حقوقيات: "الكوطا" تفشل في تحقيق المناصفة .. والرجال يحتكرون القرار

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في مثل هذا الوقت من شهر ماي من كل سنة، وبمناسبة الاحتفال باليوم الوطني لتأسيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تعود النقاشات الحقوقية إلى الواجهة بقوة؛ إذ تستعيد الفعاليات المدنية والحقوقية زخمها لتسلط الضوء على قضايا حقوق الإنسان، بما فيها وضعية النساء، وحضورهن في المشهد السياسي والمؤسساتي.

ومن بين القضايا التي تطرح بإلحاح في هذا السياق، تبرز مسألة الولوج السياسي للنساء، والوضعية الاعتبارية التي يمنحها لهن نظام الحصيص (الكوطا)، وهو نظام يثير جدلا مستمرا حول جدواه الحقيقية: فهل يمثل أداة فعّالة لتعزيز التمثيلية النسائية وخدمة قضايا المرأة؟ أم إنه مجرد إجراء استثنائي يكرّس الهامشية ويفرغ مبدأ المساواة من محتواه الجوهري؟

وضع مأزوم

صرّحت الحقوقية سعيدة الإدريسي بأن نظام “الكوطا” لا يزال يشكل الوسيلة الوحيدة التي تتيح لبعض النساء فرصة الدخول إلى الحقل السياسي، مضيفة أنه لولا هذا النظام لما استطاعت أي امرأة ولوج مجال تستحوذ عليه الأحزاب السياسية ولا يفتح إلا أمام من وصفتهم بـ”موالين الشكارة”، في إشارة إلى أصحاب النفوذ المالي الذين يحتكرون مسارات الترشح والتمثيل.

وأوضحت الإدريسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن آلية “الكوطا”، رغم اعتمادها، تفتقر إلى التأطير المؤسساتي الصارم؛ إذ تخضع في الواقع لتوافقات حزبية ظرفية، ما يجعل تمثيلية النساء عرضة للتقلّب بحسب المزاج السياسي، حيث يمكن أن تخصص لهن 60 مقعدا في سنة، ثم لا يتجاوز العدد 20 في سنة أخرى، أو يتم إقصاؤهن بالكامل، رغم أن وزارة الداخلية تتابع هذه العملية، إلا أن القرار النهائي يظل رهين التفاهمات بين الأحزاب.

واعتبرت المتحدثة أن اللائحة التي خصصت في بداياتها للنساء فقط، قبل أن تشمل فئة الشباب لاحقا، ثم تحولت إلى لوائح جهوية، لا تزال عاجزة عن تحقيق حضور فعلي للمرأة داخل الفضاء السياسي، ولا تضمن لها الوصول إلى مواقع القرار، معتبرة أن هذه التعديلات لم تحدث الفرق المنشود في تمكين النساء من أدوار قيادية حقيقية.

وذكرت أن أبرز تجلّيات هذا التمييز يتمثل في عدد الأمينات العامات للأحزاب السياسية بالمغرب، مشيرة إلى أنه لا توجد حاليا سوى امرأة واحدة في هذا المنصب، وحتى هذه الأخيرة تم تعيينها فقط كمنسقة للجنة المشتركة، بينما فرضت عليها الوصاية من طرف رجلين. ولفتت إلى أنه في عدد من المناطق القروية، غالبا ما يبرّر غياب النساء عن لوائح الترشيح بعبارة “ما لقيناش مع من”، على حد تعبيرها بالدارجة المغربية، مضيفة أنها اشتغلت مع نساء قرويات كنّ منخرطات في أحزاب سياسية، يطلب منهن الترشح بينما لا يعرفن حتى موقع مقر الحزب الذي ينتمين إليه.

وأبرزت الحقوقية ذاتها أن الحل يكمن في سنّ قانون للمناصفة يضمن تمثيلية سياسية دائمة للنساء، بعيدا عن الحلول الظرفية والتوافقات الحزبية، داعية إلى اعتماد “Liste zébrée”، أو ما يعرف بـ”اللائحة المخططة” التي تقوم على مبدأ التناوب بين النساء والرجال داخل اللوائح الانتخابية (امرأة، رجل، أو العكس).

خطوات ثابتة

بدورها، أكدت رجاء بطاش، باحثة في العلوم السياسية عضو شبيبة حزب الاستقلال، أن مسألة إدماج المرأة في الحياة السياسية لا تزال تطرح تحديات كبيرة، ليس فقط في المغرب، بل على المستوى الدولي، وإنْ كانت بدرجات متفاوتة، مشيرة إلى أن العقبات التي تعترض طريق النساء لا تنحصر في السياق المحلي فحسب.

وأوضحت بطاش، ضمن تصريحها لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن مثال كامالا هاريس في الولايات المتحدة الأمريكية يجسّد هذا التحدي؛ إذ كان واضحا أن المجتمع الأمريكي لم يكن مستعدا بعد لتقبّل امرأة في سدة الرئاسة، رغم كل ما تحقق من تقدم حقوقي ومؤسساتي، مما يبرز أن إشكالية تمكين النساء من مراكز القرار لا تزال قائمة حتى في أعرق الديمقراطيات.

واسترسلت بطاش بأنه لا ينبغي تحميل الأحزاب السياسية وحدها مسؤولية ضعف مشاركة النساء؛ إذ إن جزءا كبيرا من الشابات اليوم غير معنيات بالشأن السياسي ولا يتابعن تطوراته، معتبرة أن هذا العزوف يطرح إشكالا بنيويا في علاقة الجيل الصاعد بالحياة العامة، ويستدعي تفكيرا معمقا في سبل إعادة ربطهن بالمجال السياسي.

وشدّدت المتحدثة على ضرورة تحفيز النساء على الانخراط الفعلي في العمل السياسي، والعمل داخل الأحزاب لإبراز كفاءاتهن وقدراتهن، حتى يحظين بالثقة ويمنحن مناصب قيادية تليق بمؤهلاتهن ومساهماتهن، معتبرة أن التمكين لا يتحقق بالشعارات، بل عبر تراكم التجربة والتواجد الفعلي داخل مراكز اتخاذ القرار.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق