاختيار الصحيح والفعال كان يفرض على العربة السياسية للمعارضة المغربية أن تحط رحالها فوق الفصل السابع من الدستور (وليس الفصل مائة وخمسة من الدستور والمتعلق بملتمس الرقابة)؛ وهو الفصل الذي يلزمها بتأطير المواطنين والمواطنات والرفع من تكوينهم السياسي وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام، وأن تفتح الأحزاب السياسية الباب على مصراعيه أمام عملية التداول على المناصب الحزبية القيادية وتعمل على تقديم نخب شابة ومثقفة كل خمس سنوات في المواعيد الانتخابية وفي زمن العودة إلى الشعب.. لأن شرط تجديد النخب الحزبية مرتبط بشكل وثيق بشرط تجديد النخب الحكومية؛ ولكن الواقع الفعلي للمشهد الحزبي بالمغرب يؤكد أنه مشهد شبه مغلق على التغيير، وتتسيده النخب التي سبق تجريبها والنخب التي صارت مستهلكة، مما يجعل من معركة تقديم ملتمس الرقابة زوبعة في فنجان.
0 تعليق