اجتاحت حالة من الغضب الوسط الثقافي، خلال الأيام الماضية، بعد تداول أنباء حول إغلاق نحو 120 موقعا من بيوت وقصور الثقافة.
أحمد هنو يوضح أسباب إغلاق 120 بيت ثقافة
من جانبه، علّق الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، على الجدل المثار في الوسط الثقافي المصري بعد قرار إغلاق عدد من بيوت الثقافة في بعض المحافظات، قائلا: "الفكرة أننا نُعيد تنسيق الأمور في البيوت الثقافية، وهي عبارة عن شقق بمساحات 20 و40 و80 مترًا، فهي صغيرة للغاية لا تُقدّم أي نوع من التثقيف أو التأثير على المجتمعات الكائنة بها، وتضم عددًا كبيرًا من الموظفين غير المتواجدين بها. وبالتالي، تم حصر البيوت الخالية من أي أنشطة واستُعيض عنها بقصور ثقافة أخرى موجودة في نفس المنطقة، سواء في المديرية أو الإقليم أو المحافظة التابعة لها، حتى تقدّم خدمات متكاملة وحرصًا على تقديم محتوى ثقافي فعّال. ولا يوجد نهائيًا أي حالات إغلاق لقصور الثقافة".
وأكد الوزير في تصريحات متلفزة أن بيوت الثقافة التي لها قدرة تأثيرية ورسالة تثقيفية ولديها جمهور متلقٍ، لا يتم المساس بها بالمرة، معقبا: "أما عن 120 بيت ثقافة فإننا نتحدث عن شقق صغيرة بها عدد كبير من الموظفين لا يقدمون أي خدمات ولا دور. المراجعات تمت عدة مرات، مرتين وثلاث، وقمنا بزيارات ميدانية، ووجدناها مغلقة تقريبًا بشكل دائم".
وأوضح أنه يمكن الاستعاضة عن المقرات المغلقة بالمحور الثالث، وهو المكتبات المتنقلة والمسارح المتنقلة، وهي أكثر تأثيرًا من تلك الشقق المغلقة.
رؤية جديدة واستراتيجية تواكب متطلبات العصر الرقمي
وسبق أن أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة، بيانا توضيحيا، ردا على حالة الغضب التي اجتاحت الوسط الثقافي بعد تداول أنباء حول إغلاق نحو 120 موقع من بيوت وقصور الثقافة المستأجرة.
وجاء نص البيان كالتالي: “في إطار رؤية جديدة واستراتيجية تواكب متطلبات العصر الرقمي، تسعى إلى تفعيل دورها الثقافي في مختلف أقاليم مصر، من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى تعميق دورها وتقديم خدمة ثقافية متميزة لا يمكن تحقيقها من خلال مجموعة من المكتبات المؤجرة التي لا تتجاوز مساحة بعضها حجرة صغيرة أو قاعة محدودة وأحيانا بالشراكة مع جهات أخرى لا تليق بموقع يقدم خدمة ثقافية تواكب طموحات المواطن المصري، الذي أصبحت التكنولوجيا جزءا لا يتجزأ من مفردات حياته”.
وأضاف البيان: انطلاقا من هذه الرؤية، جاءت قرارات اللجنة التي تم تشكيلها لتطوير الهيئة، والتي أوصت بضرورة استحداث بدائل ثقافية فعالة، من بينها "المسرح المتنقل" الذي يقدم خدمات نوعية متميزة لأهالينا في القرى.
وأكمل البيان: تم بالفعل إدخال 14 مسرحا متنقلا إلى الخدمة، بينها 8 مسارح خلال هذا العام، جرى توزيعها على الأقاليم الثقافية المختلفة؛ كما تعمل الهيئة على التوسع في استخدام المكتبات المتنقلة المزودة بأنشطة فنية وثقافية، بما يعزز وصول الخدمة الثقافية إلى مختلف المناطق.
وتابع البيان: كان من الضروري إعادة النظر في أوضاع المكتبات المؤجرة الضيقة، التي لا يتردد عليها جمهور، ولا تقدم خدمات فعلية؛ أما بعض بيوت الثقافة والمكتبات التي تضم أندية أدب وفرقا مسرحية وفنية، وتؤدي دورها بفعالية في نطاقات سكانية كثيفة، فسيتم الإبقاء عليها، وتفعيلها، وتزويدها بكل ما تحتاج إليه من دعم، وسوف يتم تحديد هذه المواقع من قبل مديري الفروع ورؤساء الأقاليم الثقافية، بما يضمن أن تكون على مستوى يليق بالمواطن المصري.
وأكمل البيان: تسعى الهيئة، في إطار خططها المستقبلية، إلى إنشاء بيوت ثقافة بديلة للمواقع المؤجرة، بالتعاون مع المحافظات.
وتابع البيان: تستعد الهيئة لإطلاق تطبيق إلكتروني جديد، يتيح الوصول بها وبخدماتها الثقافية لأقصى بقعة، كما أطلقت هذا العام تطبيق "توت" الذي يتيح مجلات وكتب الأطفال مجانا.
وختم البيان: تستعد الهيئة كذلك لافتتاح عدد من المواقع الثقافية قريبا، منها: قصر ثقافة أبو سمبل، وبيت ثقافة أخميم، وقصر ثقافة أبو قرقاص، وبيت ثقافة قاطية بشمال سيناء، وبيت ثقافة نخل بشمال سيناء، وقصر ثقافة المحلة، وقصر ثقافة حلوان، وقصر ثقافة الطفل بجاردن سيتي.
تحرك برلماني بشأن إغلاق قصور وبيوت الثقافة
فيما تقدمت النائبة الدكتورة مها عبدالناصر، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي، بطلب إحاطة موجه إلى رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي، ووزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، بشأن توجه وزارة الثقافة مؤخرًا نحو تنفيذ خطة لإغلاق عدد كبير من قصور وبيوت الثقافة والمكتبات العامة وتأثيرها السلبي على مستقبل الوعي والإبداع في مصر.
ووصفت مها عبدالناصر في طلب الإحاطة إجراءات وزارة الثقافة بإغلاق عدد كبير من قصور وبيوت الثقافة والمكتبات العامة، وهي مؤسسات ظلت لعقود من الزمن إحدى أدوات الدولة في نشر التنوير ومواجهة الجهل والتطرف، بأنه «كارثة» وأوضحت أن هذه المنشآت باتت تُغلق الواحدة تلو الأخرى، إما بدعوى التطوير، أو تحت ستار ترشيد الإنفاق، أو أنها المؤسسات غير جاذبة للجمهور على حد وصف المسؤولين بالوزارة نفسها.
وأشارت عضو البرلمان إلى أن الوقائع التي تم رصدها في محافظات مصر كافة، وبالأخص الوجه القبلي، تدق ناقوس الخطر، على حد قولها إذ لم يعد الأمر مجرد إغلاق مؤقت أو إصلاحات متعثرة، بل سياسة عامة قائمة على التخلي التدريجي عن الدور التنويري للدولة، فهناك على سبيل المثال أكثر من 70 قصرًا وبيت ثقافة ومكتبة مغلقة تمامًا أو تعمل جزئيًا رغم صرف المليارات سابقًا على إنشائها أو تطويرها دون أي مردود فعلي، وأكثر من ٣٠٠ منشأة ثقافية على مستوى الجمهورية لا تقدم أي خدمات حقيقية بسبب غياب العاملين، أو تهالك المباني، أو توقف الميزانيات، أو غياب البرامج أو الإهمال الإداري
واستكملت أنه في سوهاج وحدها، تم حصر ما لا يقل عن 11 بيت ثقافة مغلق كليًا أو يعمل بلا أنشطة حقيقية مثل قصر ثقافة طهطا الذي أُغلق للصيانة منذ سنوات ولم يُفتح حتى الآن، وبيت ثقافة المنشأة الذي تحوّل إلى هيكل فارغ، وفي قنا، تم توثيق غلق بيت ثقافة الوقف، وتعطّل بيت ثقافة أبوتشت، ومكتبة العليقات، أما في أسيوط، نجد أن بيت ثقافة ديروط قد أغلق منذ عام 2020، بجانب أن قصر ثقافة القوصية أصبح بشكل كبير شبه مهجور
وأشارت عبدالناصر وفقا لتقارير صادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، هناك ما يزيد على 120 بيت ثقافة ومكتبة في قرى مصر تُدار حاليًا دون مدير دائم ولا تقدم أي أنشطة ثقافية فعلية، وبعضها يُستخدم كمخازن والبعض الأخر مهجور، حيث إن أكثر من 60٪ من هذه المؤسسات لم تنظم فعالية واحدة خلال عام 2024، وهنا نجد أن معظم ميزانية الهيئة العامة لقصور تذهب على أجور وبدلات إدارات لا تزور مواقعها أصلًا
وأردفت عضو مجلس النواب أن ما يُثير الغضب أكثر، أن قرارات الغلق الأخيرة جاءت متزامنة مع تصريحات رسمية من الوزير تُبرّر هذه الإجراءات بأن «الإقبال على المنتج الثقافي ضعيف»، فبدلًا من أن تبحث الوزارة عن سبب عزوف المواطنين عن هذه المؤسسات، سواء لعدم تطويرها أو غياب الأنشطة أو رداءة المحتوى، اختارت الحل الأسهل، وهو إغلاق المؤسسات، كمن يُعاقب المريض على مرضه بدلًا من علاجه، وكأن الحكومة قررت التخلّي تمامًا عن أبناء المحافظات، وتركهم فريسة للفراغ الفكري والجهل، دون حتى محاولة لإنقاذ ما تبقى من ملامح الثقافة العامة
وفي محافظات الدلتا، لا يختلف الحال كثيرًا، إذ شهدت مراكز كفر الشيخ والغربية والمنوفية إغلاق عدد من بيوت الثقافة، وتحويل بعضها إلى مقرات إدارية صامتة، أو تركها تنهار بسبب غياب الصيانة.
كما أكدت «عبدالناصر» أنه حتى الآن لم تصدر الوزارة أي خريطة زمنية واضحة لإعادة فتح القصور المغلقة، ولا خطة لإعادة تشغيل المكتبات المتوقفة، بل إن بعض المسؤولين صرحوا ضمنيًا بإمكانية تحويل تلك المؤسسات إلى مشاريع «استثمارية ثقافية» بالشراكة مع القطاع الخاص وبلا شك فأن هذا التوجّه يفتح الباب على مصراعيه أمام خصخصة الثقافة، وجعلها سلعة لمن يملك ثمنها، بدلًا من أن تبقى حقًا لكل مواطن
كما أكدت أيضًا أن ما يحدث الآن ليس مجرد تدهور إداري، بل انسحاب صريح من دور الدولة في بناء الإنسان المصري فكريًا ووجدانيًا، وهو انسحاب بدأ بهدم المكتبات وتحويل بيوت الثقافة إلى أطلال وسيُنهي بجيل لا يعرف الكتاب، ولا المسرح، ولا الموسيقى، ولا الفكر الحر
كما شددت على أن السكوت على هذه النكسة الثقافية هو تفريط في الأمن القومي الناعم للدولة المصرية، وضرب مباشر لهوية مصر التي كانت دومًا منارة للإبداع والفكر، وإن كانت الحكومة قد أنفقت المليارات في مشاريع البنية التحتية، فإن إغلاق بيوت الثقافة يُمثّل هدمًا ممنهجًا لبنية الإنسان نفسه، وهو أفدح من هدم أي طريق أو كوبري
وطالبت النائبة مها عبدالناصر الحكومة بشكل واضح وصريح بإلغاء قرارات إغلاق قصور وبيوت الثقافة والمكتبات العامة، ووقف هذا النزيف الثقافي فورًا، مع وضع استراتيجية شاملة للتوسع في إنشاء وتحديث تلك المؤسسات داخل القرى والمراكز والنجوع، وتكثيف القوافل والأنشطة الثقافية المتنقلة في المناطق المحرومة، وتحديد جدول زمني دقيق لإعادة فتح كافة المواقع المغلقة فعليًا خلال مدة لا تتجاوز 6 أشهر، على أن يُتابع البرلمان هذه الخطة رقابيًا وبشكل دوري.
استياء برلماني بسبب أزمة إغلاق عدد من قصور الثقافة على مستوى الجمهورية
وفي هذا الصدد، شهد اجتماع لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، الثلاثاء الماضي، حالة من الاستياء النيابي بسبب أزمة إغلاق عدد من قصور الثقافة على مستوى الجمهورية، إلى جانب تغيب وزير الثقافة عن حضور الاجتماع، وهو ما دفع اللجنة إلى تأجيل مناقشاتها لحين حضوره، بعدما أكد ممثل الوزارة أنه في طريقه إلى المجلس.
وخلال الاجتماع، وجّه النائب مصطفى سالم، وكيل اللجنة، عدة تساؤلات لممثل وزارة الثقافة، تضمنت: عدد قصور الثقافة في مصر، وعدد المنشآت المتضررة من الإغلاق، وأسباب هذا القرار، وتداعياته خاصة على المستوى السياسي والثقافي.
من جانبه، أوضح ممثل وزارة الثقافة أن هناك لجنة مشكلة لتطوير قصور الثقافة، مؤكدًا أن الهدف من الإغلاق ليس تقليل النفقات، بل لأن بعض القصور متوقفة عن العمل تمامًا.
وفيما يتعلق بإجمالي عدد المنشآت، قال ممثل الوزارة: "لدينا 590 منشأة ما بين قصر وبيت ثقافة ومكتبة عامة، منها نحو 120 بيت ثقافة تعمل في أماكن مؤجرة".
بدوره، شدد النائب مصطفى سالم على ضرورة الحفاظ على هذه المنشآت الحيوية، قائلًا: "نطالب بألا يتم إغلاق أي قصر ثقافي تحت أي ظرف، لما تمثله من أهمية في نشر الوعي والثقافة، خصوصًا في المناطق الريفية والمهمشة".
0 تعليق