استضاف نادي أدب مصر الجديدة برئاسة المهندس شرقاوي حافظ، في أول فعاليات مجلسه الجديد، مناقشة كتاب "حليم.. أسرار وحكايات مع حكام العرب"، للزميلة، الكاتبة الصحفية بجريدة الوفد سمية عبدالمنعم.
ناقش الكتاب كل من د.أحمد صلاح هاشم، ا.معتز محسن، ا.إيمان عنان، وأدارت الندوة الكاتبة شاهيناز الفقي.
كتاب توثيقي مهم
في بدء الندوة أكدت الكاتبة شاهيناز الفقي، أن ما يميز هذه الندوة أنها لا تدور حول عمل روائي أو مجموعة قصصية كما اعتدنا، بل حول كتاب توثيقي مهم وعميق يحمل عنوان: "حليم: أسرار وحكايات مع حكام العرب".
وأضافت: جميعنا نعرف عبد الحليم حافظ، ذاك الفنان الذي ترك بصمة لا تُنسى في وجدان أجيال متعددة، فلا أعتقد أن هناك من لم يتأثر بصوته أو بحضوره، سواء في أغاني الحب أو في الأناشيد الوطنية التي خلدت لحظات فارقة في تاريخنا.
وعن الكتاب أكدت: استوقفني هذا الكتاب كثيرًا منذ قراءتي الأولى له، لا سيما أنه يقدّم عبد الحليم في ثوب جديد، لا كمطرب فقط، بل كشخصية لها امتداداتها السياسية والإنسانية.
مضيفة أنه يكشف عن جانب خفي لم يُسلّط عليه الضوء كثيرًا في الدراسات السابقة، وهو علاقة عبد الحليم ببعض الزعماء العرب، وما دار خلف الكواليس من أسرار وحكايات ربما تُكشف لأول مرة بين دفتي هذا العمل.
جانب غير مألوف من حياة عبد الحليم حافظ
فيما انتقل الحديث للكاتبة إيمان عنان، التي قدمت دراسة نقدية تفصيلية للكتاب، مؤكدة أنه كتاب توثيقي للكاتبة المبدعة سمية عبد المنعم، يكشف جانبًا غير مألوف من حياة عبد الحليم حافظ، من خلال علاقاته بالرؤساء والملوك العرب، وتأثير هذه العلاقات على مسيرته الفنية والوطنية.
متابعة: تتناول الكاتبة هذه العلاقات في خمسة عشر فصلًا، أبرزها علاقته الوثيقة بجمال عبد الناصر، حيث صار عبد الحليم صوت الثورة، ورمزًا لمشروع قومي. كما ترصد تحوّل علاقته مع السادات، والتقدير الكبير الذي حظي به من الملك الحسن الثاني.
وتضيف: يمتاز الكتاب بأسلوب يجمع بين السرد والتحليل، ويحتوي على صور نادرة لعبد الحليم، إلى جانب مفاجآت ومعلومات غير متداولة تسلط الضوء على ذكائه الاجتماعي وحنكته في التعامل مع السلطة دون أن يفقد احترامه الفني والشعبي.
والكتاب لا يقدّم عبد الحليم كمطرب فقط، بل كصوت لمرحلة كاملة.
تُثري الفصول الأخيرة شهادات مؤثرة من فنانين وسياسيين، من الشهادات التي وردت في الكتاب على لسان عدد من فنانين كل منهم أضاء جانبًا من شخصيته وفنه، بعضها ركز على ذكاء عبد الحليم في اختيار الكلمات والألحان، وخاصة تعاونه مع: صلاح جاهين، كامل الشناوي، بليغ حمدي.
تحدي المرض
كما أن هناك شهادات سلطت الضوء على تحدي المرض. تحدثت خلالها سمية عن كيف أن عبد الحليم حافظ لم يستخدم مرضه لاستدرار تعاطف الجمهور، بل أخفى ألمه وحرص على تقديم فن نقي.
وتضيف إيمان عنان: جاءت هذه الشهادات متنوعة بين العاطفية والتحليلية، وقد جمعتها الكاتبة بأسلوب محايد، لتقدم صورة صادقة لفنان وُصف بأنه عاش للفن ومضى وفي قلبه حنين لا يُقال.
وتختتم الكاتبة إيمان عنان حديثها، مشيدة بجهد الكاتبة سمية عبد المنعم، التي لم تكتفِ بتوثيق حياة فنان استثنائي، بل قدّمت قراءة عميقة لإنسان عاش بين الفن والسياسة، وظل وفيًا لفنه ووطنه حتى آخر لحظة. بأسلوبها الرشيق، وحرصها على الدقة والموضوعية، استطاعت أن تُخرج لنا عملًا توثيقيًا يحمل طابعًا أدبيًا وإنسانيًا رفيعًا.
