محمد السريفي فيلار ينادي بشارع رباطي يحمل اسم "أبراهام السرفاتي"

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

صراحةٌ حول السياسة والإيمان مِن عدمه، عرفها المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط مع تقديم سيرة محمد السريفي فيلار، الذي عاش 16 عاما و9 أشهر و5 أيام من الاعتقال السياسي في القرن العشرين، إلى جانب معتقلين آخرين انتموا إلى منظمة “إلى الأمام” الماركسية الجذرية.

“السماء المربعة” سيرةٌ نشرتها “دار نشر الفنك” بعد 35 سنة من الحرية، التي لا يزال يتشبث بها صاحبها، رافضا التسليم بما يعتبره “خدعة طي الصفحة”؛ لأن على الذاكرة أن تستمر، وعلى الحرية أن تتسع مع ربط المسؤولية بالمحاسبة. وقدم هذا العمل خلال البرنامج الرسمي للمعرض سالف الذكر في دورته الثلاثين، وهو ما اعتبره السريفي فيلار “أمرا يستحق تحية وزارة الثقافة عليه، لأنهم يعرفون ما سأقول؛ ولكنهم لم يعترضوا على اسمي في البرمجة القبلية”.

السريفي-فيلار، الذي اشتغل مع منظمات دولية عديدة ودرس الإسبانية، يحمل نسبا مزدوجا يشير إلى قصة عائلية فريدة لأب مغربي بطنجة وأم جمهوريةٍ من إسبانيا رحلت عن إسبانيا من قلاقل متابعة أمثالها من أتباع الجنرال فرانكو ببلدها الأم، ليكون له بالتالي إخوة مسيحيون يحملون أسماء أوروبية، ومسلمون يحملون أسماء عربية. أما هو فلا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.

وكان لكلمة “الحب” حضورٌ في جلسة التقديم، حيث قال السريفي: “في حياتي وحياة كل الناس، لا يمكن أن ندرك بُعدَ الحياة دون الحب، وهو عطاء، ونعمة (…) أبي تبنى إخواني (ذَوي الأسماء الإسبانية)، وأتذكره وهو يأخذهم إلى الكنيسة يوم الأحد، وفي الوقت نفسه لم يكن ممكنا أن يوضَعُ أمامه أبدا طبق سبَق أن وُضع فيه لحم خنزير”. كما أنه رغم اعتراضات العائلة الممتدة على زواج أبيه بإسبانية مسيحية، فإن “العائلة الصغيرة، كان بينها تضامن. عندما نكون أنانيين لا نحب، ولا يمكن أن نحب دون أن نقدم أنفسنا بالكامل للحب”.

هنا تحدث المعتقل، الذي قضى 17 عاما خلف القضبان، بعد تعذيب ومحاولة فرار من السجن بسبب منشورات وآراء سياسية: “أحب المغرب حتى الموت، وأعطيه حياتي، للفلاح والعامل… وأتساءل أحيانا من أين يأتي هذا الحب رغم ما عانيته؟”.

ثم أجاب بما أدركَه في وقت لاحق عن السؤال: “هو حبي لأمي وأبي، فعندما نحب أحدا نحبه بأكمله. ولو لقنا للأطفال حقيقة حب الوطن، لما كانوا مثل ما يحدث اليوم يتطلعون لمغادرته”.

لكن الحب لا يعني المفاضلة بينه وبين العدالة، “فهذا نقاش خاطئ؛ الحب هو الفعل أيضا، والنضال، والعمل للتغيير، ومحبة بلدي والعدالة، لا يتعارضان”، كما أن محبة البلد لا تعني التسليم بشكله السياسي، وكيف تتدخل سلطته المركزية في الاقتصادي والسياسي والديني وحتى الحياة الخاصة، أو نسيان أن الحد “من تسلط القهر والدكتاتورية، قد تم بفضل نضال مغربيات ومغاربة”.

رفيق أبراهام السرفاتي وعبد الله زعزاع وعبد اللطيف اللعبي وآخرين من “إلى الأمام” ذكر، في جلسة التقديم، أنه رغم كونه طنجاويا ابن جمهورية إسبانية، لا يتمكن من استيعاب مملكةٍ، إلا أن “له ملِكَين”.

وحول “طي صفحة الماضي”، قال السريفي فيلار إنه “يجب أن نكون فرحين بما تحقق من مساحات الحريةِ والقولِ (…) وأن نكون مستعدين للذهاب إلى السجن لتوسيع مساحات الحرية في بلدنا”؛ إلا أنه “لم نكمل بعد ما ينبغي أن يتم (…) وما تم في بداية القرن الحادي والعشرين لم يكن النهاية، بل كان البداية، لكننا أضعنا فرصا مهمة، لانتقال ممكن (إلى الديمقراطية)”.

السريفي، الذي يتذكر إضرابه عن الطعام ليحضر جنازة أبيه الذي توفي وابنه في السجن، تحدث عن “جرحه المستمر”؛ لأن “الصفحة لم تطو بعد”، ففضلا عن كونه “ليس له حق طي الصفحة نيابة عن من سُلِبت حياتهم”، في المرحلة التي دُئِب على تسميتها إعلاميا “سنوات الرصاص” وهو اسم لا يفضله كثيرا، فإن السريفي قلق أيضا من “وهم الحرية، الذي نحس به وأنا أتحدث الآن”؛ بينما “الحقيقة أن النقابات قد قُتلت في البادية، والحديث عن الأرض في البوادي، ورد فعل الإقطاعيين، يكشف هذا الوهم (…) وهناك سلطة مرعبة مستمرة للباشا والقائد في المناطق القروية”.

السريفي فيلار، الذي كتب سيرته ونشرها في عام عيشه الثالث والسبعين، شدد على أنه “لا يمكن أن نتقدم إذا بترنا الذاكرة”، قبل أن يتحدث عن ضرورة “تحرير القول”؛ لأن “لدينا أنتلجنسيا (نخبة عالمة) مغربية، هي ياقوتة، نورٌ في البلد، من علماء الاجتماع والسياسة والإناسة، والنقابيين، والمناضلين، وهو غنى علينا تحريره”.

وتابع المتحدث عن قوة لحظات سياسية كان ينبغي أن تستثمر من أجل مستقبل المغرب، “وأنا جمهوري، خرجت لرؤية ملك الفقراء، الملك الجديد الذي يحمل الأمل”.

ولم ينصح الكاتب جمهورَ الحاضرين بقراءة كتاب أحمد البوخاري حول “الأجهزة السرية” و”الجريمة التي مورست ضد نخبتنا ومفكرينا وحالمينا ببلد أفضل في الستينيات، وهي جريمة يفهم عمقها إذا استحضرنا الإمكانات الاقتصادية آنذاك، وما كان يمكن أن يتم. (…) لذلك اعتُقلنا، كما أعتقد، لا لمعارضتنا السياسية؛ بل لسبب اقتصادي، هو أننا كنا ضد احتكار ثروة البلاد”.

وأبرز السريفي، الذي يحركه “عطش الحرية من أعماق الأعماق”، أنه “يمكن تدارك الوقت الضائع”، عبر فتح “النقاش حقيقة حول الذاكرة، ونقاش أكثر عمقا حول طبيعة (السلطة)”. مع إطلاقه طلبا، في ختام مداخلته، من منصة وزارة الثقافة: “نقول إن المغرب متعدد، ونعترف بذلك (…) لقد حان الوقت لنسمي شارعا بالرباط باسم أبراهام السرفاتي، لنعترف بمن ناضلوا من أجل مغرب حر ومستقل”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق