شهد الصراع المتصاعد بين إيران وإسرائيل تطورًا لافتًا تمثل في استهداف منتزه "جاف يام نيجف" للتكنولوجيا المتقدمة، الواقع في بئر السبع جنوب إسرائيل.
ويُعد هذا الهجوم الصاروخي الإيراني، الذي وقع يوم الجمعة، مؤشرًا نوعيًا على تصعيد جديد في ساحة المواجهة غير التقليدية بين الطرفين، حيث تتحول الأهداف من البنية التحتية العسكرية التقليدية إلى الرموز الاستراتيجية للأمن السيبراني والتفوق التكنولوجي.
مركز ثقل إستراتيجي وليس مجرد مجمّع أعمال
ويُعتبر "جاف يام نيجف" أكثر من مجرد منتزه تكنولوجي؛ فهو تجسيد لاستراتيجية إسرائيلية متكاملة تهدف إلى إعادة تمركز القوة السيبرانية في الجنوب، وتحويل بئر السبع إلى ما يُعرف بـ"عاصمة السايبر" الإسرائيلية. ويقع المنتزه على مقربة من مجمع القيادة السيبرانية والاستخباراتية (C4I) التابع للجيش الإسرائيلي، الذي بدأ إنشاؤه عام 2018 في إطار خطة قيمتها مليارات الشواكل، تهدف إلى نقل وحدات النخبة السيبرانية من وسط البلاد إلى الجنوب.
ووفقًا لتقديرات رسمية، فإن هذا المجمع السيبراني سيحتضن ما بين 5 إلى 7 آلاف جندي وضابط من النخب التكنولوجية العسكرية، ضمن سياسة تعتبرها الحكومة "أولوية استراتيجية" لإعادة تشكيل الجغرافيا الأمنية الإسرائيلية.
تلاقي ثلاثي بين الجيش والجامعة والشركات
ما يميز هذا الموقع المستهدف أنه لا يُمثل فقط موقعًا عسكريًا أو تكنولوجيًا بحتًا، بل هو نتاج تفاعل معقد بين ثلاثة أركان أساسية: الجيش الإسرائيلي، وجامعة بن جوريون في النقب، وشركات التكنولوجيا الخاصة. ويُعد الموقع بمثابة نموذج تطبيقي نادر لدمج الدفاع الوطني بالبحث الأكاديمي والابتكار الصناعي.
فجامعة بن جوريون، القريبة من المنتزه، تلعب دوراً محورياً في رفده بالكفاءات، إذ تخرّج سنويًا ثلث مهندسي إسرائيل، وتحتضن مراكز أبحاث متخصصة في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، مثل Cyber@BGU، التي تشكل حلقة وصل مباشرة بين البحث العلمي واحتياجات الميدان العسكري.
الشراكة الدولية والبنية التحتية المتقدمة
يشكل المنتزه أيضًا نموذجًا للتحالف بين القطاعين العام والخاص، ويضم أكثر من 70 شركة، بينها عمالقة عالميون مثل Microsoft، Intel، Cisco، Dell، Oracle وIBM، إلى جانب شركات أمن سيبراني ودفاعية كبرى مثل Rafael وCyberArk وLeidos.
هذا التكتل لا يعكس فقط قوة اقتصادية، بل يؤسس لبنية دفاعية رقمية مستدامة تعزز قدرات إسرائيل في الردع والهجوم السيبراني، وتُحول بئر السبع إلى نقطة جذب تكنولوجية وعمرانية، خصوصاً مع توقعات بأن يوفر المنتزه حتى 10 آلاف وظيفة متخصصة.
البعد السيبراني للصراع الإيراني-الإسرائيلي
يُعيد استهداف "جاف يام نيجف" صياغة مفهوم "الجبهة الداخلية" في الحروب الحديثة. فالصواريخ الإيرانية، التي لطالما وُجهت نحو مواقع عسكرية أو موانئ أو مطارات، باتت اليوم تُصوّب بدقة نحو العقد العصبية لمنظومة الابتكار والتفوق السيبراني الإسرائيلي. ويدل هذا التحول في بنك الأهداف الإيرانية على فهم معمق لمنظومة القوة الإسرائيلية الحديثة، وهو ما يُنذر بتصعيد تقني-استخباراتي يتجاوز حدود الميدان العسكري التقليدي.
ولم يكن اختيار المجمع عشوائيًا، فقد أشار الإعلام الإيراني إلى احتوائه على "مؤسسات عسكرية وسيبرانية نشطة"، في تأكيد على توجيه الضربة إلى منطقة عالية الحساسية من حيث القيمة الإستراتيجية.
0 تعليق