وتحت عنوان حليم" بعدسة سُـمـيَّــة.. صورة من لحم ودم"، قدم الدكتور أحمد صلاح هاشم، رؤيته النقدية حول الكتاب قائلا:
إن أحد أبرز ملامح الكتاب هو منهجيته الأكاديمية المتقنة، حيث تغلب عليه النزعة التوثيقية الدقيقة، دون أن يشعر القارئ بالملل. تجمع سمية عبد المنعم بين الآراء السابقة والمقابلات الشخصية والمقالات الحديثة، مما يدل على أنها اطلعت على كل ما كُتب عن عبد الحليم حافظ، فتمكَّنَتْ من إتاحة عمل مختلف يبتعد عن الانحيازات الشخصية ويتلامس قدر ما أمكن بالموضوعية.
التخصص والعمق
ويضيف د.صلاح: كما لم يخرج الكتاب عن نطاقه المحدد، وهو علاقة عبد الحليم بالحكام، فلم تشتِّت الكاتبة جهدها في تفاصيل غير مرتبطة بموضوع الدراسة، مثل طفولة عبد الحليم أو علاقاته الشخصية، مما يعكس نهجًا علميًّا أكاديميًّا يعتمد على التخصّص والعمق.
ويضيف د.صلاح: ما يظهر من خلال الكتاب بجلاء أن عبد الحليم لم يكن يومًا ساذجًا سياسيًا. فهو ليس صاحب مشروع سياسي ولا يحمل بطاقة انتساب لحزب أو تيار، لكنه بالتأكيد لم يكن عديم الحساسية تجاه ما يحدث حوله. الكاتبة تورد بدقة مجموعة كبيرة من المواقف التي تُظهر عبد الحليم بوصفه فنانًا شديد الوعي بقيمة موقعه من الدولة، يعرف متى يغنّي، ولماذا، ولمن.
مؤكدا أن الكتابة هنا لا تحاكم عبد الحليم، بل تحاول الإمساك باللحظة التاريخية التي جعلت منه "صوت الثورة"، لا فقط لأنه صوّت لها، بل لأن زمنه احتاج إلى هذا النوع من الأصوات.
صورة إنسانية
وعن قدرتها على كسر التابوهات، يقول د.صلاح: لا تكتفي الكاتبة بوصف الزعماء بحياد، بل تقدم صورة أكثر إنسانية، فتتناول ضعفهم وعنفوانهم غير المبرر، وتطرح أسئلة جريئة حول علاقة عبد الحليم بالرؤساء، مثل: هل كانت علاقة منفعة متبادلة؟ كل هذا وهي تتجنب الإفراط في تأليه عبد الحليم، مما يجعل شخصيته أكثر واقعية وذات أبعاد متعددة.
ويتابع صلاح: تعمَّدت الكاتبة إحياء مواضيع كادت تُنسى بسبب تقادم الزمن أو ضياعه من المخيلة والذاكرة. تناولت لحظات مفصلية في حياة العندليب مثل محاولات اغتياله وعلاقاته المتقلبة مع قادة عرب آخرين. قدمت معلومات تاريخية غنية قد تفتقر إليها الدراسات الأخرى.
ويختتم د.أحمد صلاح كلمته بقوله: في التحليل العام لصورة عبد الحليم كما خرجت من هذا العمل، يمكن القول إن الكتاب يقدم العندليب لا ككائن استثنائي نُحِت من الضوء، بل كفنان خاضع للزمن، تأثر به كما أثّر فيه. هو ليس الضحية ولا البطل المطلق، وإنما النموذج، والمثال، والمرآة. لقد وُضع في عين العاصفة، لكنه لم يفقد بوصلته كفنان. كانت له لحظاته في التوظيف، ولحظاته في المقاومة. لم يتورط تمامًا، ولم ينسحب أيضًا. ظل يحاول أن يحتفظ بمسافة تجعله مفيدًا للدولة، وفي الوقت نفسه غير ممسوخ. هذه المسافة، وإن لم تكن دائمًا متساوية أو عادلة، لكنها منحته ما يشبه التوازن.
الفنان في ظل السلطة
وسمية عبد المنعم لا تُفرط في تعظيمه، ولا تُجرده من المعنى. تجعله إنسانًا، تحكمه معادلات الفن والخوف والذكاء، لا مجرد أسطورة منزوعة الشكوك. عملها هذا ليس فقط عن عبد الحليم، بل عن فكرة الفنان في ظل السلطة، عن الصوت حين يتقاطع مع القرار، وعن الضعف البشري حين يُختبر تحت أضواء الحكم. ولذلك فإن كتاب "حليم: أسرار وحكايات مع حكام العرب" لم يكن تأريخًا لعلاقة فنان بالحكام، ولكنه درسٌ دقيق في معنى أن تكون قريبًا من القوة، دون أن تذوب فيها.
الابداع الفني
فيما قال الناقد الفني معتز محسن: حينما ننظر للعمل الأخير للمبدعة (سمية عبد المنعم)، (حليم.. أسرار وحكايات مع حكام العرب)، نكتشف هنا بين طيات صفحات الكتاب، دمجها المميز بين الإبداع الفني والتمكن الصحفي، في كشف النقاب عن الجديد والمثير والمجهول في حياة أشهر مطرب في العالم العربي والشرق الأوسط، لا زال محلقا في عنان السماء، رغم مواراته للثرى منذ قرابة نصف القرن.
ويتابع محسن: نجحت الكاتبة في الإبحار بعمق كبير ومثير، عبر سليقتها الصحفية وقريحتها الأدبية في حياة أيقونة الحب والثورة، ولكن ليس في تاريخه الفني هذه المرة، بل في تشريح وتفكيك سر بقائه حتى الآن في وجدان كل عربي، والدليل على ذلك ما ورد في الكتاب عن أيقونية حليم العربية في العراق ووجود طائفة تسمى بالعباديون كناية عن أنصار حليم من العراقيين المتأثرين بأغانيه وأفلامه وأحدث صيحات تسريحاته وملابسه المميزة.
ذكاء حليم
ويضيف معتز إن الكتاب قد ركز في موضوعه عن ذكاء حليم، مضرب الأمثال حتى الآن لمن يسعى للبقاء من فناني اليوم، وذلك بوفائه لمن احتضنوه من الزعماء والحكام مثل: جمال عبد. الناصر الذي احتضن صوت الثورة الشبابية ما بين النصر والمحن، والسادات الذي ربطته بحليم علاقة وطيدة أقوى من علاقته بناصر وهو الجزء الجديد والمهم والإضافة في الكتاب.
ويؤكد معتز أن الجزء الأهم المعبر عن وفاء وذكاء حليم، إخلاصه الوفي للملك الحسن الثاني، ملك المغرب حينما تعرض حليم لمحاولة الاغتيال من انقلابيين ضد الملك، وطلبهم من مطرب العرب إلقاء بيان الانقلاب، لكنه رفض والبنادق تحاوطه مرددا الشهادة ومختارا لأن يُقتل مخلصا أفضل من أن يحيا جبانا وبائعا لمن كرمه وقدره طوال مشواره الثري.
واختتم الناقد الفني معتز محسن بأن الكتاب نجح في إضافة الجديد والمجهول، وغير التقليدي عن جسر التنهدات وهو لقب أطلقه جليل البنداري على العندليب، وفي كل كلمة بالكتاب تشعر مدى الحيادية الفنية للكاتبة في عرض الجزء الجديد عن العندليب الأسمر، رغم حبها الشديد له ولكن اختارت وقت الكتابة الدقة والموضوعية والمنهجية العلمية في رحلتها السلسة العميقة عن صوت الحب والثورة.
بينما تحدث المهندس شرقاوي حافظ، رئيس نادي أدب مصر الجديدة، معربا عن سعادته ب"عندلة" الأمسية، وتناولها كتابا مهما للكاتبة سمية عبدالمنعم، يتحدث عن علاقة العندليب بملوك وحكام العرب، ويكشف الكثير من الأسرار والحكايات التي لا يعرفها الكثيرون.
مؤكدا أن الأحداث تثبت أن علاقة حليم بالحكام لم تقم على المنفعة ولا الصداقة الخالصة، بل هو ذكاء العندليب في نجاح تلك العلاقات واستمرارها، واكتساب ثقة الرؤساء والحكام على اختلافهم، وهي سمات شخصية لا يتحلى بها الكثيرون، وهو ما جعل حليم مميزا ومتربعا على عرش الطرب في الوطن العربي كله.
زاوية جديدة في حياة حليم
فيما علقت الكاتبة سمية عبدالمنعم، مجيبة عن أسئلة الحضور، مؤكدة أنها حاولت من خلال الكتاب طرق زاوية جديدة في حياة حليم، الذي طالما راودتها أسئلة جمة حوله، وبالبحث الذي دام عامين، اكتشفت أسرار وحكايات كثيرا في علاقاته الاستثنائية بالعديد من الحكام العرب، فقررت أن تضمنها في كتاب يجمعها، في محاولة منها لأن يتخفف الكتاب من طابعه البحثي، فيتسم بالإبداع في الطرح والإثارة في التناول.
علاقة حليم بالحكام
كما تحدثت عن أهم ما فاجأها من حكايات حول علاقة حليم بالحكام، وعن شخصيته المتفردة وذكائه في الحفاظ على علاقاته تلك.
واختتمت الكاتبة الصحفية والقاصة سمية عبدالمنعم، أن كتابها "حليم.. أسرار وحكايات مع حكام العرب"، إنما نبع من محبتها الشديدة لفنان شديد الاختلاف والتميز، ترك أثرا لا يمحى في وجداننا جميعا.
كما شهدت الندوة كثيرا من المداخلات المهمة، للسادة الضيوف، مثل الشاعر أحمد مرسي، الكاتب سيد جعيتم،
ا. دعاء محمد، حيث ألقت قصيدة بعنوان العندليب للشاعر أحمد مرسي)، الكاتب أ. إبراهيم حسن، أ. مصطفى مختار، ا. محمد عبدالعاطي، وشهد اللقاء فقرات غنائية بينية للمطرب/ حامد زمزم، حيث أطرب الحضور بأغاني العندليب الأسمر.














0 تعليق