أثار مقترح زيادة صادرات نفط وغاز العراق جدلًا واسع النطاق، خاصة أنه يحمل رؤية مختلفة ذات صلة بالتقلّبات الجيوسياسية التي تشهدها أسواق الطاقة في الآونة الحالية.
وكان وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار قد أزاح الستار عن المقترح منتصف شهر أبريل/نيسان 2025، وتُشير التفاصيل إلى بناء خطوط جديدة لزيادة صادرات بغداد من النفط والغاز إلى أوروبا عبر تركيا، بما يتجاوز العقبات المطروحة حاليًا.
وتُشير التفاصيل إلى استبعاد لاعبين رئيسيين في سلسلة تصدير النفط العراقي، وإضافات محتملة لعناصر جديدة، ما يعكس تغييرًا جذريًا في السوق.
وسجّلت صادرات العراق النفطية زيادة في مارس/آذار الماضي، وفق قاعدة بيانات سوق النفط العالمية والإقليمية لدى منصة الطاقة المتخصصة (الصادرة من واشنطن).
وزادت الصادرات بمعدل 42 ألف برميل يوميًا، لتسجّل 106.663 مليون برميل، حسب أحدث بيانات صادرة عن شركة تسويق النفط العراقي "سومو".
مقترح زيادة صادرات نفط وغاز العراق
يرتكز مقترح زيادة صادرات نفط وغاز العراق على دور رئيس لتركيا، وهو أمر لافت للانتباه إلى حد كبير في ظل استمرار الخلاف حول استئناف التصدير من خط "كركوك-جيهان".
وتضمّن المقترح تغييرات في مسار خطوط نقل صادرات النفط والغاز من العراق إلى الأسواق الدولية، عبر تركيا.
ويتجنّب مسار المقترح الجديد إقليم كردستان، خلال الحديث حول خط نفط يربط حقول البصرة وأصول مدينة سلوبي وميناء جيهان التركيين، وينطبق الأمر ذاته على مركز غاز مشترك أيضًا.

وفي الوقت ذاته، اقترن المقترح التركي بعوامل إغراء قوية مثل دعم بغداد بالكهرباء التي يشكّل نقصها أزمة لديها، مع استمرار انقطاع واردات الغاز الإيراني.
وواجه المقترح تحديات فور طرحه، من بينها: الحاجة إلى دعم سياسي ومالي، والنقاط الأمنية الملتهبة على مسار الخطوط، وما تتعرض له البنية التحتية من تخريب في العراق، واستمرار النزاع حول خط كركوك جيهان، ورد الفعل المحتمل من إقليم كردستان، وارتباط تطوير ميناء الفاو بمجموعات داعمة لإيران.
بالإضافة إلى التفاصيل الفنية السابق ذكرها، هناك 5 ملفات وتساؤلات شائكة حول المقترح تناقشها منصة الطاقة المتخصصة مع عدد من الخبراء.
1) الموقف الأميركي والإيراني:
تتبنّى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب اتجاهًا لمحاصرة إيران وصادراتها النفطية ونفوذها في المنطقة.
يقول خبير إستراتيجيات الطاقة، الزميل الزائر الأول لدى جامعة جورج ميسن الأميركية الدكتور أومود شوكري، إن المقترح التركي لنشر خطوط تصدير نفط وغاز العراق، ودعم أنقرة لبغداد بالكهرباء، يتّسق مع المصالح الإستراتيجية لأميركا.
وأرجع ذلك إلى:
- تقليص اعتماد العراق على الغاز الإيراني، وبالتالي تقليل نفوذ طهران الإقليمي.
- تعزيز إمدادات النفط العالمية والمساعدة في استقرار الأسعار والسوق، من خلال زيادة الصادرات.
ورجح شوكري -في تصريحات إلى منصة الطاقة المتخصصة- الدعم الأميركي للاتفاق الوشيك بين الجانبَيْن، مع ربط الموافقة بحل الخلافات بين بغداد وإقليم كردستان، خاصة فيما يتعلّق بتقاسم إيرادات التصدير.
واتفق معه مدير تحرير منصة الطاقة عبدالرحمن صلاح، مشيرًا إلى المصلحة الأميركية في زيادة المعروض العالمي بالاستفادة من رغبة العراق في زيادة إنتاج الخام إلى ما يتراوح بين 6 و7 ملايين برميل يوميًا.
ولفت صلاح إلى العلاقات القوية بين الجانبَيْن "الأميركي والتركي".
وأيّد محلل أسواق الطاقة لدى "أرغوس" بشار الحلبي ذلك، متوقعًا زيادة التعاون في القضايا الإقليمية والدولية.
وسلّط الحلبي الضوء على زيادة النفوذ التركي في المنطقة مؤخرًا، بالتزامن مع دراسة أميركا تقليص نفوذها العسكري في العراق وسوريا.
وأشار إلى مواجهة العراق ضغطًا للاستقلال المالي والطاقي عن إيران، ما يعزّز الموافقة الأميركية على الصفقة التركية المطروحة.
2) تجنّب إقليم كردستان
يشكّل تجنّب المقترح التركي دور إقليم كردستان في تصدير النفط العراقي أحد أبرز تحديات نشر خطوط جديدة تربط أصول حكومة بغداد بنقاط تركية.
وحذّر بشار الحلبي -في تصريحات خاصة- من تداعيات تجاوز الإقليم، لما سيترتب عليه من:
- تهديد لاستدامة المشروع بفصله عن شريحة سكانية كبيرة.
- احتمال تشجيع كردستان على تجاهل بغداد، ومواصلة تحقيق أهدافه السياسية والاقتصادية بصورة مستقلة، خاصة في ظل علاقتها القوية مع تركيا.
وبدوره، سلّط الدكتور أومود شوكري الضوء على مخاطر استبعاد الإقليم من المقترح، مشيرًا إلى تأثير ذلك في: موقف شركات النفط العالمية، والتداعيات الأمنية المعقدة، نظرًا إلى قرب الإقليم من البنية التحتية.
ورجح عبدالرحمن صلاح استمرار اعتماد إقليم كردستان على تسويق النفط عبر "التهريب"، مع العمل على تقديم تنازلات لدعم استئناف التصدير عبر ميناء جيهان التركي خلال مدة وجيزة.
3) الدور السوري
لم تلق احتمالات انخراط سوريا في المقترح التركي، لزيادة صادرات نفط وغاز العراق ومد خطوط جديدة، دعمًا من الخبراء الـ3.
وقال عبدالرحمن صلاح إن هناك بالفعل خط أنابيب يربط بين العراق ودمشق، لكنه يحتاج إلى إعادة تأهيل، نظرًا إلى تهالكه خاصة الجزء الواقع في الأراضي السورية، بتكلفة قد تتجاوز 5 مليارات دولار.
وكشف عن أن إحياء هذا الخط كان محل حديث بين الجانبَيْن مؤخرًا، ورغم رغبة سوريا في الاستفادة من النفط العراقي ورسوم عبور صادراته فإن التحديات الأمنية حوّلت هذه الرغبة إلى "حلم".
ومقابل ذلك، يتشكّك الجانب العراقي -حسب صلاح- في استقرار سوريا على المدى الطويل، ما يعزّز احتمالات استهداف الخط.
واستبعد بشار الحلبي ضم سوريا إلى المشروع المحتمل، في ظل العلاقات الحالية بينها وبين العراق.
وأكد الدكتور أومود شوكري أن الدور المستقبلي لسوريا في المقترح يتوقف على المبادرة التركية لتبني ذلك، بهدف توسعة الربط الطاقي الإقليمي.
وقال إن أنقرة تستهدف إحياء خطة مد أنبوب غاز قطري-تركي يمر عبر سوريا، الذي من المحتمل أن يتداخل مع البنية التحتية (الحالية والمستقبلية) للعراق.
وأوضح أنه من المحتمل ربط أحد أجزاء خط أنابيب الغاز العربي بشبكة الطاقة العراقية-التركية حال استعادة دمشق حالة الاستقرار، لكن في ظل الوضع الراهن تُعدّ مشاركة سوريا في المقترح التركي أمرًا مستبعدًا.
4) العراق وحصة أوبك+
يرى شوكري أن العراق واجه صعوبات في تحالف أوبك+ مؤخرًا، بعدما تجاوز حصته الإنتاجية المقدرة.
وأشار إلى أن إمكانات العراق تُتيح له زيادة الصادرات إلى 6 ملايين برميل يوميًا بحلول 2027، في مستوى يتجاوز الحد الأقصى الذي حدده التحالف بنحو 4 ملايين برميل يوميًا.
وأضاف أن استثمارات البنية التحتية الهائلة قد تشجع العراق على تحدي الحصص أو بحث الانسحاب من تحالف أوبك+، للاستفادة من عوائد التصدير، رغم تأكيد بغداد الالتزام بخطة تعويض للصادرات الإضافية.
وقال عبدالرحمن صلاح إن المسؤولين في العراق يشعرون باستهداف القطاع، لتقييد الإنتاج النفطي لصالح دول أخرى في التحالف، مشيرًا إلى أن مصلحة بغداد تقتضي استمرارها في أوبك+.
وأضاف أن الانسحاب مجرد "ورقة" تناور بها بغداد من حين إلى آخر، وبصورة متكررة.
وشدد بشار الحلبي على أن العراق يستهدف زيادة حصته الإنتاجية داخل تحالف أوبك+ مثلما حدث مع الإمارات.
وأضاف أن بغداد تسعى في مسارات عدة لتحقيق هدفها، خاصة أنها فعليًا لا ترغب في الانسحاب من التحالف، وفق رأيه.
5) تركيا مركز طاقة
في أعقاب اندلاع الحرب الأوكرانية عام 2022، وما تلاه من عقوبات على روسيا، نمت رغبة تركيا في التحول إلى مركز طاقة.
ويبدو أن صفقة خطوط النقل لزيادة صادرات نفط وغاز العراق تعكس جانبًا من هذه الرغبة.
ويُشير بشار الحلبي إلى أن الحرب الروسية-الأوكرانية عزّزت طموح أنقرة في هذا الشأن، خاصة أنها تسجل أعلى معدلات نمو الطلب على الطاقة من بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، خلال العقدَيْن الأخيرَيْن.
وفي ظل اعتماد تركيا على الواردات بنسبة 74% لتلبية احتياجات الطاقة، أقرت 3 مسارات (تنويع مصادر إمدادات النفط والغاز، وزيادة حصة الطاقة المتجددة المنتجة محليًا لخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري، والتحول إلى مركز طاقة تجاري وإقليمي).
وأكد عبدالرحمن صلاح أن المشروع المقترح بين تركيا والعراق يعزّز رغبة أنقرة في التحول إلى مركز طاقة عالمي، مشيرًا في الوقت ذاته إلى الدور الذي تقدمه البلاد في الآونة الحالية بصفتها مركز تصدير لأوروبا.
ودلل على ذلك بخط "ترك ستريم" الذي يشكّل "بوابة" لتصدير الغاز من روسيا إلى القارة العجوز، بوصفه الخط الوحيد قيد التشغيل حاليًا.
وأضاف أن سعة الخط قد تصل إلى طاقتها القصوى (31.5 مليار متر مكعب سنويًا) خلال وقت قريب.
وقال الدكتور أومود شوكري إن المقترح التركي الجديد يرسّخ أقدام تركيا مركز طاقة في منطقة البحر المتوسط، مشيرًا إلى أن ربط ميناء جيهان بحقول النفط العراقية الواقعة جنوب البلاد يجعلها منفذًا لصادرات الهيدروكربونات إلى أوروبا.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
0 تعليق