تشهد منطقة الشرق الأوسط حالة من التوتر غير المسبوق، بعدما شنت الولايات المتحدة ضربات عسكرية استهدفت منشآت نووية داخل الأراضي الإيرانية، ما أثار ردود فعل دولية وتحذيرات واسعة من تداعيات هذا التصعيد على أسواق الطاقة العالمية وفي ظل هذه التطورات المتسارعة، حذر خبراء اقتصاديون من احتمال دخول سوق النفط في مرحلة اضطراب خطيرة، قد تؤثر على الإمدادات والأسعار، وتنعكس على الاقتصاد العالمي برمّته.
حيث حذرت مؤسسات مالية واقتصادية بارزة من تداعيات محتملة وخطيرة على أسواق الطاقة العالمية، في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، عقب توجيه الولايات المتحدة ضربات جوية استهدفت ثلاث منشآت نووية داخل إيران وأشارت التحذيرات إلى أن تفاقم الأزمة قد يهدد بتعطيل الإمدادات النفطية، لا سيما في حال تطور الأوضاع إلى إغلاق مضيق هرمز، أحد أهم الممرات الملاحية في العالم، والذي يمر عبره نحو 20% من تجارة النفط العالمية.
ارتفاع متوقع لأسعار النفط
في هذا السياق، قالت شركة "Potomac River Capital" إن التوترات الراهنة قد تدفع بأسعار النفط للبقاء عند مستويات مرتفعة، وسط تزايد المخاوف من انزلاق الأوضاع نحو مواجهة عسكرية مفتوحة وأضافت أن استمرار حالة عدم اليقين في المنطقة من شأنه أن ينعكس على الأسواق بشكل مباشر، خصوصاً مع هشاشة التوازن بين العرض والطلب العالمي.
الأسواق لا تستجيب فوراً
من جانبها، رأت شركة "B. Riley Wealth" أن الأسواق العالمية قد لا تتفاعل بشكل فوري مع التطورات السياسية، ما لم يحدث تأثير مباشر وملموس على الإمدادات وأشارت إلى أن الأسعار الحالية لا تعكس بشكل كامل حجم المخاطر التي قد تتفجر في أي لحظة، خاصة إذا تم استهداف منشآت نفطية أو تعطلت طرق الإمداد.
3 سيناريوهات لأزمة الطاقة
ورسمت مؤسسة "أوكسفورد إيكونوميكس" ثلاثة سيناريوهات محتملة لمسار الأزمة. يتمثل السيناريو الأول في خفض التصعيد بين الأطراف المتنازعة، وهو ما قد يُسهم في استقرار مؤقت بأسعار النفط. أما السيناريو الثاني فيتعلق بتعليق كامل للإنتاج الإيراني، ما سيؤدي إلى نقص كبير في السوق العالمية بينما يُعد السيناريو الثالث هو الأسوأ، حيث يشمل إغلاق مضيق هرمز بالكامل، الأمر الذي قد يدفع أسعار النفط إلى 130 دولارًا للبرميل.
تداعيات اقتصادية عالمية
بحسب تقديرات "أوكسفورد إيكونوميكس"، فإن إغلاق مضيق هرمز قد يؤدي إلى ارتفاع معدل التضخم في الولايات المتحدة إلى نحو 6% بحلول نهاية العام الجاري، مما سيضع ضغوطاً كبيرة على صناع السياسات النقدية في واشنطن، ويهدد بدخول الاقتصاد الأمريكي في موجة تباطؤ قد تمتد آثارها إلى الأسواق العالمية.
أسواق الطاقة المصرية آمنة في ظل توترات المنطقة
وفي هذا السياق أوضح الدكتور محمد عبد الفتاح، استشاري الاستدامة واستراتيجيات الطاقة المتجددة، أن أسواق الطاقة العالمية شهدت ارتباكًا كبيرًا عقب الضربة الأمريكية الأخيرة لإيران، والتي أعادت إلى الواجهة مخاوف اندلاع صراع إقليمي واسع النطاق في واحدة من أكثر المناطق حساسية في إنتاج وتصدير النفط والغاز، لافتا إلى أن إيران تعد بحدودها الجغرافية وموقعها الاستراتيجي في مضيق هرمز، لاعبًا رئيسيًا في معادلة أمن الطاقة العالمي، حيث يمر كم كبير من إمدادات النفط اليومية من خلال هذا الممر الحيوي.
وأوضح عبد الفتاح، أن أي تهديد لاستقرار إيران أو تصاعد التوترات في الخليج يؤثر مباشرة على أسعار النفط التي بدأت بالفعل في تسجيل زيادات حادة، وهو ما سينعكس على تكاليف النقل والإنتاج والاقتصادات الهشة، ويهدد أمن الطاقة للعديد من الدول المستوردة، خاصة في أوروبا وآسيا.
وأشار استشاري الاستدامة إلى أنه في ظل هذه الأزمات، تظهر أهمية الرؤية المصرية الاستباقية في تعزيز أمنها في مجال الطاقة، حيث نجحت مصر خلال السنوات الماضية في التحول إلى مركز إقليمي للطاقة، من خلال تنمية مشروعات الغاز الطبيعي، واستثمارات موسعة في الطاقة المتجددة، خاصة في مشروعات طاقة الرياح والطاقة الشمسية، كمجمع بنبان العملاق في أسوان.
وأكد الدكتور محمد عبد الفتاح أن هذا التوجه الحكومي المدروس، المدعوم بإصلاحات هيكلية وتشريعية، قلل إلى حد كبير من اعتماد مصر على الواردات، ووفر بنية تحتية متطورة تسمح بالتصدير، مما جعلها أكثر قدرة على مواجهة الصدمات الخارجية في أسواق الطاقة، مؤكدا أن التوترات الجيوسياسية المتصاعدة تحتم على العالم تسريع وتيرة التحول للطاقة النظيفة، وتقليل الاعتماد على مناطق النزاع، بينما تمثل مصر نموذجًا يحتذى به في بناء منظومة طاقة مرنة ومستدامة تستجيب للتحديات وتدعم التنمية الوطنية والإقليمية.
تداعيات خطيرة على استقرار أسواق الطاقة العالمية
وفي نفس السياق يقول الدكتور علي الإدريسي الخبير الاقتصادي، إن التطورات الجيوسياسية الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا الضربات الأمريكية التي استهدفت منشآت نووية في إيران، تنذر بتداعيات خطيرة على استقرار أسواق الطاقة العالمية.
وأوضح الإدريسي، أن أي تصعيد في هذه المنطقة الحساسة من العالم قد يؤدي إلى اضطرابات مباشرة في الإمدادات، خاصة مع التهديدات المتزايدة بإغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره ما يقرب من 20% من تجارة النفط العالمية.هذا السيناريو وحده كفيل بإشعال الأسعار ورفع مستويات القلق في الأسواق المالية الدولية.
وأشار الإدريسي، إلى أن الأسواق بدأت تشهد بالفعل تقلبات حادة في الأسعار، مع تحركات ملحوظة في عقود النفط الآجلة وزيادة في الطلب على الأصول الآمنة مثل الذهب والدولار مضيفا، القلق لا يقتصر على أسعار الطاقة فقط، بل يمتد إلى سلاسل الإمداد، وكلفة الشحن، والتضخم، وهو ما قد يدفع البنوك المركزية إلى إعادة النظر في سياساتها النقدية خلال الأشهر المقبلة.
وتابع الإدريسي، أن استمرار التوتر أو تحوله إلى صراع مفتوح سيجعل العالم أمام أزمة طاقة جديدة قد تفوق في حدتها أزمات سابقة، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لاحتواء الموقف، وتفادي انزلاق المنطقة إلى حرب موسّعة سيكون لها تأثير مباشر على الاقتصاد العالمي ككل.
0 تعليق