منذ اندلعت الاشتباكات في العاصمة الليبية طرابلس بين مجموعات مسلحة متنافسة، يعيش “مغاربة ليبيا” على وقع “صفحة جديدة من التوتر” بهذا البلد المغاربي، جعلهم “قلقين حيال الوضع الأمني المتشنج”.
ويتوجس المغاربة المستقرون في ليبيا، مرة أخرى، من تسيد الفوضى والانقسام الأمني والسياسي الذي يضرب كل الجهود المبذولة عرض الحائط، ويعيد محاولات إحداث دولة بكل مقومات السيادة إلى “نقطة الصفر” بسبب التنازع حول السلطة.
تهديدات متواصلة
المكي الخريصي، مغربي مقيم بالأراضي الليبية، قال إن “عودة الاشتباكات تؤثر بشكل أساسي على تحركات المغاربة القريبين من العاصمة طرابلس”، مسجلا أن “الموجودين في نقط أخرى بعيدة عن التوتر يعد وضعهم أخف بالمقارنة مع منطقة النزاع”.
وزاد الخريصي، ضمن تصريحه لهسبريس: “نتابع الصراع بالقرب منه، وهذا ليس أمرا سهلا طبعا؛ لكننا مثل كل الجاليات الأخرى نتمنى أن ينتهي هذا الكابوس لعودة الحياة إلى ما يشبه طبيعتها”، لافتا إلى أن “العيش في جو يغيب عنه الاستقرار أمر يحبط”.
وتابع المغربي المقيم بالأراضي الليبية: “بالنسبة لي، أتحرك بأريحية لكوني بعيد عن بؤرة التوتر؛ لكن الانخراط في متابعة الأنباء يجعل قلوبنا مع المغاربة والليبيين الذين يجدون صعوبة في ممارسة الكثير من الأنشطة الحياتية العادية، وكذلك أبناء وطننا القابعين في مراكز الإيواء الليبية، والتي مازلنا ننتظر حلولا بشأن وضعهم ورصد عددهم الحقيقي وتخليصهم”.
وشدد المتحدث عينه على أن “المعطيات غير متوفرة بشأن العديد منهم ولا نعرف مصيرهم في غياب توضيحات رسمية يمكن الاستناد إليها”. كما أن “هذه الاشتباكات الرائجة في أحياء عديدة بالعاصمة الليبية تجعل الوضع أكثر تعقيدا، ويمكن للسلطات المغربية تحمل تكاليف تنقل العالقين في مراكز إيواء المهاجرين غير النظاميين”.
وزاد: “الدولة المغربية قادرة على إيجاد حل لأبنائها ضحايا شبكات الاتجار الدولي بالبشر في قضايا الهجرة غير النظامية”.
وتأسف المغربي المقيم بليبيا لـ”غياب التنسيق بين أفراد الجالية المغربية في هذا البلد المغاربي، رغم وجود قنوات عديدة يمكن استثمارها لتبادل الأخبار والمعلومات عن مجريات الأحداث لتوخي الحيطة والحذر أمام التهديدات المتنامية”، مشيرا إلى “ضرورة التفكير في صيغة لخلق شكل تعاوني بين المقيمين بليبيا دون التقوقع وإنما البحث كذلك عن التبادل والتعاطي مع بقية المقيمين من دول أخرى والمواطنين الليبيين”.
وأكد الخريصي على “وجود المغاربة في جمهورية ليبيا بين المطرقة والسندان في الوقت الحالي”، لافتا إلى “التوتر الأمني وكذلك الصعوبة المطروحة أمام الولوج إلى الخدمات القنصلية بالإضافة إلى المقتضيات الجديدة المتعلقة بتنظيم العمالة الوافدة”.
وأورد: “الغرامات التي قررتها وزارة العمل الليبية للمخالفين للشروط المعمول بها كعمالة وافدة تراكمت نتيجة غياب القنصلية العامة للمملكة المغربية منذ 2014؛ ما يحتم تدخل وزارة التشغيل بالمغرب”.
وضعية ملتبسة
محمد جغلاف، مغربي يقيم بدوره بالأراضي الليبية، قال إن النزاعات المسلحة الأخيرة كان واضحا أنها أثرت بشكل كبير على الحياة اليومية، وألقت بظلالها على الأطفال الذين تعرضوا لتهديد نفسي، خاصة في ظل الإغلاق الذي يفرضه تصاعد الاشتباكات؛ مما يعطل قدرة الكثيرين على الذهاب إلى العمل أو ممارسة حياتهم الطبيعية. توقف المدارس والأنشطة العامة يضاعف من مشاعر القلق والخوف، وتزداد العزلة مع اضطراب وسائل التنقل وتراجع الحركة منذ بداية التصعيد الأمني”.
وأشار جغلاف، ضمن تصريحه لهسبريس، إلى أن “الرصاص العشوائي يعد أحد أبرز مظاهر الخطر اليومي، حيث بات سقوطه بالقرب من منازل المدنيين المغاربة مشهدا مألوفا، إلى جانب احتراق بيوت وتهدم ممتلكات، مما يرسخ الشعور بعدم الأمان”.
وسجل المغربي المقيم بالأراضي الليبية أن “هذا الواقع يجعل الحياة الاعتيادية شبه متوقفة، إذ تتوقف المتاجر والخدمات فور اندلاع أي اشتباك، وتدخل المدن في حالة من الجمود المقلق”.
إلى جانب الخطر الأمني، ذكر المتحدث ذاته “التدهور الاقتصادي المتمثل في التضخم المالي وغلاء الأسعار”، موضحا أن “تكاليف المعيشة باتت تثقل كاهل العمال المغتربين، خصوصا بعد فرض غرامات إضافية على العمال الوافدين”.
وزاد جغلاف: “هذه الضغوط دفعت عددا متزايدا من المغاربة إلى التفكير في العودة إلى الوطن، ليس فقط هربا من الحرب؛ بل أيضا نتيجة تدهور الظروف الاقتصادية والمعيشية”.
وذكر المغربي عينه أن “العودة إلى أرض الوطن ليست حلا سهلا، إذ يواجه كثيرون صعوبة في إيجاد بدائل أو فرص عمل هناك؛ مما يجعل قرار الرحيل محفوفا بالتردد”، مبرزا أنه “في المقابل، تحاول الجالية المغربية في طرابلس التماسك، بدعم من التواصل المستمر مع ذويهم والسلطات المغربية عبر الهاتف والمنصات المختلفة؛ وهو ما يوفر بعض الطمأنينة رغم صعوبة الأوضاع”.
0 تعليق