تتجه الدولة نحو مرحلة جديدة - في لحظة فارقة من تاريخ الاقتصاد المصري - تتجاوز فيها وصاية برامج الإصلاح الاقتصادي الدولية، وتستعد للدخول في مرحلة ما بعد برنامج صندوق النقد الدولي، الذي ينتهي بنهاية عام 2026.
ونحن على مشارف الانتهاء من برنامج صندوق النقد الدولي، تطرح تساؤلات محورية: هل تستطيع مصر أن تنطلق باقتصادها دون دعم خارجي مباشر؟ وهل أصبح الطريق ممهدا للاعتماد الكامل على القدرات الذاتية؟، هذا ما سنحاول الأجابة عليه في هذا التقرير.
ماذا بعد الانتهاء من برنامج صندوق النقد الدولي؟
في تصريحات حاسمة، أعلن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن مصر لا تنوي الدخول في برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي بعد انتهاء البرنامج الحالي، موضحا أن الحكومة تعد خطة وطنية تفصيلية تمتد حتى عام 2030، تنطلق من خلالها الدولة المصرية ببرنامج اقتصادي محلي، دون الاعتماد على المؤسسات الدولية.
وأضاف مدبولي أن الموازنة العامة القادمة ستكون موازنة للثلاث سنوات المقبلة لأول مرة في تاريخ مصر، بحيث تُخطط الدولة مالياً للأعوام الثلاثة المقبلة، ضمن رؤية أكثر شمولا واستقرارا للتخطيط المالي.
وأكد رئيس الوزراء أن المستهدفات الأساسية للخطة ترتكز على الحفاظ على معدلات النمو المرتفعة، وضبط التضخم، وتقليل البطالة، مع التوسع في الصناعات التكنولوجية المتقدمة وتعظيم قطاعات استراتيجية مثل السياحة، والاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي.

مرحلة الاستقلال الاقتصادي
برنامج الإصلاح الاقتصادي الموقع بين مصر وصندوق النقد، والذي تبلغ قيمته نحو 8 مليارات دولار، من المقرر أن ينتهي بنهاية ديسمبر 2026، وفق الجدول الزمني المحدد.
ومع اقتراب هذه النهاية، تدخل مصر مرحلة دقيقة تتطلب قدرة عالية على إدارة التحديات وتثبيت المكتسبات، خاصة أن الرؤية الحكومية تعتمد في المرحلة المقبلة على التحول من الاعتماد على الخارج إلى مرحلة الاعتماد على النفس.
ويرى متخصصون أن مصر باتت أقرب من أي وقت مضى إلى الاستقلال الاقتصادي الفعلي، بعد تنفيذ حزمة إصلاحات هيكلية شاملة، أسهمت في تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، ووضع خطط واضحة طويلة الأمد تستهدف تحقيق تنمية مستدامة بحلول عام 2030.، واصفين ما يحدث الآن يختلف جذريا عن الممارسات العشوائية التي كانت تتبع في فترات سابقة.
كيف استغلت مصر قرض صندوق النقد الدولي؟
ما تحقق في السنوات الماضية من تأسيس لبنية تحتية وتشريعية قوية، وضع مصر في موقع اقتصادي جديد، لا سيما مع ما نجحت الدولة في تحقيقه من تدفقات استثمارية أجنبية بالمليارات، وقفزات في الموارد الدولارية، فضلا عن التنوع في المشروعات، بدءا من الصناعات الثقيلة، وصولا إلى دعم المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر.
وبحسب آراء خبراء الاقتصاد، فإن مصر ستواصل بعد انتهاء برنامج الصندوق تنفيذ التزاماتها الإصلاحية، خاصة ما يتعلق بتقليص الدور الحكومي في النشاط الاقتصادي لصالح القطاع الخاص، وتعزيز المنافسة، وخفض معدلات التضخم، والحفاظ على مستويات مستقرة من الاحتياطي النقدي، بالإضافة إلى تقليص العجز في الميزان التجاري، وتعميق التصنيع المحلي.

فرص تاريخية للاقتصاد الوطني بعد انتهاء برنامج الصندوق
التحولات الاقتصادية العالمية الأخيرة، خاصة ما يتعلق بالعقوبات الأمريكية والقيود التجارية المفروضة من قبل الولايات المتحدة، فتحت أمام مصر فرصا جديدة لتكون بديلا صناعيا وتجاريا في المنطقة، بفضل موقعها الجغرافي الإستراتيجي، وقدرتها على أن تصبح مركزا عالميا للتصنيع واللوجستيات، عبر جذب الشركات العالمية وتوطين أنشطتها.
كما تسعى مصر إلى تعميق شراكاتها مع تكتلات اقتصادية دولية منافسة، تضمن لها تنوعا في مصادر النمو وتخفيفا من أية تأثيرات اقتصادية دولية مباشرة، وهو ما يمنحها هامش مناورة أوسع في رسم سياستها الاقتصادية المستقلة.
5 ممكنات استراتيجية لمستقبل الاقتصاد ما بعد الصندوق
الدكتور محمود محيي الدين، الخبير المالي المصري والعالمي، لخص خريطة الطريق إلى مستقبل اقتصادي مزدهر في خمس ركائز أساسية، اعتبرها ممكنات لا غنى عنها بعد نهاية برنامج صندوق النقد الدولي وتأتي على النحو التالي:
- تعزيز التنوع الاقتصادي بما يضمن تعدد مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية.
- تسريع التحول الرقمي كأداة ضرورية للتنمية الحديثة وجذب الاستثمارات.
- ضمان تكافؤ الفرص عبر توفير بيئة تنافسية عادلة لجميع أطراف السوق.
- إتاحة البيانات الدقيقة والشفافة مع الإسراع في إقرار قانون تداول المعلومات.
- الاستثمار في التنمية البشرية من خلال تأهيل الشباب لسوق العمل وتحديث نظم التعليم والتدريب.
وأشار محيي الدين إلى أن الدولة بالفعل بدأت العمل على هذه المحاور، ما يمنح الثقة في قدرتها على تحقيق التحول الاقتصادي المنشود بعد الانتهاء تماما من برنامج صندوق النقد الدولي في نهاية العام المقبل.

هل تنطلق مصر اقتصاديا بعد انتهاء برنامج صندوق النقد؟
مع اقتراب نهاية برنامج صندوق النقد الدولي، تدخل مصر في اختبار حقيقي لقدرتها على التحرك باستقلالية في مسار التنمية، دون التزامات خارجية تفرض توجهات اقتصادية معينة.
يبقى التحدي الأساسي في الحفاظ على توازن دقيق بين الطموحات التنموية والضوابط المالية، مع ضمان استمرار جذب الاستثمارات وزيادة الإنتاج وتحقيق العدالة الاجتماعية.
ومن الواضح أن مصر، بحكم الواقع الحالي وما تحقق من إصلاحات وتشريعات وهيكلة اقتصادية، لا تنوي العودة إلى الوراء، والخطة التي أعدتها الحكومة حتى عام 2030 قد تكون أولى خطواتها في تحقيق الاستقلال الاقتصادي الكامل، وترسيخ نموذج تنموي وطني يحتذى به على مستوى العالم.
إخلاء مسؤولية إن موقع عاجل الإخباري يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق