يستقبل المسلمون، غرة شهر ذي القعدة، بقدسية خاصة، فهو أحد الأشهر الحرم التي عظّمها الإسلام منذ القدم، وتبدأ غرة الشهر مع رؤية الهلال، إيذانًا بدخول وقت يمتاز بالسكينة واحترام الحرمات والاستعداد لموسم الحج وهو أهم المواسم الدينية الكبرى، ويأتي ذي القعدة مباشرة قبل ذي الحجة، الذي يشهد مناسك الحج، مما يضفي على أيامه طابعًا مميزًا من التهيئة الروحية والاجتماعية.
سبب تسمية شهر ذي القعدة بهذا الاسم
سُمّي شهر ذي القعدة بهذا الاسم لأن العرب كانوا يقعدون فيه عن القتال والتناحر، امتثالًا لتقاليد الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال وسفك الدماء، فكلمة "ذي" تعني "صاحب"، و"القعدة" تشير إلى القعود عن الحرب والاعتداء.
فكان شهر ذي القعدة يمثل وقتًا للهدنة العامة بين القبائل العربية المتناحرة على السلطة والسيادة، ففيه تُرفع السيوف وتُعطل الغارات، مما سمح بإقامة الأسواق الكبرى مثل سوق عكاظ بأمان وسلام.
مكانة شهر ذي القعدة في الإسلام
ذي القعدة هو الشهر الحادي عشر في التقويم الهجري، وهو أول أشهر الحج الثلاثة التي تبدأ بذي القعدة ثم ذي الحجة وتنتهي بمحرم، وقد ورد ذكر الأشهر الحرم في القرآن الكريم في قوله تعالى "إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم"، وهذه الأشهر هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، ويحث الإسلام على اغتنام أيام هذه الأشهر بالإكثار من الطاعات وتجنب المعاصي ومضاعفة الأجر.
أحداث تاريخية وقعت في شهر ذي القعدة
شهد شهر ذي القعدة العديد من الأحداث التاريخية المهمة، لعل أبرزها صلح الحديبية الذي وقع بين النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقريش في العام السادس للهجرة، وهو صلح تاريخي مهّد لفتح مكة لاحقًا، وكذلك وقعت بعض السرايا والغزوات الصغيرة خلال هذا الشهر، رغم أن الأصل فيه كان السلم، وذلك في حالات كان القتال فيها للدفاع ورفع الظلم.
عادات المسلمين في شهر ذي القعدة
لا ترتبط غرة ذي القعدة بشعائر معينة كالصيام أو الصلاة الخاصة، لكنها تذكر المسلمين باقتراب موسم الحج، فتبدأ قلوب الحجيج بالخفقان استعدادًا لرحلة العمر، كما يعتبرها الكثيرون فرصة للتزود من الطاعات وتهذيب النفس استعدادًا للأيام العشر الأولى من ذي الحجة، التي هي من أعظم الأيام عند الله.
0 تعليق