في زمنٍ كانت فيه مصر منقسمة بين مملكتين متنازعتين، ظهرت شخصية غيرت وجه التاريخ إلى الأبد، مملكة في الجنوب (الصعيد) وأخرى في الشمال (الدلتا)، لكلٍ منهما ملك ونظام، لكن الخلافات والصراعات كانت السمة الغالبة، حتى جاء من وحّد القلوب والبلاد: الملك مينا.
الملك مينا، المعروف أيضًا بـ"نارمر"، لم يكن مجرد قائد عسكري، بل رجل دولة من الطراز الأول، امتلك رؤية استراتيجية واضحة: مصر لا يمكن أن تنهض إلا موحدة، قوية، تحت راية واحدة، فعمل بحنكة على إنهاء الصراع الطويل بين الشمال والجنوب، مستخدمًا القوة حين تطلب الأمر، والدبلوماسية والسياسة حين سمح الموقف.
لم يكن مينا مجرد ملك بل كان بطلًا حقيقيًا
وقد نجح في مهمته التاريخية، فوحّد القطرين في مملكة واحدة، تجسد هذا الإنجاز في "لوحة نارمر" الشهيرة، التي تظهر الملك وهو يرتدي التاجين معًا: الأبيض رمز الجنوب، والأحمر رمز الشمال، في إشارة بصرية خالدة إلى الوحدة الكبرى التي تحققت على يديه.
لكن مينا لم يتوقف عند هذا الحد، بل عمل على ترسيخ الوحدة من خلال تأسيس عاصمة جديدة، "إنيبو حج" والتي عُرفت لاحقًا باسم "منف"، لتكون مركزًا للإدارة والحكم، كما أطلق إصلاحات كبيرة في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة، واضعًا حجر الأساس لحضارة ستظل تبهر العالم لآلاف السنين.
الملك مينا لم يكن مجرد ملك، بل كان بطلًا حقيقيًا في صفحات التاريخ المصري. اسمه لا يُذكر فقط في الكتب، بل يُخلد في وجدان أمة، لأنه لم يوحد أرضًا فقط، بل أسس لحضارة نعتز بها حتى يومنا هذا.
0 تعليق