الولادة القيصرية بين الاختيار والإجبار .. إنقاذ للأرواح أم تضخيم للأرباح؟

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تشكل الولادة حدثا طبيعيا في حياة المرأة المتزوجة، تمتزج فيه مشاعر الخوف من المخاطر والألم بالفرحة والأمل في معانقة الأمومة.

وإذا كانت الولادة الطبيعية تشكل القاعدة الأولى بالنسبة للمقبلات على الوضع، فإن العقود الأخيرة شهدت إقبالا كبيرا على الولادات القيصرية، أو “الفتيح” وفق المنطوق العامي بين الحبليات، ما فتح النقاش على مصراعيه بخصوص هذا التوجه وما إن كان يتعلق باختيار أم إجبار.

صحة الأم والجنين

الدكتور الطيب حمضي، طبيب باحث في السياسات والنظم الصحية، قال إن الولادة القيصرية تعد طوق نجاة إذا أنجزت لدواع صرف طبية، مبرزا أنها تسهم في حالات كثيرة في إنقاذ حياة المرأة الحامل والجنين ومستقبلهما الصحي.

وأضاف الباحث في السياسات والنظم الصحية، في تصريح لهسبريس، أنه “إذا تم اللجوء إلى التدخل الجراحي (الفتيح) من أجل كسب المال السريع وراحة الطبيب، فإن ذلك يعد اعتداء على صحة الأم وصحة المولود ومستقبلهما الصحي، واعتداء كذلك على ميزانية الأسر وصناديق التأمين”، مشددا على أنه في 90 في المائة من الحالات يمكن أن تتم الولادة بطريقة طبيعية وعادية، و10 في المائة فقط يكون فيها إخراج المولود بطريقة طبيعية صعبا، لأسباب صحية مرتبطة بصحة الأم أو صحة الجنين.

وميز الدكتور حمضي بين العملية القيصرية المبرمجة التي تكون معروفة سلفا لأسباب طبية ومورفولوجية واضحة، ونوع ثان تكون استعجالية وتقرر في حينه لطارئ صحي معين (متعلق بمعاناة الجنين على سبيل المثال).

واستحضر المتحدث توصيات منظمة الصحة العالمية التي تفيد بأن نسبة الولادات القيصرية يجب ألا تتجاوز 10 إلى 15 في المائة من العدد الإجمالي للولادات، موردا أن تجاوز هذا المعدل في أي بلد كان يؤشر على وجود دواع غير طبية، لأن هذا النوع من العمليات الجراحية مريح نوعا ما للطبيب ويجني أرباحا مالية مهمة من ورائه، وهو معطى عالمي لا يخص المغرب فقط.

الاختيار والإكراه

جوابا على سؤال هسبريس: “هل العمليات القيصرية اختيار أم إجبار؟”، قال الدكتور حمضي إن للعمليات القيصرية دواعيها الطبية والصحية، إلا أن توصيات تؤكد ضرورة استحضار رغبة المرأة الحبلى، لكن هذه الرغبة يجب ألا تكون شجرة تخفي الغابة، مشددا على ضرورة شرح إيجابيات وسلبيات كل ولادة بوضوح وبدون إخافة المرأة من طريقة معينة على حساب أخرى.

وأكد أنه من الناحية العلمية تبقى الولادة الطبيعية الحل الأمثل كلما كان ذلك ممكنا، فلا وجود لأية دراسة تثبت أن الولادة القيصرية تساهم في خفض نسب وفيات النساء الحوامل والأطفال، وزاد: “إذا تجاوزنا نسبة 15 في المائة من العمليات القيصرية، فإن المفعول يكون عكسيا”، موردا أنها تبقى عملية جراحية بمضاعفاتها وتعقيداتها.

وأوضح الدكتور الطيب حمضي أن الدراسات العلمية تؤكد أن الأطفال الذين يولدون عبر الولادة الطبيعية يتمتعون بجهاز تنفسي ومناعي أقوى، إلى جانب تطور ذهني أفضل، مشددا على أهمية تقديم معلومات دقيقة ومتكاملة للنساء الحوامل حول الفرق بين الولادة الطبيعية والقيصرية، بما في ذلك المخاطر والمزايا، لتمكينهن من اتخاذ قرار مستنير بحرية ومسؤولية.

وأكد الطبيب المغربي أن شحن المرأة الحبلى بمعلومات مغلوطة تُصوّر الولادة الطبيعية كمصدر للمشاكل، والقيصرية كحل، هو في الواقع تضليل يدفع المرأة إلى اتخاذ قرار يخدم توجه الطبيب أو المهني الصحي، وليس بالضرورة مصلحتها الصحية.

تضخيم للأرباح

علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة الحق في الحياة، قال إن ارتفاع معدلات الولادة القيصرية تقف وراءه أسباب متعددة، منها تفضيلها من طرف الأطباء لتجنب المقاضاة وضمان السرعة والراحة، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأمانها المطلق.

وأضاف لطفي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الولادة القيصرية قد تكون ضرورية في بعض الحالات لضمان سلامة الأم والجنين وتفادي مضاعفات الولادة الطبيعية، موردا أنه رغم أنها تُعد إجراء جراحيا مهما منقذا للحياة، إلا أنها لا تخلو من مخاطر ومضاعفات محتملة على صحة الأم والطفل، خصوصا إذا أُجريت من دون مبررات طبية واضحة، مشيرا إلى أن منظمة الصحة العالمية شددت على ضرورة إيلاء أهمية أكبر للرعاية الإنسانية خلال الولادة، بدلا من التركيز المفرط على الجوانب التقنية.

وذكر لطفي أن أسباب ارتفاع معدلات الولادة القيصرية تختلف من بلد إلى آخر، ضاربا المثال بأوروبا حيث تعتبر الولادة الطبيعية أكثر كلفة نظرا لحاجتها إلى طاقم طبي متكامل من أطباء وقابلات ومتطلبات خاصة. أما في المغرب، وفي ظل فارق الخصاص الكبير في أعداد القابلات، فإن معدل الولادة القيصرية يظل مرتفعا.

ووفق المتحدث ذاته، فإن بعض الأطباء يعمدون إلى تسهيل اللجوء إلى الولادة القيصرية بدافع صرف مادي، وهو ما يعكس التفاوت الصارخ بين القطاعين العام والخاص. ففي الوقت الذي لا تتجاوز فيه نسبة الولادات القيصرية 5 في المائة في المستشفيات العمومية، فإنها تفوق المعدل العالمي في عدد من المصحات الخاصة، بل تصل في بعض الحالات إلى 90 في المائة. وعزا لطفي هذا الارتفاع إلى الكلفة المرتفعة لهذا النوع من الولادات، التي تتراوح بين 10 آلاف درهم و20 ألف درهم، مقارنة بالولادة الطبيعية التي لا تتعدى تكلفتها 2000 درهم إلى 5000 درهم.

وأشار لطفي إلى أن التأمين الصحي الأساسي لا يغطي سوى 50 في المائة من هذه التكاليف المرتفعة، ما يشكل عبئا ماليا إضافيا على الأسر، خاصة ذات الدخل المتوسط أو المحدود، مضيفا أن الولادة القيصرية تُجرى بسرعة وبأسعار مرتفعة في بعض المصحات الخاصة، الأمر الذي أثار قلق صناديق التأمين الصحي والمجتمعين الطبي والمدني، نظرا للارتفاع غير المبرر في عدد العمليات القيصرية، ما يجعل العديد من النساء عرضة ضحايا قرارات طبية غير مبررة إلا ماديا.

مخاطر صحية

استحضر لطفي بعض المخاطر والمضاعفات المرتبطة بالولادة القيصرية، من بينها التهابات في موضع الجرح، ومضاعفات ناتجة عن التخدير، ونزيف حاد قد تتعرض له الأم، بالإضافة إلى احتمال ظهور ندوب أو جروح دائمة، أو عدم التئام جدار الرحم بالشكل المطلوب، ما قد يؤدي في بعض الحالات إلى مضاعفات خطيرة تصل إلى وفاة الأم أو الجنين.

وأشار إلى انتشار اعتقاد خاطئ لدى بعض النساء بأن الولادة القيصرية آمنة تماما، في حين إنها لا تُعد الخيار الأنسب إلا في الحالات التي تستدعي ذلك طبيا، حفاظا على سلامة الأم والجنين وتفاديا لمضاعفات الولادة الطبيعية.

أصدرت منظمة الصحة العالمية توصيات تهدف إلى وضع معايير عالمية تضمن رعاية شاملة للنساء الحوامل، وتعزز تمتعهن بصحة جيدة، مع الحد من التدخلات الطبية غير الضرورية، مؤكدة أهمية دعم الولادة الطبيعية طالما أن مسارها يسير بشكل طبيعي، وحالة الأم والجنين مستقرة، مشددة على أنه في مثل هذه الحالات لا حاجة لأي تدخل إضافي لتسريع عملية الولادة.

كما نبهت إلى تزايد معدلات اللجوء إلى الولادة القيصرية على الصعيد العالمي، مشيرة إلى أنها مثّلت حتى عام 2021 أكثر من 21 في المائة من إجمالي الولادات. ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في التصاعد ليصل إلى نحو 29 في المائة من إجمالي الولادات بحلول عام 2030.

وقال رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة الحق في الحياة إنه رغم كون الولادة القيصرية إجراء جراحيا أساسيا ومنقذا للحياة في بعض الحالات، إلا أن إجراءها دون وجود ضرورة طبية حقيقية قد يعرّض النساء والأطفال لمخاطر صحية غير مبرّرة، سواء على المدى القصير أو الطويل.

وشدّد على أن التوجه العالمي المتزايد نحو الولادة القيصرية أصبح يطرح تساؤلات جدية حول مكانة الولادة الطبيعية، إذ بات كثيرون حول العالم يعتبرونها غير ضرورية، ويتساءلون ما إذا كان الألم، والمخاض، والإجهاد، والاضطراب المرتبط بالولادة الطبيعية لا مبرر له.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق