ناجح النجار يكتب: إيران ”الشاه” وإيران ”المرشد”.. ما الفرق؟

البورصة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يكمن الفرق الأساسي بين الشاه والمرشد الأعلى في إيران في طبيعة النظام السياسي، فالشّاه كان لقبًا لملك إيران قبل الثورة الخمينية، وهو نظام ملكي وراثي، بينما المرشد الأعلى هو منصب سياسي ديني في نظام الجمهورية الإسلامية، والغريب أنه أعلى سلطة في الدولة بعد الثورة الخمينية، وإن كان كلاهما "إثني عشري" المذهب.

الفارق بين الشّاه والمرشد في إيران، إذ كان الشّاه يسعى لتعزيز نفوذ إيران الإقليمي في المنطقة، من خلال تحالفات سياسية وعسكرية مع بعض الدول، وشراء الأسلحة، وغيرها، وليس من خلال مشروع أيديولوجي شامل لنشر الفكر الشيعي الملالي كما هو الحال في عهد المرشد.

وقبل الإسهاب في الحديث عن إيران أثناء حكم محمد رضا بهلوي "الشّاه"، وإيران الآن في ظل حكم المرشد الأعلى علي خامنئي، نتوقف قليلا عند سياسة البلطجة الإسرائيلية في المنطقة والضربات الموّجعة التي وجهتها إلى إيران واحدة تلو الأخرى بالتعدي على القانون الدولي وسيادة الدول الأخرى.

لقد طالت الضربات الإيرانية منشآت مهمة واستراتيجية مثل قاعدة "نطنز" النووية وغيرها من المنشآت الحيوية، إلى حدّ مقتل رئيس أركان الجيش الإيراني نفسه، ورئيس الحرس الثوري ومستشار المرشد وعلماء نووين آخرين.

نحن كعالم عربي نتمنى لإيران كدولة إسلامية أن تنتصر على دولة الاحتلال الصهيوني وقادتها المتعطشين للدماء، ولكن عندما قبلت طهران باستهداف قادتها مؤخراً منذ اغتيال إسماعيل هنية على أراضيها وحسن نصرالله وعشرات القادة الآخرين التابعين لها وغضّت الطرف، كذلك استهداف مواقعها ومنشآتها العسكرية دون رد حقيقي، فكانت النتيجة مزيد من البلطجة الصهيونية والتجرؤ عليها وعلى سيادتها، وهو ما أكده رئيسها الأسبق أحمدي نجاد، بأن رئيس جهاز مكافحة الموساد نفسه ومساعديه هم عملاء لتل أبيب وأن الأجهزة الأمنية مخترقة بشدة.

كلام الرئيس أحمدي نجاد منطقي، وإلا ما كانت ضربة الموساد بهذه الدقة والنوعية وأن تصل إلى غرف النوم لقادة الصفوف الأولى في الجيش والحرس الثوري بما فيهم رئيس أركان الجيش الإيراني، وإن كان صاحب الضربة الحقيقي هو (البنتاجون) الداعم بالمعلومات والعتاد، والكيان المحتل مجرد أداة للتنفيذ فقط، قادة طهران ومرشدها بحاجة إلى التخلص من عملاء تل أبيب على أراضيها.

نعود مرة أخرى إلى الحديث عن الفرق بين إيران أثناء حكم الشّاه، وإيران الآن في ظل حكم المرشد، بغض النظر عن أن نظام الشاه محمد رضا بهلوي في إيران، الذي كان نظامًا قمعيًا، الذي اتسم نظامه بالاستبداد والاعتماد على جهاز المخابرات القوي "السافاك" لقمع أي معارضة؛ إلا أن جهازه آنذاك كان يعدّ ضمن أجهزة الاستخبارات الحديدية والقوية في المنطقة وحول العالم.

ورغم أن "الشاه" كان فكره شيعيًا إثني عشريًا، وهو معتقد بالطبع يخالف عقيدة أهل السنّة والجماعة، وأيضاً كان نظاماً استبدادياً؛ إلا أن إيران كانت دولة ذات ثقل في المنطقة، إذ كانت تمتلك اقتصاداً وجيشاً قوياً وأجهزة أمنية واستخباراتية عالية الدقة والصرامة، على عكس الآن تماماً.

حكم المرشد الإيراني أو الجماعة يختلف كثيراً عن حكم النظام الرسمي، فالجيش النظامي يدين بالولاء للدولة، لكن حكم المرشد كما هو الحال في إيران يعمل لأجل جماعة وفق أجندة معينة وفكر معين، ومن هنا بدت تتضح مواطن الخلل والعوار في النظام الإيراني وهشاشة الدولة في مختلف المجالات عسكرياً وسياسياً واقتصادياً بعد الانقلاب على الشّاه عام 79.

أيضاً نظام الشّاه كان شيعياً علمانياً، وعلى العكس نظام المرشد دينياً شيعياً، لكن الفارق بينهما في أن المرشد الإيراني هو صاحب السلطة وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة في الدولة، على عكس نظام الحكم في عهد الشّاه، لذا فكان ليس همّه مصلحة المواطن أولا، بقدر تسخير أموال الشعب الإيراني لنشر الفكر الشيعي التوسعي في بعض الدول العربية، ومن ثمّ نشر الفتن وزعزعة أمنها واستقرارها، كما هو الحال في اليمن وسوريا ولبنان وقبلهم العراق.

البلطجة الإسرائيلية والرد الإيراني

الحقيقة. إيران قد فاجأت العالم بأثره هذه المرة في ردها القوي والقاصي على دولة الاحتلال المارقة، ورغم اختلافنا مع إيران وسياساتها في المنطقة العربية، وعدائها مع أهل السنّة والجماعة، إلا أننا ندعمها ونؤيدها ضد دولة الكيان الصهيوني الدموية.

قدرة إيران على ردع دولة الاحتلال وعودتها مرة أخرى قوية مثلما كانت أيام الشّاه، سيكون مرهون بمدى تسخير عائدات النفط والدخل القومي للشعب الإيراني نفسه، وليس لدعم أذرعها في المنطقة لنشر أفكارها الملالية الهدامة، والتي يمكن أن تتحقق من خلال الآتي:

- يجب أن يكون عداء إيران خالصاً مع الصهاينة والغرب كما تدعي وليس مع أهل السنّة، لأن هؤلاء هم التهديد الحقيقي لها ولأى دولة أو قوة إسلامية وليس معاداة بني جلدتها وحتى لو كانت عقيدتها مبتدعة.

- إيران بحاجة إلى صياغة دستور يلبّي مصلحة الدولة العليا والمواطن وليس جماعة المرشد التي تستحوذ على نسبة كبيرة من الاقتصاد والدخل القومي وإرضاء المقربين فقط على حساب الطبقات المطحونة.

- إيران بحاجة إلى وقف نفقاتها السخيّة غير المبررة في نشر فكرها الشيعي التوسعي في المنطقة وبناء نظاماً عسكرياً قوياً وجهاز استخباراتي قادر على مواجهة البلطجة الصهيوأمريكية التي لن تتوقف إلا بالردع وإظهار القوة.

- إيران بحاجة ماسة وعاجلة إلى التخلص من عملاء الموساد على أراضيها وهم بالأخص متواجدين في كافة أجهزتها الأمنية باعتراف رئيسها الأسبق أحمدي نجاد.

- إيران بحاجة إلى فتح المجال أمام الإصلاحيين والذي ينتمي إليهم الرئيس الحالي مسعود بزشكيان وتحجيم المتشددين لتهدئة وإرضاء المواطن والرأى العام الغاضب بشدة على هذا التيار المتشدد.

- لا ننسى أن إيران ساعدت الغرب وأمريكا في التنكيل بدول عربية مثل: العراق وسوريا وكانت سبباً في تمزيق دول أخرى مثل" لبنان واليمن، لذلك بات عليها أن تغير من سياساتها كلياً وليس جزئياً والكفّ عن مشروعها التوسعي الملالي في المنطقة العربية، لأن العرب هم من يدعموها الآن ولو سياسيا ومعنوياً ورفضوا الهجوم الصهيوني عليها ولو لا ما فعلته مع بلدان عربية، لكانت هذه الدول أكثر دعماً لها في التوقيت الصعب.

- إيران في اختبار صعب، اختبار وجودي، لذا فهي بحاجة إلى رد عسكري أكثر جنوناً هذه المرة على هذه البلطجة الصهيونية وإن كان قد بدأ بالفعل، وإلا سيكون الدور على مرشدها ورئيسها وما تبقى من قادتها، مثلما حدث تماماً مع الرئيس السابق إبراهيم رئيسي.

خلاصة القول.. ردع الكيان الصهيوني الدموي المتغطرس في المنطقة يكون بإدراكه بقوة إيران الحقيقية وليس الشعارات، وتوفير أموالها لبناء قدراتها من جديد، وحتى يدرك العدو أن أي تحرك تجاه إيران سيكون ثمنه باهظاً، لأنه عندما تراخت إيران في عدم الرد على الضربات السابقة، فكانت هى بداية الهزيمة ومزيد من تجرؤ الاحتلال عليها، لأن الصمت أحياناً يكون بمثابة الانتحار في حدّ ذاته وليس العكس، والمثل الشعبي يقول "العصا السابقة سابقة".

ناجح النجار- كاتب صحفي

باحث في العلاقات الدولية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق