التعاون العسكري بين القاهرة وبكين.. الآفاق والتحديات والمخاوف

الرئيس نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يشهد التعاون العسكري بين جمهورية مصر العربية وجمهورية الصين الشعبية نموًا لافتًا خلال السنوات الأخيرة، مما يثير تساؤلات حول آفاق هذا التحالف الصاعد وتأثيراته على التوازنات الإقليمية والدولية؛ وفي حين يرى البعض فيه فرصة لتنويع مصادر التسليح وتعزيز القدرات الدفاعية، ينظر إليه آخرون بعين القلق، متخوفين من تداعياته على العلاقات مع القوى الغربية وتأثيره على استقرار منطقة الشرق الأوسط، لذا يهتم الخبراء والمراقبون بالتحليل المعمق لهذا التعاون المتنامي، وفقًا لما تذكره تقارير وتحليلات من مصادر صحفية غربية موثوقة وأخرى إقليمية، من أجل استكشاف آفاقه وتحدياته والمخاوف الإقليمية المصاحبة له، مع التركيز بشكل خاص على المخاوف الإسرائيلية والأمريكية المتزايدة.

خلفية تاريخية ودوافع التعاون
واتسمت العلاقات بين القاهرة وبكين بالود والتعاون في مختلف المجالات، بما في ذلك الجانب العسكري. وتاريخيًا، كانت الصين مصدرًا بديلًا للسلاح لمصر في فترات التوتر مع الغرب. ومع ذلك، شهد العقد الأخير تصاعدًا ملحوظًا في هذا التعاون، مدفوعًا بعدة عوامل:

تنويع مصادر التسليح:
تسعى مصر إلى تنويع مصادر أسلحتها لتقليل اعتمادها على مورد واحد، خاصة في ظل التقلبات في العلاقات مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية. لذا فإن الصين تقدم نفسها كشريك موثوق به وعلى استعدادد لتوفير تكنولوجيا عسكرية متقدمة بشروط قد تكون أكثر جاذبية. وفقًا لتقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، فإن مصر تبحث عن بدائل لتلبية احتياجاتها الدفاعية في ظل بعض القيود التي تفرضها واشنطن على صفقات الأسلحة.

التعاون الاقتصادي المتنامي:

يشهد التعاون الاقتصادي بين البلدين ازدهارًا كبيرًا، حيث تستثمر الصين بكثافة في البنية التحتية المصرية وتعتبر شريكًا تجاريًا هامًا. هذا التقارب الاقتصادي يخلق بيئة مواتية لتعزيز التعاون في المجالات الأخرى، بما في ذلك المجال العسكري. تقرير لوكالة رويترز، أشار إلى أن حجم التبادل التجاري والاستثمارات الصينية في مصر يمثل دافعًا قويًا لتعزيز العلاقات الأمنية.

تلاقي وجهات النظر حول بعض القضايا الدولية: تتشارك القاهرة وبكين في بعض وجهات النظر حول النظام العالمي المتعدد الأقطاب وضرورة احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. هذا التقارب السياسي يساهم في تعزيز الثقة والتعاون العسكري. تحليل نشرته صحيفة فايننشال تايمز لتسلط الضوء على هذا التقارب السياسي كعامل مساعد في تطوير العلاقات العسكرية.

تطوير الصناعات الدفاعية المحلية:

تسعى مصر إلى تطوير صناعاتها الدفاعية المحلية، والصين يمكن أن تلعب دورًا في نقل التكنولوجيا وتقديم الخبرات في هذا المجال. وذكر تقرير لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)أن هناك مؤشرات على تعاون صيني مصري في مجال تطوير بعض الأنظمة الدفاعية.

آفاق التعاون العسكري:
يشهد التعاون العسكري بين القاهرة وبكين تقدمًا ملحوظًا، ويتجلى ذلك بوضوح في الإعلان الأخير عن أول تدريب جوي مشترك بين البلدين تحت اسم "نسر الحضارة 2025"، بالإضافة إلى مؤشرات أخرى على تعميق العلاقات العسكرية، وقد أثارت الأنباء عن هذا التدريب،  وفقًا لتقرير نشره موقع"BulgarianMilitary.com"، فضولًا واسعًا ونقاشات بين المحللين والمراقبين، حيث يشير إلى تعميق العلاقات العسكرية بين الصين ومصر، مما يثير تساؤلات حول طموحات بكين الاستراتيجية في منطقة لطالما شكلتها يد النفوذ الغربي أو الروسي حصريًا.

وكانت وزارة الدفاع الوطني الصينية، قد أعلنت أن القوات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني ونظيرتها المصرية ستجريان أول تدريب جوي مشترك في مصر تحت اسم "نسر الحضارة 2025"، وأكدت ذلك تقارير من صحيفتي "China Daily" و"Global Times"، ويُجرى التدريب خلال الفترة من منتصف أبريل إلى أوائل مايو 2025، ويهدف بشكل أساسي إلى تعزيز التعاون العملي والثقة المتبادلة بين الجانبين، بالإضافة إلى تحسين التكامل العملياتي بين القوات الجوية للبلدين.

تفاصيل التدريب وأهميته: وفقًا للمصادر ذاتها، سترسل الصين وحدة من قواتها الجوية للمشاركة في هذا التدريب الأول من نوعه. وأشار الخبير العسكري الصيني وانج يونفي، كما نقلت "Global Times"، إلى أن هذا التدريب قد يفتح آفاقًا مستقبلية للتعاون في مجال المعدات الجوية، مما يتيح لمصر فرصة التعرف عن كثب على القدرات المتقدمة للطائرات الحربية الصينية.

وفي الأثناء، تراقب واشنطن على وجه الخصوص قدرات طائرة النقل الصينية Y-20 وأهميتها الاستراتيجية؛ إذ يمثل طراز Y-20 الذي يطلق عليه اسم "كونبنغ" أو "الفتاة السمينة"، إنجازًا هامًا لسلاح الجو بجيش التحرير الشعبي الصيني، مما يضع الصين في مصاف الدول القادرة على إنتاج طائرات نقل عسكرية ثقيلة، وتتمتع الطائرة بقدرة حمولة تصل إلى 66 طنًا ومدى يصل إلى 7800 كيلومتر مع حمولة 40 طنًا، مما يجعلها منصة متعددة الاستخدامات للعمليات بعيدة المدى، ويوضح تقرير "BulgarianMilitary.com" أن نشر هذه الطائرة يعكس قدرة الصين المتزايدة على إسقاط قوتها بعيدًا عن حدودها، وهو ما يثير تساؤلات استراتيجية لدى الولايات المتحدة وحلفائها.

تحديث القدرات العسكرية المصرية: 
يمكن للصين أن تزود مصر بأنظمة أسلحة حديثة ومتنوعة، بما في ذلك الطائرات المقاتلة، وأنظمة الدفاع الجوي، والسفن الحربية، والمركبات المدرعة. هذا يمكن أن يساعد مصر في تحديث قواتها المسلحة وتعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهة التحديات الإقليمية. تقرير لمجلة ديفينس نيوز في عام 2023 تناول احتمالية حصول مصر على مقاتلات صينية متقدمة.

نقل التكنولوجيا والمعرفة: يمكن أن يساهم التعاون مع الصين في نقل التكنولوجيا والمعرفة إلى الصناعات الدفاعية المصرية، مما يساعد في بناء قاعدة صناعية عسكرية محلية قوية ومستدامة على المدى الطويل.

المشاركة الصينية في المعارض والتدريبات: تجدر الإشارة إلى أن التعاون العسكري بين البلدين شهد خطوات هامة في السنوات الأخيرة، ففي عام 2024، شاركت القوات الجوية الصينية بفريق "بايي" الاستعراضي وطائرة النقل Y-20 في معرض مصر الدولي للطيران، وقامت باستعراضات فوق أهرامات الجيزة، مما يعكس مستوى الثقة والانفتاح بين الجيشين. كما أجرت البحرية الصينية تدريبات مشتركة مع نظيرتها المصرية قبالة الإسكندرية، بمشاركة الفرقاطة المصرية "الجلالة"، في تدريبات على تشكيلات السفن والإمداد.

التعاون في مكافحة الإرهاب: يمكن أن يشمل التعاون تبادل المعلومات والخبرات في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، وهو تحد مشترك يواجهه البلدان.

التحديات التي تواجه التعاون:
على الرغم من الآفاق الواعدة، يواجه التعاون العسكري بين القاهرة وبكين بعض التحديات:
الحساسيات الغربية: تعتبر الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون مصر شريكًا استراتيجيًا رئيسيًا في المنطقة. تنامي التعاون العسكري مع الصين قد يثير قلق واشنطن ويؤدي إلى توتر في العلاقات الثنائية، خاصة فيما يتعلق بالمساعدات العسكرية الأمريكية لمصر. تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز في عام 2024 تناول هذه الحساسيات الغربية وتأثيرها المحتمل على العلاقات المصرية الأمريكية.

التوافق التشغيلي مع الأنظمة الغربية: تعتمد القوات المسلحة المصرية بشكل كبير على أنظمة أسلحة غربية. دمج أنظمة أسلحة صينية مع هذه الأنظمة قد يمثل تحديًا لوجستيًا وتقنيًا ويتطلب جهودًا كبيرة لتحقيق التوافق التشغيلي.

جودة وموثوقية الأسلحة الصينية: على الرغم من التطور الكبير الذي شهدته الصناعة الدفاعية الصينية، لا يزال هناك بعض التشكيك في جودة وموثوقية بعض الأنظمة الصينية مقارنة بنظيراتها الغربية. تحتاج مصر إلى تقييم دقيق لهذه الأنظمة قبل اتخاذ قرارات الشراء. تقارير تحليلية في مجلة جينز ديفينس ويكلي تناولت هذه المسألة بشكل مفصل.

الضغوط الأمريكية المحتملة: قد تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا على مصر لتقليل تعاونها العسكري مع الصين، خاصة في المجالات الحساسة مثل التكنولوجيا المتقدمة.

المخاوف الإقليمية والدولية (المخاوف الإسرائيلية والأمريكية):
يثير تنامي التعاون العسكري بين القاهرة وبكين قلقًا متزايدًا على المستويين الإقليمي والدولي، خاصة في إسرائيل والولايات المتحدة:
المخاوف الأمريكية من تنامي النفوذ الصيني: يشير تقرير "BulgarianMilitary.com" بوضوح إلى أن التدريب المشترك  مع مصر قد أثار قلق الولايات المتحدة، إذ تعتبر واشنطن مصر حليفًا استراتيجيًا رئيسيًا وتمدها بمساعدات عسكرية كبيرة منذ اتفاقية كامب ديفيد عام 1979. ومع ذلك، فإن توجه القاهرة المتزايد نحو الصين لتنويع مصادر تسليحها، والذي يتجلى في إجراء تدريبات مشتركة، قد يُنظر إليه في واشنطن على أنه تقويض للنفوذ الأمريكي في المنطقة وفتح لبكين الفرصة لتضع موطئ قدم استراتيجي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد يؤدي هذا التطور إلى إعادة تقييم واشنطن لعلاقاتها مع القاهرة.

تعزيز القدرات العسكرية المصرية: يعتبر إجراء تدريب عسكري جوي مشترك تحت اسم "نسر الحضارة 2025"، بالإضافة إلى أي صفقات أسلحة محتملة قد تنجم عن وصول طائرات Y-20 (مثل مقاتلات J-10C أو أنظمة دفاع جوي HQ-9 التي أشار إليها التقرير)، خطوة هامة نحو تعزيز القدرات التشغيلية والتنسيق العملياتي للقوات الجوية المصرية. هذا التطور، بالإضافة إلى التعاون في مجال المعدات المحتمل مستقبلًا، يمثل مصدر قلق لإسرائيل التي تعتبر الحفاظ على تفوقها العسكري النوعي في المنطقة أمرًا بالغ الأهمية. وينظر إلى أي تعزيز كبير للقدرات العسكرية المصرية، خاصة من خلال الحصول على تكنولوجيا متقدمة أو إجراء تدريبات مع قوة صاعدة مثل الصين، على أنه تهديد محتمل لهذا التفوق وفقًا لتحليلات نشرتها صحيفة جيروزاليم بوست وصحيفة هاآرتس بشكل متكرر ركزت على هذا القلق بشأن توازن القوى العسكري.
طبيعة الأسلحة الصينية والتعرف عليها عن قرب: إن إتاحة الفرصة للجانب المصري لمراقبة قدرات الطائرات الحربية الصينية عن كثب خلال التدريب المشترك، بالإضافة إلى احتمال نقل معدات عسكرية متقدمة على متن طائرات Y-20، قد يمهد الطريق لصفقات مستقبلية تزود مصر بقدرات جديدة، مما يغير من التقييمات الإسرائيلية والأمريكية للتهديدات المحتملة. تقارير استخباراتية غربية نقلتها وسائل إعلام مثل مجلة ديفينس نيوز أشارت إلى اهتمام مصر بأنظمة صينية تعتبر متقدمة في بعض الجوانب.

نقل التكنولوجيا الحساسة والخبرات القتالية: تخشى إسرائيل والولايات المتحدة من أن يؤدي التعاون العسكري بين مصر والصين، بما في ذلك التدريبات المشتركة وتبادل المعدات، إلى نقل تكنولوجيا عسكرية حساسة إلى المنطقة، وهو ما يمكن أن يهدد أمنهما على المدى الطويل. هناك قلق خاص بشأن إمكانية حصول مصر على تكنولوجيا صينية يمكن استخدامها لتطوير صناعاتها الدفاعية المحلية بشكل يقلل من اعتمادها على الغرب ويزيد من قدراتها الذاتية. مقالات تحليلية في مراكز أبحاث إسرائيلية أعربت عن هذه المخاوف بشأن انتشار التكنولوجيا.

التأثير على التحالفات الإقليمية: إن تعميق التعاون العسكري المصري الصيني، والذي يتضح من خلال وصول طائرات النقل الاستراتيجية والتدريبات المشتركة والمشاركة الصينية المتزايدة في الفعاليات العسكرية المصرية، قد يؤدي إلى إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية ويؤثر على علاقات مصر التقليدية مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. تحليلات في صحيفة ذا تايمز أوف إسرائيل أشارت إلى متابعة إسرائيل الدقيقة لتأثير هذا التعاون على علاقات القاهرة وواشنطن.

سيناريوهات مستقبلية:
تتخوف إسرائيل والولايات المتحدة من سيناريوهات مستقبلية قد تجد فيها نفسها في مواجهة قدرات عسكرية مصرية معززة بتكنولوجيا صينية وخبرات مكتسبة من تدريبات مشتركة مع جيش قوي مثل الجيش الصيني، خاصة في ظل عدم اليقين بشأن تطور العلاقات الإقليمية على المدى الطويل.

ردود الفعل الإسرائيلية والأمريكية المحتملة:
من المرجح أن تتابع إسرائيل والولايات المتحدة عن كثب تطورات التعاون العسكري المصري الصيني. قد تتضمن ردود الفعل المحتملة ما يلي:

تكثيف الحوار والضغط: من المرجح أن تسعى إسرائيل والولايات المتحدة إلى تعزيز الحوار مع مصر بشأن هذه التطورات، وقد تمارس واشنطن ضغوطًا على القاهرة لتقليل مستوى التعاون العسكري مع الصين.

مراقبة دقيقة للتعاون العسكري: ستقوم الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية والأمريكية بمراقبة دقيقة لأي مظاهر للتعاون العسكري بين مصر والصين، بما في ذلك صفقات الأسلحة والتدريبات المشتركة وتحركات المعدات.

تعزيز التحالفات الثنائية والإقليمية: قد تسعى إسرائيل والولايات المتحدة إلى تعزيز تحالفاتهما مع دول أخرى في المنطقة لمواجهة أي تغييرات محتملة في ميزان القوى والحفاظ على مصالحهما الاستراتيجية.

ويمثل التعاون العسكري بين القاهرة وبكين تطورًا استراتيجيًا مهمًا يحمل في طياته آفاقًا واعدة لمصر في تنويع مصادر تسليحها وتحديث قدراتها الدفاعية، ويتجلى ذلك بوضوح في وصول طائرات النقل الاستراتيجية Y-20 والتدريب العسكري الجوي المشترك "نسر الحضارة 2025"، كما ذكرت "BulgarianMilitary.com" و"China Daily" و"Global Times". كما يوفر للصين فرصة لتوسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وتعزيز علاقاتها مع دولة إقليمية محورية. ومع ذلك، يواجه هذا التعاون تحديات لا يمكن تجاهلها، بما في ذلك الحساسيات الغربية والمسائل التقنية واللوجستية. بالإضافة إلى ذلك، يثير هذا التعاون مخاوف إقليمية ودولية متزايدة، وعلى رأسها المخاوف الإسرائيلية والأمريكية المتعلقة بتغيير ميزان القوى، ونقل التكنولوجيا الحساسة، وتأثير ذلك على التحالفات الإقليمية والاستقرار الإقليمي بشكل عام.

ويتوقع المراقبون أن يعتمد مستقبل هذا التعاون على قدرة القاهرة وبكين على إدارة هذه التحديات والمخاوف، وعلى التوازنات الإقليمية والدولية المتغيرة. من الواضح أن هذا الملف سيظل قيد المتابعة الدقيقة من قبل القوى الغربية والإقليمية على حد سواء، وخاصة إسرائيل والولايات المتحدة، نظرًا لما يحمله من تداعيات محتملة على الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والنظام العالمي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق