السبت 24 مايو 2025 | 06:01 صباحاً

زراعة القمح بمياه البحر المالحة
في زمنٍ تتلاقى فيه خيوط التكنولوجيا مع جذور الأرض، يُعاد تشكيل مستقبل الزراعة بلغة جديدة لا تُكتب بالمحراث بل تُبرمج بالبيانات.
وهذا ما يؤكده ستيوارت أودا، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “أليسكا لايف” وخبير الزراعة الحضرية، الذي يرى أن التقنيات الرقمية، من الذكاء الاصطناعي إلى إنترنت الأشياء، أصبحت أدوات لا غنى عنها لبناء نظام زراعي أكثر ذكاءً واستدامة.
في حوار موسع مع صحيفة «البيان»، أوضح أودا أن القطاع الزراعي العالمي يمر بتحول غير مسبوق، مدفوعًا بالحاجة إلى مواجهة تحديات التغير المناخي، وشح الموارد، وارتفاع الطلب العالمي على الغذاء. ويشير إلى أن “البيانات لم تعد مجرد أرقام جامدة، بل تحولت إلى سماد معرفي يغذي المزارع الحديثة، ويمنحها القدرة على التكيف، والتوسع، وتحقيق إنتاجية أعلى بجودة محسّنة”.
الزراعة الذكية: أدوات رقمية تروّي الحقول
بحسب أودا، تشكّل تقنيات إنترنت الأشياء (IoT) حجر الزاوية في هذا التحول، حيث تسمح لأجهزة الاستشعار بمراقبة عناصر البيئة الزراعية لحظيًا، مثل رطوبة التربة، ودرجة الحرارة، واحتياجات المحاصيل.
ومن خلال تحليل هذه البيانات، يمكن لنظم الري الذكية أن تُفعّل نفسها تلقائيًا لتوفير الكميات المثلى من المياه، مما يؤدي إلى ترشيد الموارد وتحسين جودة التربة.
أما الذكاء الاصطناعي، فيضيف بُعدًا جديدًا لقدرات المزارعين، إذ يتيح لهم اتخاذ قرارات استباقية بناءً على التنبؤات الجوية، أو تحليل حالة المحاصيل، أو حتى الكشف المبكر عن الآفات.
ويشير أودا إلى أن “التعلم الآلي” يساعد على تقليص الخسائر وتحقيق إنتاج مستدام من خلال تحسين إدارة كل مرحلة من مراحل الزراعة.
تحديات التبني: تكلفة مرتفعة وحواجز لغوية
ورغم الإمكانيات الكبيرة التي تتيحها هذه التقنيات، لا تزال هناك تحديات تعيق انتشارها، خاصة في الدول النامية والمجتمعات الزراعية الصغيرة.
يوضح أودا أن من أبرز هذه العوائق ارتفاع تكلفة الأجهزة الذكية والروبوتات الزراعية، مثل آلات إزالة الأعشاب الضارة ذاتية التشغيل، التي قد تتجاوز كلفتها 50,000 دولار، بالإضافة إلى نقص المحتوى بلغات محلية يعيق فهم وتشغيل هذه الأدوات.
ويؤكد ضرورة توفير نماذج أعمال مرنة، وبرامج تمويل ميسّرة، إلى جانب الدعم الفني المخصص للمزارعين في المناطق النائية، حتى لا يُترك أحد خارج دائرة التحول الرقمي في الزراعة.
خارطة جديدة للإنتاج الزراعي
في ظل هذه التحولات، يرى أودا أن الزراعة لم تعد نشاطًا تقليديًا، بل تحولت إلى منظومة تكنولوجية متقدمة يعاد من خلالها رسم خارطة الإنتاج العالمي.
فالبيانات تتيح فهمًا أعمق لأنماط الزراعة والتربة، والذكاء الاصطناعي يعزز الكفاءة ويقلل الاعتماد على الموارد الشحيحة، فيما تتيح التكنولوجيا الحيوية تطوير محاصيل مقاومة للجفاف والملوحة والآفات.
وأشار إلى أهمية دعم السياسات الحكومية والمؤسسات الدولية لهذا التحول، من خلال تشجيع البحث والتطوير، وبناء شراكات مع القطاع الخاص، لتسريع الانتقال إلى نموذج زراعي مستدام ومتكامل.
المستقبل أخضر… ومُبرمج
يختم أودا حديثه بالتأكيد على أن مستقبل الزراعة لن يُكتب بالفأس، بل بالبيانات، حيث يشكّل الذكاء الاصطناعي الحامل الرئيسي لأمن غذائي عالمي مستدام. ويضيف: “نحن بحاجة إلى زراعة تُنتج أكثر، باستخدام أقل، وتتكيف بسرعة مع تقلبات المناخ والطلب المتزايد… ولتحقيق ذلك، يجب أن نجعل التكنولوجيا متاحة للجميع، دون استثناء”.
في عالم تتقاطع فيه الابتكارات مع احتياجات الغذاء، يتحول المزارع إلى محلل بيانات، والمزرعة إلى منظومة ذكية، والمستقبل إلى موسم لا يعرف الجفاف.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل نيوز يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق