إغلاق إيران مضيق هرمز.. هل يهدد مصير تدفقات النفط بالأسواق العالمية؟ (مقال)

الطاقة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

اقرأ في هذا المقال

  • إيران توجّه أكثر من 75% من صادراتها من النفط الخام إلى الصين
  • إغلاق إيراني محتمل لمضيق هرمز سيُحدِث صدمة فورية في أسواق النفط العالمية
  • إغلاق مضيق هرمز يهدد استقرار الإمدادات، لا سيما بالنسبة لمنتجي النفط الخليجيين
  • مضيق هرمز يُمثّل ممرًا حيويًا لإمدادات الطاقة العالمية، ويُعدّ شريانًا حيويًا للاقتصاد الإيراني

أدى تلويح إيران بإغلاق مضيق هرمز أمام تدفقات النفط الخام إلى إرباك الأسواق العالمية، وخصوصًا في الدول المصدرة والمستوردة التي تستعمل هذا الممر البحري الحيوي.

ويُفسَّر تهديد إيران بإغلاق المضيق في ظل تصاعد التوترات مع إسرائيل على نطاق واسع بأنه خدعة إستراتيجية أكثر منه خيارًا واقعيًا أو مفيدًا.

وبصفته معبرًا بحريًا حيويًا، يُسهّل مضيق هرمز عبور نحو 20 مليون برميل من النفط يوميًا، أي نحو 20% من الشحنات العالمية، ما يجعله ممرًا مهمًا لأسواق الطاقة الدولية، ولدعم الاقتصاد الإيراني.

وترى إيران إغلاق مضيق هرمز خطوةً بالغة الخطورة، نظرًا لتداعياته الاقتصادية والإستراتيجية الوخيمة.

استبعاد أن تُغلق إيران مضيق هرمز

يعتمد اقتصاد إيران اعتمادًا كبيرًا على مضيق هرمز في تصدير النفط واستيراد السلع الأساسية.

ومن شأن إغلاق هذا الطريق الحيوي أن يُلحق ضررًا بالغًا بمصالح إيران الاقتصادية، إذ يقطع مصدر دخلها الرئيس وخطوط إمدادها الحيوية.

تجدر الإشارة إلى أن أكثر من 75% من صادرات إيران النفطية يذهب إلى الصين، التي تُولي أهمية كبيرة لاستقرار أسواق الطاقة واستمرار الإمدادات.

ويُهدد أيّ إغلاق بتعريض هذه العلاقة التجارية الرئيسة للخطر، ما قد يُسبّب خلافًا دبلوماسيًا مع أحد شركاء إيران الإستراتيجيين القلائل.

خريطة الدول المطلة على مضيق هرمز
خريطة الدول المطلة على مضيق هرمز – الصورة من الموسوعة العربية

بالإضافة إلى ذلك، يخضع المضيق لمراقبة دقيقة من قِبل الأسطول الخامس للبحرية الأميركية، إلى جانب القوات الحليفة من المملكة المتحدة وفرنسا، ما يجعل أيّ محاولة لإغلاقه مرجَّحةً أن تُثير ردًا عسكريًا سريعًا وقويًا.

وقد يُقوّض هذا التصعيد موقع إيران الإستراتيجي، ويدعو إلى ضربات انتقامية، ويُعمّق عزلتها الدولية.

تاريخيًا، أطلقت إيران تهديدات مماثلة خلال الأزمات الجيوسياسية -مثلما حدث خلال حملة "الضغط الأقصى" التي شنّتها إدارة ترمب، ولم تُنفّذها- ما دفع المحللين إلى تفسير هذه التصريحات بأنها مناورات نفسية ودبلوماسية إستراتيجية، وليست خططًا حقيقية.

في المقابل، فإن التهديد نفسه يؤثّر في الأسواق العالمية، فبعد الغارات الإسرائيلية الأخيرة على إيران، ارتفعت أسعار خام برنت بنسبة 11% في يومين فقط.

ومن شأن الإغلاق الكامل للمضيق أن يُفاقم هذه التقلبات بشكل كبير، ما يُعطّل إمدادات النفط إلى اقتصادات رئيسة مثل الهند واليابان، ويُسبّب ضغوطًا تضخمية في جميع أنحاء العالم، فيزيد الاضطراب الاقتصادي على نطاق عالمي.

مخاطر إغلاق إيران مضيق هرمز

اقتصاديًا، تعتمد إيران اعتمادًا كبيرًا على المضيق لتصدير معظم نفطها واستيراد السلع الأساسية، ومن شأن إغلاق هذا الطريق أن يقطع شريان حياتها الاقتصادي الرئيس.

وبالنظر إلى توجُّه أكثر من 75% من صادراتها من النفط الخام إلى الصين، تُخاطر إيران بعزل شريك رئيس يُعطي الأولوية لاستقرار إمدادات الطاقة على سياسة حافة الهاوية الجيوسياسية، ومن شأن هذا الحصار أن يُعمّق عزلة إيران الاقتصادية ويُفاقم تحدياتها الداخلية.

إضافةً إلى ذلك، فإن ضيق عرض المضيق -الذي يتراوح بين 35 و60 ميلًا (56.32 - 96.56 كيلومترًا)-، والسيطرة الجزئية لسلطنة عُمان عليه، يجعلان الإغلاق الكامل صعبًا من الناحية التشغيلية.

وفي الوقت نفسه، يقلل وجود قوات بحرية يقظة من الولايات المتحدة وحلفائها من قدرة إيران على مواصلة الحصار دون المخاطرة بردّ عسكري سريع، ما يجعل نجاح هذا المسعى إستراتيجيا مستبعدًا.

بدلًا من ذلك، دأبت إيران على استعمال التهديدات رادعًا إستراتيجيًا بدلًا من الإجراء الفعلي، بما يتماشى مع عقيدة الحرب غير المتكافئة التي تعتمد على الضغط النفسي لتثبيط عزيمة الخصوم مع تجنُّب المواجهة المباشرة التي قد تُؤدي إلى ردود فعل كارثية.

وسيكون لإغلاق المضيق عواقب دبلوماسية وإقليمية وخيمة، إذ سيزيد من عزلة إيران ويضرّ بجيرانها الخليجيين، مثل العراق وقطر، اللذين يحافظان على علاقات معقّدة، وإن كانت فعّالة مع طهران.

خلاصة القول، ستُعدّ محاولة إغلاق المضيق بمثابة أزمة ذاتية لا تُحقق سوى فائدة إستراتيجية ضئيلة، ما يُعزز فكرة أن تهديدات إيران هي في معظمها مجرد مواقف خطابية، وليست خططًا مجدية.

ناقلة نفط تمر عبر مضيق هرمز

كيف قد تردّ الصين على إغلاق المضيق؟

من المرجح أن يكون ردّ الصين على أيّ محاولة إيرانية لإغلاق مضيق هرمز حذرًا وعمليًا، ويركّز على الحفاظ على الاستقرار الإقليمي وأمن الطاقة.

وقد امتنع المسؤولون الصينيون باستمرار عن تأييد خطاب طهران المتعلق بالإغلاق، حيث أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، مرارًا وتكرارًا أهمية السلام والاستقرار، متجنبًا أيّ دعم مباشر لتهديدات إيران.

وبصفتها أكبر مستهلك للنفط الإيراني ومستوردًا رئيسًا لنفط الخليج -من دول مثل السعودية والعراق والكويت-، فإن للصين مصلحة راسخة في ضمان تدفّق الطاقة دون انقطاع عبر المضيق.

وعلى الرغم من أن بكين تستثمر في تنويع مصادر الطاقة وتحتفظ باحتياطيات نفطية إستراتيجية، ما تزال سلاسل إمدادها تعتمد بشكل كبير على طرق الخليج العربي، ما يجعل أيّ تعطيل تهديدًا مباشرًا لإستراتيجيتها الوطنية للطاقة.

دبلوماسيًا، من المرجّح أن تستعمل الصين نفوذها الاقتصادي الكبير لحثّ طهران على ضبط النفس، ومع أنها قد تُقدّم دعمًا سياسيًا لإيران في مقاومة الضغوط الغربية، فإنه من غير المُرجّح أن تُؤيّد أو تُساند أيّ إجراء يُقوّض التجارة الإقليمية أو حرية الملاحة البحرية.

وتُركّز الأولويات الإستراتيجية الأوسع للصين في الشرق الأوسط على الاستقرار والترابط الاقتصادي، لا على الصراع أو المواجهة.

وفي حال نشوب أزمة، من المُرجّح أن تُشكّل بكين قوةً رادعة، فتدفع باتجاه خفض التصعيد عبر القنوات الدبلوماسية بدلًا من تقديم أيّ دعم عملي أو عسكري.

ويعكس نهجها توازنًا دقيقًا: الحفاظ على العلاقات مع إيران، مع حماية مصالحها التجارية والطاقة الأوسع نطاقًا في منطقة الخليج.

سفن شحن في مضيق هرمز
سفن شحن في مضيق هرمز – الصورة من وكالة الصحافة الفرنسية

تأثير إغلاق المضيق في سوق النفط العالمية

سيُحدِث إغلاق إيراني محتمل لمضيق هرمز صدمة فورية في أسواق النفط العالمية، مُعطِّلًا ما يقارب 20% من صادرات النفط الخام العالمية التي تمرّ يوميًا عبر هذا الممر المائي الحيوي.

وسيُهدد هذا التعطيل استقرار الإمدادات بشدّة، لا سيما بالنسبة لمنتجي النفط الخليجيين مثل المملكة العربية السعودية والعراق والإمارات العربية المتحدة، ما سيرفع أسعار النفط إلى ما يزيد على 100 دولار أميركي للبرميل، وربما إلى ما بين 120 و200 دولار أميركي، حسب مدة الحصار وشدّته.

وتُظهر السوابق التاريخية، مثل توترات الخليج عام 2019، أن مجرد التهديد بالتعطيل يُمكن أن يُسبب ارتفاعاتٍ سريعةً في الأسعار، ما يُسلِّط الضوء على الدور الحيوي للمضيق في تدفقات الطاقة العالمية.

بدورها، ستؤثّر التداعيات الاقتصادية بشدة في الدول الرئيسة المستوردة للطاقة في آسيا - مثل الصين واليابان والهند - من خلال تحفيز التضخم، ورفع التكاليف الصناعية، وتباطؤ النمو بسبب الضبابية بشأن إمدادات الطاقة.

وسيعاني مُصدِّرو النفط الخليجيون من انخفاض عائدات التصدير، ما يُعرِّضهم لخطر عجز الموازنة وعدم الاستقرار المحلي.

إلى جانب ذلك، من شأن انقطاع شحنات الغاز المسال والسلع الأساسية الأخرى أن يُفاقم تحديات سلسلة التوريد العالمية.

ورغم وجود طرق بديلة، فإن محدودية سعتها وارتفاع تكلفتها من شأنهما أن يُفاقما التضخم العالمي، وإجمالًا، سيؤدي إغلاق مضيق هرمز إلى إشعال أزمة اقتصادية عالمية تتّسم بانعدام أمن الطاقة المتزايد وتقلبات أسعار مُزعزعة للاستقرار.

التداعيات الدولية لإغلاق مضيق هرمز

إذا أقدمت إيران على إغلاق مضيق هرمز، فستكون العواقب العالمية فورية ومفاجئة ومتعددة الأوجه، وستُشكّل هذه الخطوة انتهاكًا واضحًا للقانون الدولي، وتحديدًا المادة 37 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

ومن المرجّح أن تُثير ردًا عسكريًا من الولايات المتحدة وحلفائها، لا سيما بالنظر إلى الوجود الإستراتيجي للأسطول الخامس الأميركي في البحرين.

وسيؤدي الإغلاق الكامل للمضيق إلى إزالة ما يقرب من 20 مليون برميل من النفط يوميًا من سلاسل التوريد العالمية، ما يُحدِث صدمةً حادة في الإمدادات قد تدفع أسعار النفط إلى ما يزيد على 200 دولار للبرميل.

من ناحية ثانية، سيتردد صدى ذعر السوق الناتج عن ذلك في آسيا وأوروبا وغيرها من المناطق المعتمدة على النفط، ما قد يُؤدي إلى حالة من الاضطراب الاقتصادي على نطاق واسع.

في غضون ذلك، ستتصاعد التوترات في الشرق الأوسط بشكل حادّ، مع ردّ دول الخليج وإسرائيل والدول الغربية على تصرفات طهران، ما يُثير شبح صراع إقليمي أوسع.

وستواجه إيران نفسها عواقب وخيمة، إذ سيؤدي إغلاق المضيق إلى تعميق أزمتها الاقتصادية بخفض عائدات النفط الحيوية وتعطيل الواردات الأساسية، وسيؤدي إلى عزلة دبلوماسية متزايدة، إذ تدفع العقوبات الانتقامية والضربات العسكرية المحتملة البلاد نحو وضع المنبوذ.

وعلى الرغم من أن الصين وروسيا قد تقدّمان دعمًا لفظيًا وتدعوان إلى ضبط النفس، فمن المرجّح أن تتجنّبا التدخل العسكري المباشر وتحثّا على الحلول الدبلوماسية.

وردًا على الأزمة، من المرجّح أن يلجأ المجتمع الدولي إلى إجراءات طارئة، مثل سحب احتياطيات النفط الإستراتيجية وبدء عمليات بحرية مشتركة لاستعادة الممرات البحرية.

وفي نهاية المطاف، سيمثّل هذا الحصار تجاوزًا إستراتيجيًا من جانب إيران، وهو عمل يفرض عليها تكاليف باهظة دون تحقيق فائدة إستراتيجية تُذكَر.

ناقلة نفط راسية في مضيق هرمز قبالة مدينة بندر عباس جنوب إيران
ناقلة نفط راسية في مضيق هرمز قبالة مدينة بندر عباس جنوب إيران – الصورة من أسوشيتد برس

الخلاصة

تبدو تهديدات إيران المتكررة بإغلاق مضيق هرمز أقرب إلى خطاب إستراتيجي منها إلى خطة واقعية.

وعلى الرغم من أن هذه التصريحات قد تهدف إلى تحقيق آثار سياسية أو نفسية قصيرة المدى، فإن الوضع على الأرض يشير إلى أن طهران من غير المرجّح أن تُنفّذها.

ويُمثّل هذا المضيق ممرًا حيويًا لإمدادات الطاقة العالمية، ويُعدّ شريانًا حيويًا للاقتصاد الإيراني.

لذلك، ستُلحق محاولة إغلاقه أضرارًا بالغة بإيرادات النفط الإيرانية الهشّة، وتزيد من عزلتها على الساحة الدبلوماسية، ومن المرجّح أن تُثير ردود فعل عسكرية مباشرة من الولايات المتحدة وحلفائها.

وفي نهاية المطاف، سيُلحق مثل هذا الإجراء ضررًا بإيران أكثر من خصومها، ما يُفاقم تحدياتها الاقتصادية، ويُضعف موقعها الإستراتيجي.

بالإضافة إلى ذلك، يُوضح التزام الصين الراسخ بالحفاظ على الاستقرار الإقليمي وحرية الملاحة أن بكين ستُعارض أيّ تعطيل للتجارة البحرية.

ويُحدّ اعتماد إيران الاقتصادي المتزايد على الصين من خيارات طهران، إذ إن استعداء بكين سيُهدد إحدى شراكاتها القليلة المتبقية ذات الأهمية الكبيرة.

ومن المرجّح أن القادة الإيرانيين يدركون أن إغلاق المضيق سيؤدي إلى ردّ انتقامي مدمّر، ويزيد من تراجع الدعم العالمي، ويعجّل بعزلة إيران على الساحة الدولية.

لذلك، فإن مضيق هرمز ليس أداة ضغط بقدر ما هو نقطة ضعف كبيرة، لا تستطيع إيران استغلالها.

ورغم أن المسؤولين العسكريين الإيرانيين قد يواصلون الادّعاء بأن إغلاق مضيق هرمز خيار مطروح، فإن التبعيات الاقتصادية المتشابكة، والمخاطر الجيوسياسية، والواقع العسكري، تجعل هذا التهديد رمزيًا في معظمه.

فبدلًا من أن تكون هذه التحذيرات إستراتيجية عملية، فإنها تُعدّ بمثابة إشارات دبلوماسية ونفسية تهدف إلى الضغط على الخصوم دون التصعيد إلى صراع لا يمكن السيطرة عليه.

الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.

أخبار ذات صلة

0 تعليق