أعلن مجلس السيادة السوداني تعيين الدكتور كامل إدريس، الرئيس السابق للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو)، رئيساً للوزراء، بعد تراجعه عن تعيين السفير دفع الله الحاج، الذي كان مُقرراً لتولي المنصب.
ويأتي القرار في وقتٍ تشهد فيه البلاد حرباً أهلية طاحنة منذ أبريل ٢٠٢٣، خلَّفتْ آثاراً إنسانية كارثية، وانقساماً جغرافياً وسياسياً يُهدد وحدة البلاد.
من هو كامل إدريس؟
وُلد إدريس في قرية الزورات بولاية دنقلا شمالي السودان، ينتمي إلى مجتمع النوبة المعروف بثرائه الثقافي وتاريخه العريق. حفر اسمه في سجلات القانون الدولي والملكية الفكرية عبر مسيرةٍ أكاديمية ودبلوماسية امتدت لأكثر من أربعة عقود.
حصل على بكالوريوس الفلسفة من جامعة القاهرة، وليسانس الحقوق من جامعة الخرطوم، قبل أن يُكمل دراساته العليا في سويسرا، حيث نال دكتوراه في القانون الدولي من المعهد العالي للدراسات الدولية بجنيف، إضافة إلى شهادات في العلوم السياسية والمالية.
لم تقتصر إسهاماته على القاعات الأكاديمية؛ فقد شغل منصب مدير عام المنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو) بين ٢٠٠٣ و٢٠٠٨، وقبلها عمل كأستاذٍ للقانون الدولي في جامعات مرموقة مثل القاهرة وأوهايو وبكين، حيث حصل على لقب أستاذ فخري. كما مثَّل السودان دبلوماسياً برتبة سفير، وشارك في لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي لمرتين، وكان صوتاً بارزاً للدول النامية في المحافل العالمية، وفق "العربية نت"
رجل قانون في مواجهة فوضى الحرب
يُعتبر تعيين إدريس محاولةً لإضفاء شرعية دولية على الحكومة السودانية، نظراً لسجله الدبلوماسي الحافل وإتقانه للغات الإنجليزية والفرنسية والعربية، ما يجعله جسراً محتملاً للتفاوض مع المجتمع الدولي. إلا أن التحديات جسيمة: فالحكومة الجديدة ستواجه انقساماً سياسياً عميقاً، واقتصاداً منهاراً (بالتضخم الأكبر عالمياً)، ومليوناً ونصف المليون سوداني على حافة المجاعة بحسب برنامج الأغذية العالمي.
وسط هذا الوضع، تُعلق قطاعات واسعة من السودانيين آمالاً على خبرة إدريس في فض النزاعات الدولية
تعيين في قلب العاصفة.. ترشيح امرأتين وحكومة مُنقسمة
جاء تعيين إدريس – حسب تقرير لـ"العربية نت" - بعد أسابيع من التردد والترشيحات المتنافسة، إذ اختار مجلس السيادة -المكوَّن من عسكريين ومدنيين- امرأتين لتمثيل شرق ووسط السودان في التشكيلة الحكومية، في خطوةٍ تُعتبر رمزية ضمن سياق الصراع على السلطة.
لكن القرار لم يَخلُ من تعقيدات؛ فقبل أيام، أثارت قوات الدعم السريع -التي تُقاتل الجيش السوداني- جدلاً بتوقيعها "ميثاقاً" مع حلفائها لإنشاء "حكومة سلام" في المناطق الخاضعة لها، وهو ما حذَّر منه مجلس الأمن الدولي في مارس الماضي، معتبراً إياه "عامل تفجيرٍ للأزمة".
واندلعت الحرب في أبريل ٢٠٢٣ بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع المتمردة بزعامة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وتحوَّلت إلى واحدة من أشرس النزاعات في القرن الأفريقي. وفقاً للأمم المتحدة،
خلَّفت الحرب أكثر من ١٥ ألف قتيل، ونزوح ١٢ مليون شخص، بينما تعاني ٢٥ مليوناً من انعدام الأمن الغذائي، في مشهدٍ تصفه منظمات الإغاثة بـ"الكارثة الإنسانية الأكبر في التاريخ".
وسيطرت قوات الدعم السريع على أغلب إقليم دارفور (غرباً) وأجزاء من الجنوب، بينما يحتفظ الجيش بمواقع في الشمال والشرق، بما فيها العاصمة الخرطوم، التي شهدت مؤخراً معارك ضارية استعاد خلالها الجيش مناطق حيوية، لكن التقسيم الجغرافي للسلطة زاد من تعقيد المشهد، مع تقارير عن انتهاكات حقوقية من الطرفين، وتدخلات إقليمية تُغذِّي أتون الحرب.
0 تعليق