الذكاء الاصطناعي ثورة جديدة لتحديث التعليم المصري

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

جاءت دعوة الرئيس السيسي للحكومة بإدراج الذكاء الاصطناعي كمادة إلزامية في المناهج التعليمية دعوة مهمة وتستحق سرعة اتخاذ قرارات لتحويلها إلى واقع ملموس. لم تكن هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها الرئيس عن أهمية الذكاء الاصطناعي بل تكرر ذلك في عدد من زياراته لمواقع تعليمية خلال السنوات الأخيرة حيث كان يثني على هذا التخصص ضمن التخصصات العلمية. وأذكر قوله عندما زار جامعة كفر الشيخ عام 2021 بأن على الشباب ألا يترددوا في الالتحاق بكلية الذكاء الاصطناعي وأن ما يتم تدريسه هو الباب إلى المستقبل حيث يوفر للطالب بعد التخرج فرص عمل متعددة سواء في داخل مصر أو في أي منطقة في العالم.

وسوف تسعى الحكومة في الفترة القليلة المقبلة لإدخال مادة الذكاء الاصطناعي في المدارس بدءاً من العام الدراسي المقبل 2025-2026.  وهذا يتطلب الاستعداد بمحتوى ومنهج دراسي مع استعداد لمدرسي المادة. وربما هم أنفسهم الذين يدرسون الكمبيوتر أو التكنولوجيا، لكن يجب مشاركتهم في دورات تدريبية متخصصة تقدمها بشكل موسع حالياً شركات تقنية مرموقة.

ومن الضروري أيضا صياغة محتوى تعليمي للذكاء الاصطناعي يناسب الفئات العمرية المختلفة، ويكون في الوقت ذاته مواكباَ لركب التطور التعليمي في العالم وبناء أجيال متمكنة من أدوات المستقبل.

وقد تابعت بعض التجارب في مدارس عدد من البلدان الغربية ولاحظت أن المحتوى التعليمي من الذكاء الاصطناعي للسن الصغيرة جداً في المرحلة الابتدائية اقترن بتعليم أوليائهم مع الأبناء. صحيح أنه كان اختيارياً لكن سجل حضور غالبية أولياء الأمور أو الأخوة الأكبر سناً. ورغم صعوبة تطبيق هذه فكرة لدينا لكن تبقى جاذبة لأولياء الأمور الباحثين عن تعليم حديث ومبتكر.

بعض المدارس الخاصة في الدول الغربية جعلت الذكاء الاصطناعي محتوي بسيطا ومرنا منذ المرحلة الابتدائية، ثم وزعته على عدد من المواد الأخرى مثل اللغة والحساب والعلوم. ولعل جعلها مادة إلزامية يكسبها أهمية مضاعفة وجدوى، خاصة في إضافتها للمجموع وبما يؤهل بشكل كبير لاختيارها كتخصص في المرحلة الجامعية. 

وتوجد الآن العديد من جامعات العالم المرموقة لديها تخصصات علمية في الجامعات مبنية على الذكاء الاصطناعي، من ضمنها مصر. وتدرس بعض الجامعات العالمية الذكاء الاصطناعي ضمن كليات علوم الحاسب الآلي والهندسة والإدارة وإدارة الأعمال والمعدات الطبية، وأخيرا في كليات الطب ضمن عدد من التخصصات مثل الجراحة وجراحة المناظير والجراحة التداخلية. 

وقد أعجبتني طريقة تفكير بعض الدول مثل اليابان والسويد، حيث أعدت خطة متكاملة لإدخال الذكاء الاصطناعي بشكل تدريجي منذ المستوى الابتدائي وحتى المستوى الجامعي. كما ربطت بين دراسة هذه المواد وبين عدد من الشركات الرائدة في هذا المجال، وذلك حرصا على جودة وكفاءة التدريب. وخصصت أيضا جوائز للمتميزين في كل المستويات الدراسية. هذا الفكر التكاملي داخل مؤسسات الدولة لمواكبة التحول النوعي التكنولوجي هو ما يوفر عوامل النجاح لأي خطة طموحة تهدف لرقي الأجيال المقبلة. 

كما أعجبني أيما إعجاب تلك الفلسفة التربوية القائمة على تبني سياسات مواكبة للتطور ليس فقط في الأدوات بل في الأبعاد الأوسع لتنمية الذكاء الرقمي، والذكاء الأخلاقي، والذكاء التفاعلي؛ وهذه ليست تقنيات بل أساليب تفكير جديدة. يضاف إلى ذلك كله، إنشاء نوادي الذكاء الاصطناعي، سواء داخل المدارس والجامعات أو بالقرب من الأحياء السكنية وتشرف عليها مؤسسات مجتمع مدني يرتكز دورها على إنشاء مشاريع جماعية لحل مشكلات مجتمعية باستخدام تقنيات التعلم الآلي، بالتركيز على مبدأ الذكاء الاصطناعي من أجل الجميع ولخدمة المجتمع. ويساعد الذكاء الاصطناعي هنا على حل مشكلات الإنارة في الشوارع وجمع القمامة وتوزيعها لإعادة التدوير والنقل والمواصلات وإيجاد حلول لرعاية كبار السن وتسهيل خدمات الوصول إلى المستشفيات وغيرها الكثير من مجالات الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لخدمة المجتمع. 

ولعل من أهم التحديات في مصر التي سوف تواجه عملية تدريس الذكاء الاصطناعي تفاوت القدرة التقنية والبنية التحتية بين مدرسة وأخرى، إضافة إلى الحاجة الملحة لتأهيل الكوادر التربوية وتوفير التمويل اللازم لتعيين مدرسين جدد لهذه المادة ورفع إمكانات المدرسة لتستطيع تقديم هذا المنهج. وإذا تمّت مواجهة تلك التحديات فإن التنمية في الريف والمناطق البعيدة سوف تحقق قفزة نوعية بشكل تلقائي وطبيعي. كما ستشهد التنمية البشرية طفرة كبيرة. 

وقد لاحظت الطفرة في الذكاء الفردي خلال مشاهدتي لعدد من الفيديوهات التي توثق تجارب مدارس في اليابان والصين والولايات المتحدة أدخلت محتوى الذكاء الاصطناعي في مناهجها التعليمية وهي حالياً تحاول قياس الأثر العلمي والتعليمي لتدريس الذكاء الاصطناعي على تحصيل التلاميذ ومهاراتهم. وقد نظمت بعض المدارس بدورها جلسات بين ممثلي شركات متخصصين في مجال الذكاء الاصطناعي مع ممثلي مجالس الآباء في المدارس حتى يطرح هؤلاء كل تساؤلاتهم ومخاوفهم. والتحفيز للجميع هنا رسالة واضحة حيث إن المهارات أصبحت تسبق الشهادات الجامعية مع ظهور نوع جديد من الشركات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي.

وقد أكد تقرير حديث لمايكروسوفت حول مؤشر اتجاهات العمل لعام 2025 أن مهارات الذكاء الاصطناعي هي الأكثر طلبا في سوق العمل، مع ظهور نوع جديد من الشركات يُسمى "الشركة الرائدة"، وهي شركات تعيد بناء عملياتها حول الذكاء الاصطناعي وتدمج فرق عمل من البشر والوكلاء الرقميين. وأشار التقرير الحديث إلى أن 71% من موظفي هذه الشركات يشعرون بأن شركاتهم مزدهرة، مقارنة بـ37% فقط عالميًا.

*كاتبة صحفية متخصصة فى الشئون الدولية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق