تقرير: "الأطلسي الشرقي" يتيح صد الأزمات العالمية والتغيرات المناخية

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عدّت ورقة سياسات حديثة أن إنشاء محور جيوسياسي هيكلي يربط بين إفريقيا وأوروبا على طول المحيط الأطلسي غدا “ضرورة استراتيجية”، مُعددةً أهمية بناء “مجتمع الأطلسي الشرقي” في تجنيب القارتين ‘مخاطر التهميش’ في ظل عودة الحروب الشاملة والتنافس المحموم بين الصين وأمريكا، فضلا عن مواجهة تحديات التغيرات المناخية والأمن الغذائي وكسب رهان مواكبة الذكاء الاصطناعي.

وأوضحت الورقة، المنشورة تحت عنوان “نحو مجتمع الأطلسي الشرقي” بمنصة “LE Grand Continent” المستقلة المتخصصة في التحليلات الجيوساسية والقانونية، أن تنظيم ‘مونديال 2030’ بشكل مشترك بين إسبانيا والمغرب والبرتغال سيفتح “الطريق أمام تعاون إقليمي مبتكر وغير مسبوق بين أوروبا وإفريقيا”، مُعتبرة أن “هذه ‘الرأسيّة الصغيرة’ تستحق أن تُدرج ضمن نطاق أوسع وأكثر ابتكارا يعزز الروابط بين القارتين لبناء ما يمكن تسميته “مجتمع المحيط الأطلسي الشرقي”.

وفي ظل تعزز منطق التعاون الرأسي في مناطق عديدة من العالم، “مثل المحيط الأطلسي الغربي بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، على الأقل حتى وقت قريب، أو في المحيط الهادئ بين الصين ودول جنوب شرق آسيا”، أضاف الباحثان معدا الورقة جمال مشروح وفلورانت بامرمنتييه أن “المحيط الأطلسي الشرقي، بوصفه فضاء ذا إمكانات اقتصادية واستراتيجية عالية، يبقى غير مستغل إلى حد كبير”.

لذلك، أبرز المصدر نفسه أن “الرأسية الكبرى”، بمعنى “إنشاء محور جيوسياسي هيكلي بين أوروبا وإفريقيا على طول سواحل المحيط الأطلسي، تُفرض اليوم كضرورة استراتيجية”، مُوضحا أن هذا المجتمع سيضم، “وفقا لمعيار جغرافي على الأقل، الدول المطلة على المحيط الأطلسي من إفريقيا وأوروبا، بدءا من جنوب إفريقيا إلى المغرب، ومن البرتغال إلى شمال أوروبا”.

دوافع مُلحة

مُقدمة مؤشرات الحاجة إلى هذا المحور، أكدت الورقة التي اطلعت عليها هسبريس، أنه “في عالم منقسم، سيتيح إنشاء ‘مجتمع المحيط الأطلسي الشرقي’ لأعضائه مواجهة التحديات، وكذا استغلال فرص فريدة من خلال التنظيم حول ديناميكيات رأسية موجّهة نحو المحيط”.

وفي هذا الصدد، سجل الباحثان أن “عودة الحروب الشاملة والتنافس الصيني-الأمريكي يُنذران بمخاطر التهميش والتراجع لكل من أوروبا وإفريقيا”، مؤكدين أن “القارتين، في ظل الهشاشة الاستراتيجية المتزايدة، تواجهان تحديا مزدوجا: الاستعداد لإدارة الأزمات الفورية، وإعادة تعريف مكانتهما في نظام عالمي متحول حيث تعاد ترسيم خريطة النفوذ”.

وتابعت الورقة بأن تسارع التحولات الجيوسياسة العالمية يُبرز هذه ‘الرأسية الكبرى’ كاستجابة “الحركات التكامل الإقليمي الأخرى، حيث إن الصين تدفع بمبادرات طموحة عبر ‘الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة’؛ بينما الولايات المتحدة تعزز هيمنتها الاقتصادية عبر اتفاق أمريكا الشمالية”.

ونبّه المصدر نفسه إلى تراجع المحور الأطلسي التقليدي، خصوصا أمام صعود التحالفات الآسيوية وإعادة تشكيل سلاسل القيمة، مُشيرا في هذا الصدد إلى “وجود مفارقة واضحة”، حيث “يتصدر المغرب كأول شريك إفريقي للاتحاد الأوروبي، بينما يحتل المركز الحادي عشر فقط في قائمة الشركاء التجاريين”؛ وهو ترتيب يعكس، وفقه، “ضعف التكامل الأطلسي الجنوبي”.

مواجهة تحديات

أكد الباحثان جمال مشروح وفلورانت بامرمنتييه أن التعاون لبناء ‘مجتمع الأطلسي الشرقي’ بات ضروريا لمواجهة تحديات عديدة؛ كـ”تداعيات التغير المناخي (75 في المائة من الكوارث الطبيعية في إفريقيا مرتبطة باضطرابات المناخ)”، و”الأمن الغذائي، (إفريقيا تستورد 85 في المائة من احتياجاتها من القمح)”، إضافة إلى تدبير المصالح المشتركة، حيث تمتلك إفريقيا 60 في المائة من الأراضي الصالحة لإنتاج الطاقة الشمسية، مقابل كون 40 في المائة من المهاجرين يصلون أوروبا عبر الأطلسي.

كما نبّهت الورقة إلى أنه “مع التطور الذي يسجله الذكاء الاصطناعي والتقنيات المستقلة، التي تقودها القوى الكبرى أساسا، تظهر أسئلة أخلاقية واستراتيجية كبرى”، مُوضحة أنه “يمكن لنهج مشترك في الابتكار والتنظيم والحوكمة التكنولوجية (..) أن يخلّف تأثيرا أكبر في النقاش الدولي”.

ووضّحت أنه “من خلال الاعتماد على مبادرات بين القارات، يمكن للدول الأعضاء أن تطلق حلولا قائمة على الذكاء الاصطناعي لتحقيق أهداف عديدة في وقت واحد”، تشمل “تحسين أنظمة الصحة”، و”تحسين سلاسل التوريد”، إلى جانب “تعزيز الأمن الغذائي”، فضلا عن “وضع معايير مشتركة لتنظيم استخدام التقنيات المستقلة، خاصة الأسلحة الذكية وأنظمة الذكاء الاصطناعي العسكرية”.

وشددّت الورقة ذاتها على أن نجاح بناء مجتمع الأطلسي الشرقي أو تكريس الرأسية الكبرى بين أوروبا وإفريقيا، في هذا الصدد، يتطلب “تحولا جذريا”، عبر الانتقال من “علاقة “مانح-مستفيد” إلى شراكة تكنولوجية وصناعية حقيقية”، ومن “التعاون الثنائي المجزأ إلى بناء منصة أطلسية متعددة الأقطاب”، وكذا “من التركيز على المساعدات إلى استثمارات مشتركة في البنيات التحتية الذكية”.

وخلص الباحثان إلى أن ” هذا المسار ليس ترفا فكريا؛ بل خريطة طريق لتجنب مصير الهامشية في عالم يعيد تشكيل نفسه حول محاور جديدة”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق