رغم الخلاف الأيديولوجي: ما دوافع «التقارب الحذر» بين طالبان وإيران؟

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
رغم الخلاف الأيديولوجي: ما دوافع «التقارب الحذر» بين طالبان وإيران؟

الأحد 22 يونيو 2025

رئيس مجلسى الإدارة والتحرير

عبدالرحيم علي

رئيس التحرير

داليا عبدالرحيم

ads

رئيس مجلسي الإدارة والتحرير

عبدالرحيم علي

رئيس التحرير

داليا عبدالرحيم

سياسة

الأحد 22/يونيو/2025 - 09:21 م
رغم الخلاف الأيديولوجى:
رغم الخلاف الأيديولوجى: ما دوافع «التقارب الحذر» بين طالبان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

أعرب أمير خان متقي، القائم بأعمال وزير خارجية حكومة طالبان، عن استعداد الحركة للتعاون مع الشعب الإيرانى على أساس "المبادئ الإسلامية والإنسانية"، وذلك خلال لقائه مع بيير ألبرت ألساس، القائم بأعمال السفارة النرويجية فى كابول. جاء هذا التصريح فى سياق إقليمى متوتر تخلله تصاعد التهديدات بين إيران وإسرائيل، وتخوف من انفجار حرب شاملة فى المنطقة.
وفى بيان رسمى صدر عن وزارة الخارجية التابعة لحكومة طالبان، أعرب متقى عن قلق الحركة إزاء "الوضع الراهن فى المنطقة"، فى إشارة واضحة إلى التطورات المتسارعة على الجبهة الإيرانية – الإسرائيلية، وما قد يترتب عليها من تداعيات أمنية على الحدود الأفغانية. من جهته، عبّر الدبلوماسى النرويجى عن القلق ذاته؛ مؤكداً على أهمية التهدئة فى سبيل تجنيب المنطقة المزيد من الانهيار.
تأتى هذه التصريحات فى وقت تشهد فيه العلاقات بين طالبان وطهران تذبذباً مقلقاً، تجمعه ملفات أمنية مشتركة، وتفرقه رؤى عقائدية متجذرة، ومصالح متداخلة مع أطراف إقليمية ودولية متناقضة.
وبينما يبدو موقف طالبان الأخير محاولة للاقتراب من إيران ضمن سياق براغماتي، فإن جذور الخلاف العقائدى لا تزال تفرض نفسها على أى مسار نحو تفاهم استراتيجى دائم.
وفى يناير الماضي، التقى وزير الخارجية الإيرانى عباس عراقجى نظيره الأفغانى أمير خان متقي، حيث عقدا جلسة مباحثات فى مقر وزارة الخارجية الأفغانية، كما توجَّه لمقر رئيس الوزراء محمد حسن أخوند، وذلك خلال أول زيارة رسمية إلى كابل منذ عودة حركة "طالبان" إلى السلطة. وناقش الجانبان القضايا ذات الاهتمام المشترك وسُبل تعزيز التعاون فى المجالات الاقتصادية والثقافية. وقال عراقجى إن إيران ملتزمة بعودة نحو ٣.٥ مليون لاجئ أفغاني، وأنها لا تنوى التدخل فى الشؤون الداخلية لجارتها، وفقاً لبيان من المتحدث باسم الحكومة الأفغانية. كما دعا إلى التنفيذ الكامل لمعاهدة مياه نهر هيرمند، التى تتضمن موارد مائية مشتركة، وفقاً للبيان.
وكانت وكالة "إيرنا" الرسمية قد أفادت بأن زيارة عراقجى على رأس وفد رفيع المستوى تركز على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع أفغانستان. بينما أوضح محمد حسين رنجبران، مستشار وزير الخارجية الإيراني، أن ملفى "المهاجرين" والخلافات بشأن "مياه نهر هيرمند" تصدَّرا مباحثات عراقجى ومتقي.
خلاف أيديولوجى
منذ بروز حركة طالبان فى منتصف تسعينيات القرن الماضي، اتسمت العلاقة مع إيران بالتوتر المعلن، نتيجة التباين العميق فى الخلفية المذهبية بين الطرفين؛ فطالبان تمثل حركة سنية سلفية تنتمى إلى التيار الديوبندي، وقد خاضت معارك عنيفة ضد الشيعة فى أفغانستان، وخاصة فى مناطق الهزارة.
فى المقابل، تقدم إيران نفسها كدولة راعية للشيعة فى المنطقة، وتحديدًا للطائفة الاثنى عشرية، وهى تملك شبكة واسعة من الحلفاء الإيديولوجيين فى العراق وسوريا واليمن ولبنان. وقد بلغ الخلاف بين الطرفين ذروته عام ١٩٩٨ عندما اجتاحت قوات طالبان مدينة مزار شريف وقتلت تسعة دبلوماسيين إيرانيين، ما كاد أن يفجر حربًا مباشرة بين البلدين.
ولم يكن الخلاف محصورًا فى الجانب المذهبي، بل تعداه إلى التنافس على النفوذ داخل الأراضى الأفغانية، خصوصًا فى غرب البلاد، حيث تعيش أقلية شيعية أفغانية تحظى بدعم ثقافى واقتصادى مباشر من طهران.
كما أن إيران كانت لعقود حاضنة لكوادر معارضة لطالبان، خصوصًا من تحالف الشمال، ووفرت ملاذًا سياسيًا وعسكريًا لهم فى بعض الفترات.
دوافع التقارب
رغم هذه الخلفيات المتوترة، فإن الجغرافيا السياسية فرضت على الطرفين نوعًا من التعاون الحذر خلال السنوات الأخيرة. فإيران، التى تخشى من تمدد نفوذ تنظيم "داعش" فى أفغانستان، وجدت فى طالبان حائط صدّ محتمل ضد هذا التنظيم المتشدد، خصوصًا بعد انسحاب القوات الأمريكية من البلاد وسيطرة طالبان على الحكم فى أغسطس ٢٠٢١.
كما أن الاضطرابات فى محافظة هلمند، ومناطق الحدود المتاخمة لإيران، دفعت طهران إلى فتح قنوات اتصال غير مباشرة، ثم مباشرة، مع طالبان لضبط الأوضاع الأمنية ومنع تهريب المخدرات وتدفق اللاجئين. وقد تم عقد عدة اجتماعات أمنية بين مسؤولى طالبان والحرس الثورى الإيراني، ركزت على ضبط الحدود والتعاون الاستخباراتى فى مكافحة الجماعات المسلحة المناوئة للطرفين.
فى المقابل، وجدت طالبان فى إيران منفذًا حيويًا لتجنب العزلة الدولية، خاصة فى ظل رفض واسع للاعتراف بحكومتها من قبل الدول الغربية.
إيران، التى لا تعترف رسميًا بحكومة طالبان، تعاملت معها واقعيًا، وفتحت سفارتها فى كابول، وسمحت لطالبان بتمثيل دبلوماسي، وأجرت معها تفاهمات اقتصادية شملت الكهرباء والغاز وتبادل السلع.
ومن اللافت أن تصريحات متقى جاءت خلال لقاء مع ممثل النرويج، ما يعكس رغبة طالبان فى إيصال رسالة للغرب عبر إيران مفادها أنها شريك قابل للتفاهم إقليميًا، إذا ما تم منحه شرعية دولية وتخفيف العزلة المفروضة عليه.
توترات متكررة
ورغم ملامح التقارب هذه، فإن التوتر بين الطرفين لم يغب يومًا. ففى مايو ٢٠٢٣، وقعت اشتباكات مسلحة على الحدود بين طالبان والقوات الإيرانية بسبب نزاع على مياه نهر هلمند، وهو نهر حيوى لإيران، وسبق أن اتهمت طالبان طهران بقطع الإمدادات الكهربائية لأغراض سياسية.
كما اتهمت تقارير أفغانية الحرس الثورى الإيرانى بتدريب وتسليح جماعات مسلحة مناهضة لطالبان فى إقليم بنجشير وغرب أفغانستان. ورغم نفى إيران لهذه الاتهامات، فإنها تظل سببًا مستمرًا لتآكل الثقة بين الطرفين.
ملف اللاجئين هو الآخر يشكل نقطة خلاف، حيث يتهم مسؤولو طالبان طهران بإساءة معاملة المهاجرين الأفغان داخل الأراضى الإيرانية، وهى قضية حساسة تتفاعل شعبيًا فى الداخل الأفغاني.
وردّت إيران مرارًا بأن طهران تستضيف ملايين اللاجئين منذ عقود، وأن الأعباء الاقتصادية المتزايدة تفرض قيودًا على قدرتها على الاستيعاب.
لكن على الرغم من كل ذلك، يظل العامل الأهم هو إدراك الطرفين أن العلاقات بينهما ليست خيارًا بقدر ما هى اضطرار تفرضه الجغرافيا وتغذيه المصالح المتقاطعة، لا القناعات العقائدية.
فى ضوء المعطيات الراهنة، يبدو أن العلاقة بين إيران وطالبان محكومة بتوازنات دقيقة أكثر من كونها تحالفًا استراتيجيًا. فطهران تتعامل مع طالبان بوصفها أمرًا واقعًا يصعب تجاوزه، لكنها لا تثق بها كحليف عقائدي.
أما طالبان، فهى تحاول توظيف العلاقة مع إيران كورقة ضغط فى ملفات الاعتراف الدولي، وكسند لوجستى فى مواجهة بعض التحديات الأمنية والاقتصادية. ويبدو أن تصريحات متقى الأخيرة، رغم لغتها الإيجابية، لا تعبّر عن تحوّل جذرى بقدر ما هى تعبير عن تقاطع ظرفى فى المصالح. إذ تدرك طالبان أن أى تصعيد كبير فى المنطقة بين إيران وإسرائيل سيترك تداعيات كارثية على الداخل الأفغاني، سواء على مستوى اللاجئين أو الأمن أو حركة التجارة عبر الحدود.
وبالتالي، فإن استمرار هذا "التحالف القلق" سيظل مرهونًا بعوامل كثيرة، أهمها التزام طالبان بضبط الجماعات الجهادية السنية على حدود إيران، وموقف طهران من المطالب الشيعية فى الداخل الأفغاني، ومدى استعداد المجتمع الدولى للتعاطى مع حكومة طالبان فى حال قدمت تنازلات سياسية وحقوقية.
وفى المشهد الإقليمى الذى تتسارع فيه الاصطفافات والمحاور، قد تجد طالبان فى إيران شريكًا مؤقتًا، لكنه شريك لا يمكن الركون إليه على المدى الطويل، تمامًا كما تنظر طهران إلى طالبان بوصفها "جارًا متقلبًا

الاقسام


© 2021 Albawabhnews All Rights Reserved.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق