الحياد الكربوني في سلطنة عمان.. إستراتيجية شاملة للتحول الأخضر حتى 2050

الطاقة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يشكّل الحياد الكربوني في سلطنة عمان أحد المحاور الإستراتيجية لتحولات الطاقة والتنمية المستدامة، ضمن رؤية وطنية شاملة تستهدف تقليل الانبعاثات الحرارية وتحقيق التوازن البيئي بحلول عام 2050.

ووفقًا لمتابعة منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) تطورات قطاع الطاقة العماني، تسعى مسقط إلى مواءمة خططها الوطنية مع الجهود العالمية الرامية للحد من تغيّر المناخ، مدفوعة بمبادرات طموحة تجمع بين الابتكار والاستثمار والحوكمة البيئية.

وخلال السنوات الأخيرة، بدأت الجهات الحكومية، وعلى رأسها وزارة الطاقة والمعادن ووزارة المالية وجهاز الاستثمار العماني، تنفيذ خطوات عملية لدعم هذا التوجه، عبر حزمة من السياسات والاستثمارات والمشروعات ذات الأثر البيئي والاقتصادي، مدعومة بتشريعات حديثة تعزّز الشفافية وتشجع القطاعَيْن العام والخاص على التفاعل الإيجابي مع قضايا المناخ.

ويُعد دمج مفاهيم الاستدامة في الاقتصاد الوطني ركيزة أساسية في الرؤية العمانية الحديثة التي ترى في التحول الأخضر فرصة لبناء اقتصاد متنوع ومرن، لا سيما مع استغلال موارد البلاد الطبيعية في الطاقة الشمسية والرياح، وتوظيفها في توليد الكهرباء النظيفة ودعم صناعات الهيدروجين الأخضر.

ولم تأتِ هذه التحركات من فراغ، بل تنطلق من وعي مؤسسي بأهمية تطوير بيئة تمويل خضراء، وإيجاد شراكات دولية تعزّز الجهود الوطنية لتحقيق الحياد الكربوني، وتحقيق أهداف "رؤية عمان 2040" التنموية والمناخية.

خطط الحياد الكربوني في سلطنة عمان

يحتل الحياد الكربوني في سلطنة عمان موقعًا محوريًا ضمن إستراتيجياتها الوطنية، إذ تعمل مختلف الجهات الحكومية على مواءمة السياسات العامة والمالية والطاقية لخدمة هذا الهدف البيئي والاقتصادي.

وتُعدّ سياسة الحياد الكربوني في سلطنة عمان التي أطلقها جهاز الاستثمار العُماني في عام 2023 من أبرز خطوات السلطنة في هذا الإطار، إذ يشير رئيس الجهاز عبدالسلام المرشدي، إلى خطة لمواءمة جهود جهاز الاستثمار العماني مع التوجهات الوطنية والعالمية لتحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2050".

وتجسّدت هذه الرؤية في تنفيذ خطط شاملة لتقليل الانبعاثات الكربونية، من خلال تحسين كفاءة الإنتاج وتطبيق تقنيات احتجاز الغازات.

رئيس جهاز الاستثمار العماني عبدالسلام بن محمد المرشدى
رئيس جهاز الاستثمار العماني عبدالسلام بن محمد المرشدى - الصورة من موقع "ذي أربيان ستوريز"

ومن بين المشروعات الرائدة، يبرز التعاون بين شركتي أوكيو العمانية والنفط البريطانية بي بي في مشروع هايبورت الدقم لإنتاج الهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى دعم مركز عُمان للحياد الصفري.

وتنفّذ مجموعة نماء ومجموعة من الشركات التابعة لجهاز الاستثمار، مثل تنمية نفط عمان، مشروعات عملاقة للطاقة المتجددة تشمل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مثل مشروع عبري 2 بقدرة 500 ميغاواط، ومشروعي منح 1 و2 بإجمالي 1000 ميغاواط.

وتعزّز هذه المشروعات من قدرة سلطنة عمان على التحول من اقتصاد يعتمد على الوقود الأحفوري إلى اقتصاد منخفض الكربون، كما تدعم الاستثمارات التي يقوم بها جهاز الاستثمار في شركات متخصصة بتقنيات الطاقة النظيفة مثل "دوم سولار" (Dome Solar) و"هيستا" (Hysata).

الطاقة المتجددة داعمة للتحول البيئي

في إطار التزام سلطنة عمان بالتحول نحو اقتصاد نظيف، كشفت وزارة الطاقة والمعادن عن سياسة استعمال الطاقة المتجددة للتوليد الذاتي والبيع المباشر للكهرباء، في خطوة تهدف إلى تمكين المنتجين المؤهلين من توليد الكهرباء وبيعها مباشرة، مما يعزّز سوق الكهرباء الحرة ويدعم الابتكار في نماذج الأعمال.

وقال وكيل الوزارة محسن الحضرمي: "تُعد هذه السياسة خطوة إستراتيجية مهمة لتسريع التحول في قطاع الطاقة وزيادة إسهام المصادر المتجددة فيه".

وكيل وزارة الطاقة والمعادن في سلطنة عمان محسن بن حمد الحضرمي

وتوفر هذه السياسة بيئة تشريعية محفزة، خصّصت من خلالها الحكومة أكثر من 65 ألف كيلومتر مربع من الأراضي لمشروعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، لا سيما في محافظات الوسطى وظفار والشرقية.

وتتماشى هذه الخطوات مع أهداف رؤية "عمان 2040"، التي تسعى لرفع نسبة الكهرباء المنتجة من مصادر متجددة إلى 30-40% بحلول عام 2030، وصولًا إلى 60-70% بحلول عام 2040.

كما تُسهم هذه السياسة بصفة مباشرة في تقليل الانبعاثات الكربونية، وبالتالي دعم هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

إطار مالي وتنظيمي لتحقيق الاستدامة

أطلقت وزارة المالية العمانية حزمة من المبادرات لتعزيز التمويل الأخضر والمستدام ضمن البرنامج الوطني للاستدامة المالية، وذلك لتوفير أدوات تمويل تدعم مشروعات التحول الأخضر.

وأكد الأمين العام للوزارة محمود العويني أن "التصدي لتغير المناخ لا يمثّل عبئًا اقتصاديًا، بل يُعد فرصة إستراتيجية لتعزيز النمو المستدام".

وكان من أبرز المبادرات إعداد "إطار التمويل السيادي المستدام"، الذي حصل على تقييم "جيد جدًا" من وكالة موديز، ويشمل 14 فئة تمويلية تخدم أهداف بيئية واجتماعية.

كما أطلقت الوزارة بالتعاون مع بورصة مسقط إطارًا تنظيميًا للإفصاح عن ممارسات الاستدامة (ESG)، يدعم جذب رؤوس الأموال إلى المشروعات المستدامة.

أمين عام وزارة المالية في سلطنة عمان محمود العويني
الأمين العام لوزارة المالية في سلطنة عمان محمود العويني - أرشيفية

وأصدرت هيئة الخدمات المالية لائحة تُنظم إصدار السندات والصكوك الخضراء، بما يتيح للقطاع الخاص تمويل مشروعات متوافقة مع أهداف التنمية المستدامة، بالإضافة إلى ذلك، تبنّى البنك المركزي العماني إطارًا تنظيميًا خاصًا به لإدارة المخاطر المناخية في القطاع المصرفي.

وتعمل سلطنة عمان على تعزيز الشراكات الدولية مع مؤسسات مثل البنك الدولي وصناديق المناخ، بهدف تسهيل الوصول إلى تمويل أخضر مستدام يدعم أولويات "عمان 2040" ويعزّز جهود الحياد الكربوني.

جهود تحقيق الحياد الكربوني في سلطنة عمان

تبرز الجهود الوطنية في سلطنة عمان نحو الحياد الكربوني بوصفها نموذجًا تنمويًا متكاملًا يجمع بين سياسات الطاقة، والتشريعات المالية، والاستثمار المستدام.

وتسعى الجهات المعنية لتوطين تقنيات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، مع التوسع في مشروعات الطاقة الشمسية والرياح، وإصدار الأطر التنظيمية التي تضمن الشفافية والمساءلة البيئية.

وتأتي الجهود ضمن رؤية شاملة لتهيئة بيئة اقتصادية واجتماعية أكثر مرونة واستدامة، مدعومة بإرادة سياسية واضحة، وشراكات دولية فعّالة، واستثمارات وطنية تُرسّخ موقع سلطنة عمان بصفتها مركزًا إقليميًا في مجال الطاقة النظيفة وتحقيق الحياد الكربوني.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر:

  1. العدد (5) مايو 2025 من النشرة الصحفية "ثروة" الخاصة بوزارة الطاقة والمعادن.
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق