في قلب الميثولوجيا المصرية القديمة، يبرز الإله حورس كرمز للملكية والعدالة، مجسدًا في هيئة صقر، ومرتبطًا بالسماء والشمس، تعود عبادته إلى عصور ما قبل الأسرات، مما يجعله من أقدم الآلهة المعروفة في التاريخ المصري القديم.
صراع الخير ضد الشر
ووفقًا للأسطورة، ولد حورس من الإلهة إيزيس بعد مقتل زوجها أوزوريس على يد شقيقه ست، نشأ حورس في الخفاء، ثم خاض معركة شرسة ضد ست للثأر لمقتل والده واستعادة العرش، تجسد هذه القصة صراع الخير ضد الشر، حيث يمثل حورس النظام والعدالة، بينما يمثل ست الفوضى والظلام، وهذه الأسطورة لم تكن مجرد قصة دينية، بل كانت انعكاسا للصراع بين الحق والباطل، وبانتصار حورس، تكرست شرعية الملوك باعتبارهم ورثة للإله المنتصر، وهم المسؤولون عن حفظ "ماعت" العدل والنظام.
أصبح حورس رمزا للفرعون الحاكم، حيث كان ينظر إلى الملك كـ"حورس الحي" على الأرض، تجسد هذا المفهوم في الألقاب الملكية، مثل "ابن رع" و"حورس المنتصر"، مما يعكس العلاقة الوثيقة بين الإله والسلطة الملكية.
الملوك كانوا يلقبون بـ"حورس الحي"، ويظهر هذا اللقب في الصيغة الملكية الشهيرة المعروفة باسم "اسم حورس"، وهي أولى الألقاب الخمسة التي يتخذها كل فرعون عند اعتلائه العرش، وقبل استخدام الخراطيش الملكية، وكان اسم الملك يكتب داخل تصميم يعرف بـ"السيرخ"، وهو عبارة عن واجهة قصر يعلوها صقر يمثل حورس، ما يرمز إلى حماية الإله للملك، وأنه اختياره ليحكم الأرض.
معبد الملك بيبي الأول
يظهر اسم الملك “واجي” من ملوك الأسرة الأولى داخل السيرخ، ويتوج بصقر حورس، مما يؤكد على استمرارية استخدام هذا الرمز منذ بدايات التاريخ المصري، كما تظهر النقوش في معبد الملك بيبي الأول في أبيدوس مشاهد له وهو يقدم القرابين لحورس، مما يبرز العلاقة الطقسية بين الملك والإله.
وتعد "عين حورس" من أبرز الرموز في الثقافة المصرية القديمة، حيث كانت تُستخدم كتميمة للحماية والشفاء، وترمز العين اليمنى إلى الشمس، واليسرى إلى القمر، وتعكس مفهوم التوازن والاكتمال.
تعتبر لوحة نعرمر، التي تعود إلى حوالي 3100 قبل الميلاد، من أقدم الوثائق الأثرية التي تظهر ارتباط الملك حورس بالسلطة الملكية، ففي أحد وجهي اللوحة، يصور الملك نعرمر وهو يرتدي تاج مصر العليا، بينما يظهر الإله حورس في هيئة صقر واقفا على نبات البردي، ممسكًا برأس أسير، ويفسر هذا المشهد على أن حورس يقدم للملك أرض الدلتا، مما يشير إلى دعمه الإلهي لتوحيد مصر، كما يعتبر معبد إدفو من أبرز المعابد المخصصة لحورس، حيث يصور في مشاهد متعددة وهو ينتصر على أعدائه، مما يعكس دوره كحامٍ للملك والشعب.
معبد إدفو
يقع معبد إدفو على الضفة الغربية لنهر النيل في مدينة إدفو بمحافظة أسوان، بدأ بناء المعبد في عهد الملك بطليموس الثالث عام 237 قبل الميلاد، واستمر حتى عام 57 قبل الميلاد في عهد بطليموس الثاني عشر، مستغرقًا نحو 180 عاما، ويعد هذا المعبد من أفضل المعابد المصرية القديمة حفظا، حيث احتفظ بمعظم عناصره المعمارية والزخرفية.
يمتد المعبد على محور من الجنوب إلى الشمال، بطول يزيد عن 140 مترا، ويغطي مساحة تقارب 7000 متر مربع، ويبلغ ارتفاع الصرح الرئيسي للمعبد 37 مترا، ويعد من أعلى الأبراج في المعابد المصرية، ويزين واجهته مشاهد تصور الملك بطليموس الثامن وهو يضرب أعداءه أمام الإله حورس.
أعمدة ذات تيجان نباتية
يأتي بعد الصرح فناء مفتوح محاط بأعمدة ذات تيجان نباتية، يعرف بـ"فناء القرابين"، حيث كانت تقدم فيه القرابين للإله حورس، ثم القاعة ذات الأعمدة والتي تتكون من 12 عمودًا ضخمًا تدعم السقف، وتزين جدرانها بنقوش تمثل مشاهد تأسيس المعبد واحتفالات دينية مختلفة.
كما يقع في نهاية المحور الرئيسي للمعبد، قدس الأقداس، الذي يحتوي على ناووس من الجرانيت الأسود يعود لعهد الملك نختنبو الثاني، وهو العنصر الأقدم في المعبد، وبني المعبد بالكامل من الحجر الرملي، مما ساهم في الحفاظ على نقوشه وزخارفه عبر القرون.
وتزين جدران المعبد بنقوش بارزة تصور الأسطورة الشهيرة لصراع حورس وست، بالإضافة إلى مشاهد دينية وطقوسية تُظهر العلاقة بين الملك والإله، كما ينسب للإله حورس عدد من الأبناء، أبرزهم "أبناء حورس الأربعة" والإله إيحي.
أبناء حورس الأربعة
أبناء حورس الأربعة هم مجموعة من الآلهة الذين لعبوا دورا مهما في المعتقدات الجنائزية المصرية، حيث كانوا مسؤولين عن حماية أعضاء المتوفى خلال عملية التحنيط.، إمستي: يصور برأس إنسان، وكان مسئولًا عن حماية الكبد، وحابي: يصور برأس قرد، وكان مسئولًا عن حماية الرئتين، ودواموتف: يصور برأس ابن آوى، وكان مسئولًا عن حماية المعدة، وقبحسنوف: يصور برأس صقر، وكان مسئولًا عن حماية الأمعاء.
تذكر أسماؤهم في نصوص الأهرام، ويعتبرون أبناء حورس الأكبر، وقد ارتبطوا بالأواني الكانوبية المستخدمة في التحنيط، حيث كانت توضع فيها أعضاء المتوفى المحنطة.
أما إيحي هو إله الموسيقى والبهجة في الميثولوجيا المصرية، ويعتبر ابنا لحورس وحتحور، ويصور عادة كطفل يحمل آلة السيستروم الموسيقية، وكان يعبد في معبد دندرة، حيث كان جزءا من الثالوث المقدس مع والديه، كما تشير بعض المصادر إلى أن إيحي هو ابن حتحور فقط، دون ذكر حورس كأب، هذا التباين يُعزى إلى تعدد الروايات والأساطير في الميثولوجيا المصرية القديمة.




0 تعليق