الأربعاء 14 مايو 2025
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
بوابة العرب

مع بدء الرئيس دونالد ترامب زيارة رفيعة المستوى إلى المملكة العربية السعودية، يحمل معه طلبًا جريئًا: استثمارات ضخمة بقيمة تريليون دولار من المملكة فى الاقتصاد الأمريكي. هذا المبلغ، الذى يعادل إجمالى الناتج المحلى السعودى بحلول عام ٢٠٢٤، يمثل أحد أكثر المقترحات المالية طموحًا فى الدبلوماسية الدولية الحديثة.
يؤكد سعى ترامب لاستثمار تريليون دولار جهوده المستمرة لتعزيز الاقتصاد الأمريكى من خلال جذب رأس المال الأجنبي. خلال هذه الزيارة، يأمل فى تأمين تدفق مالى ضخم من الدولة الخليجية الغنية. يأتى هذا بعد أن تعهد ولى العهد الأمير محمد بن سلمان باستثمارات بقيمة ٦٠٠ مليار دولار خلال فترة ولاية ترامب. ومع ذلك، يرى الاقتصاديون أن كلا الرقمين يتجاوزان التوقعات الواقعية بكثير.
ضغوط مالية على المملكة.. هل تستطيع السعودية تحمّلها؟
على الرغم من التعهدات الضخمة التى قطعها محمد بن سلمان، تواجه المملكة العربية السعودية قيودًا مالية جسيمة نتيجةً للضغوط المشتركة الناجمة عن مشاريعها الضخمة وتقلب أسعار النفط، التى تدور حاليًا حول ٦٠ دولارًا للبرميل، وهو أقل بكثير من ١٠٨ دولارات اللازمة لتحقيق نقطة التعادل.
تبلغ قيمة صندوق الثروة السيادية السعودي، على الرغم من ضخامة حجمه، حوالى ٩٢٥ مليار دولار، يُستثمر معظمها محليًا. إن اعتماد المملكة الكبير على عائدات النفط، إلى جانب مشاريع التنمية الوطنية الطموحة مثل مدينة نيوم التى تبلغ تكلفتها ٥٠٠ مليار دولار، يحدّ من قدرتها على القيام باستثمارات أجنبية واسعة النطاق. ولذلك، يرى العديد من المحللين أن تلبية طلب ترامب البالغ تريليون دولار أمرٌ مستبعد.
الرؤية والواقع
صنع ولى العهد الأمير محمد بن سلمان لنفسه اسمًا لامعًا بتصريحاته الجريئة ومبادراته الرائدة. وتزامنت وعوده، التى تراوحت بين تخفيف القيود الاجتماعية وخطط تحويل المملكة إلى مركز اقتصادى عالمي، مع استثمارات ضخمة فى مشاريع محلية ودولية. ومع ذلك، وكما هو الحال مع مدينة نيوم الرائدة ومبادرات أخرى، واجه العديد من هذه الخطط تأخيرات عندما اتضح حجم طموحاتها.
كما خضعت مزاعم ترامب بتأمين ٤٥٠ مليار دولار من الاستثمارات الأمريكية من المملكة العربية السعودية خلال زيارته عام ٢٠١٧ للتدقيق. وأشار اقتصاديون مثل تيم كالين إلى أن أرقام الاستثمارات الفعلية كانت أقل بكثير من الوعود، حيث بلغ إجمالى صادرات السلع والخدمات الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية ٩٢ مليار دولار فقط خلال فترة ولاية ترامب الأولى، أى أقل مما كانت عليه خلال السنوات الأخيرة من ولاية الرئيس باراك أوباما.
المصالح المشتركة
على الرغم من الطبيعة غير الواقعية لرقم تريليون دولار، فقد بنى كلٌّ من ترامب ومحمد بن سلمان علاقات تجارية وثيقة على مر السنين، حيث لعب صهر ترامب، جاريد كوشنر، دورًا محوريًا فى تعزيز هذه الروابط. يتشارك الزعيمان عقلية التعامل، حيث غالبًا ما يركزان على الأرقام الكبيرة والوعود الشاملة، مع تفاصيل أقل حول كيفية تحقيق هذه الأهداف.
فى حين استثمرت السعودية بشكل كبير فى الولايات المتحدة منذ ولاية ترامب الأولى، بما فى ذلك أكثر من ١٠٠ مليار دولار فى سندات الخزانة الأمريكية وصندوق بقيمة مليارى دولار يديره كوشنر، يتحول تركيز المملكة الآن نحو اقتصادها المحلي. وقد أكد ياسر الرميان، رئيس صندوق الثروة السيادية السعودي، على ضرورة الابتعاد عن الاستثمارات الأجنبية وإعطاء الأولوية للنمو المحلي. هذا التحول، إلى جانب ارتفاع تكاليف مشاريع محلية مثل نيوم وبوابة الدرعية، يجعل من غير المرجح أن تتمكن السعودية من إعادة توجيه تريليون دولار إلى أصول أمريكية.
يحذر خبراء اقتصاديون، بمن فيهم زياد داود من بلومبرج، من أن إجمالى أصول المملكة العربية السعودية فى الخارج يُقدر بنحو ١.٤ تريليون دولار، وأن جزءًا كبيرًا منها موجود بالفعل فى الولايات المتحدة. وتُعدّ قدرة المملكة على توفير الموارد اللازمة لتلبية طلب ترامب أمرًا مشكوكًا فيه للغاية.
الرد الأمريكي
ردًا على التشكيك فى جدوى هدف الاستثمار البالغ تريليون دولار، أشاد مدير الاتصالات فى البيت الأبيض، ستيفن تشيونج، بنجاح ترامب فى تأمين استثمارات جديدة تزيد عن ٥ تريليونات دولار فى الاقتصاد الأمريكي. ومع ذلك، أشار محللون مثل كالين إلى أن البيانات العامة لا تدعم مثل هذه الادعاءات الجارفة، لا سيما فيما يتعلق بالالتزامات السعودية لعام ٢٠١٧.
تمثل زيارة ترامب إلى المملكة العربية السعودية عرضًا دبلوماسيًا استعراضيًا، يهدف إلى تسليط الضوء على العلاقات الشخصية القوية بين الرئيس الأمريكى وولى العهد السعودي. وبينما تم الإعلان عن صفقات استثمارية خلال الزيارة، يبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الصفقات ستترجم إلى مساهمات اقتصادية كبيرة وطويلة الأجل أم أنها ستكون مجرد تكرار للوعود السابقة.
فى نهاية المطاف، فإن قائمة أمنيات ترامب البالغة تريليون دولار هى أكثر من مجرد هدف مالي؛ إنها جزء من استراتيجية جيوسياسية أوسع نطاقًا لتعزيز العلاقات الأمريكية السعودية مع إعادة تأكيد النفوذ الأمريكى فى الخليج. لكن ما إذا كانت المملكة ستحقق هذه الطموحات النبيلة أم أنها ستُعزز ببساطة نمطًا من الوعود الكبرى دون تحقيقها يبقى سؤالًا مفتوحًا.
0 تعليق