في خطوة بارزة تعكس تحولات سياسية واستراتيجية، قام العراق بتقديم دعوة رسمية للرئيس السوري أحمد الشرع للمشاركة في القمة العربية المقررة في بغداد في 17 أيار/مايو المقبل. هذه الخطوة تمثل عودة سوريا إلى الساحة العربية بعد سنوات من الغياب، حيث يُنظر إليها كإشارة إلى انتهاء عصر التوترات والانقسامات، مع التركيز على بناء جسور التعاون بين الدول الشقيقة.
دعوة الرئيس السوري للقمة العربية
هذه الدعوة، التي سلّمها وزير الثقافة والسياحة العراقي، ليست مجرد خطوة روتينية، بل تعبر عن رغبة بغداد في تعزيز العلاقات مع دمشق على مختلف الأصعدة. فهي ترسل رسالة كبيرة مفادها أن عصر الصراعات الداخلية والقطيعة قد ولى، وأن الحكمة والعقلانية يجب أن تتفوق على أصوات الفتنة التي يروج لها بعض الجماعات المتطرفة، المرتبطة بأجندات إقليمية ودولية تهدف إلى تعزيز الفوضى وتعيق الاستقرار في المنطقة. العلاقة بين سوريا والعراق ليست جديدة؛ إنها ترتبط بعلاقات تاريخية وجغرافية عميقة، حيث يشكلان جزءًا من نسيج واحد يجمع بين شعبين شقيقين يتقاسم المصالح المشتركة والحدود المتداخلة. التاريخ يؤكد أن استقرار أحدهما مرتبط ارتباطًا وثيقًا باستقرار الآخر، وأي محاولات لعزل سوريا عن المحافل العربية لن تكون سوى خطوات يائسة تخدم مصالح قوى خارجية تسعى إلى الحفاظ على الانقسامات والفوضى.
كما أن مشاركة الرئيس الشرع في هذه القمة تمثل نقطة تحول حقيقية، فهي ليست مجرد حضور رمزي، بل تفتح أبوابًا واسعة للتعاون في المجالات الاقتصادية والأمنية، وربما العسكرية مستقبلًا. في ظل التحديات الأمنية المشتركة، مثل منع انتشار الإرهاب والجريمة المنظمة عبر الحدود الطويلة بين البلدين، يصبح التنسيق ضروريًا لضمان الاستقرار المتبادل. ومع ذلك، هناك بعض الأصوات داخل العراق التي تعارض هذه الدعوة أو تطالب باعتقال الرئيس الشرع، لكن هذه الأصوات لا تعبر عن الرأي العام أو المصلحة الوطنية، بل تخدم أجندات خارجية من جهات إقليمية تخشى من استعادة سوريا لدورها التقليدي. يجب أن ندرك أن اللقاء بين الرئيس الشرع ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في الدوحة كان دليلاً واضحًا على إرادة سياسية قوية لفتح صفحة جديدة.
تعزيز الروابط السورية العراقية
أما بالنسبة للرابط التاريخي بين سوريا والعراق، فهو يشكل أساسًا قويًا لأي تعاون مستقبلي. فمنذ العصور القديمة، ربطت الجغرافيا والتاريخ بين البلدين، مما جعلهما يواجهان تحديات مشتركة تتطلب حلولًا مشتركة أيضًا. في هذا السياق، من المهم أن نتجاوز جراح الماضي ونركز على بناء علاقة قائمة على المصالح المتبادلة والاحترام، بعيدًا عن الأيديولوجيات الضيقة أو التدخلات الخارجية. فتح آفاق التعاون بين دمشق وبغداد لن يفيد البلدين فقط، بل سيكون دعامة أساسية لاستقرار المنطقة ككل. هذا التعاون سيكافح التوترات ويرسل رسالة قوية إلى كل من يراهن على الفرقة، مفيدًا أن شعوب المنطقة مصممة على بناء مستقبلها بحرية ودون وصاية خارجية. في النهاية، يكمن الأمل في أن تكون هذه الخطوة بداية لعصر جديد من التعاون والسلام، حيث يتغلب الواقع السياسي على محاولات الإفساد.
0 تعليق