شهدت الساحة السياسية في إيران خلافًا علنيًا غير مسبوق بين فصائل التيار المتشدد، حيث أظهرت هذه الأزمة العميقة الانقسامات الداخلية التي تعصف بهذا التيار، وكشفت عن حساسية كبيرة تتعلق بالسياسات الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى مسألة شائكة للغاية تعتبر من المحرمات في إيران، وهي مسألة خلافة زعيم البلاد الأعلى.
تدور هذه الأزمة حول تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها محمد باقري، رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، والذي يُعد من أبرز الشخصيات العسكرية المقربة من المرشد الأعلى علي خامنئي.
اندلاع النزاع
وقد اندلع النزاع بين موقع إخباري وصحيفة تُعتبران منبرا إعلاميًّا لفصيلين متنافسين من المحافظين المتشددين، حيث انتقد الأول باقري بسبب مواقفه الأخيرة التي تضمنت انتقادات لتكتيكات الشرطة القاسية وكشف تفاصيل رد خامنئي السري على رسالة وجهها له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
في مقالة افتتاحية نُشرت الخميس الماضي، تساءل موقع "رجا نيوز" شديد التشدد: "كيف يمكن لرئيس الأركان أن يتخذ مثل هذه المواقف، رغم التعليمات الواضحة لزعيم الثورة بمواجهة حسابات العدو؟"، مما أثار رد فعل سريع من صحيفة "جوان" المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، والتي اتهمت "رجا نيوز" بإثارة الفتنة داخل التيار المتشدد بما يضر بالأمن القومي ولا يخدم مصالح خامنئي.
هذا الخلاف ليس عاديًا من حيث حدة اللغة فحسب، بل لجهة الهدف نفسه، حيث أن باقري يعتبر أحد أبرز تعيينات المرشد الأعلى ويُنظر إليه كشخصية مستقرة داخل المؤسسة العسكرية الإيرانية المعقدة.
وقد بدأ النقد ضد باقري منذ مارس الماضي، عندما وجه رسالة مصورة بمناسبة رأس السنة الإيرانية من موقع تاريخي هو أنقاض برسيبوليس، وهو مكان يعود لعصر ما قبل الإسلام، وظهر فيها بملابس مدنية بدل الزي العسكري، ما أثار استياء الفصائل المتشددة التي اعتبرته إشارة إلى التوجه نحو السلم بدلًا من المقاومة.
إيران لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية
وتعاظم الأمر عندما تحدث باقري علنًا عن رد خامنئي على رسالة ترامب بتاريخ 7 مارس، مؤكدًا أن إيران لا تسعى لامتلاك أسلحة نووية، وتسعى لتحقيق السلام في المنطقة، لكنها لن تتخلى عن برنامجها النووي المدني، وستجري مفاوضات غير مباشرة فقط مع الولايات المتحدة.
وانتقدت "رجا نيوز" باقري لأنه استشهد برد المرشد بدلًا من الاعتماد على تصريحات وزير الخارجية عباس عراقجي.
وأحدثت التصريحات الأخيرة التي أدلى بها باقري في 25 مايو جدلًا واسعًا حين دعا قوات الأمن إلى ضرورة التكيف مع مجتمع إيراني "معقد ومتطور للغاية"، محذرًا من أن أساليب القمع والعنف لن تؤدي إلى نتائج، في إشارة ضمنية إلى محاولات إعادة فرض قانون الحجاب الذي لا يزال معلقًا رغم ضغوط المتشددين.
لكن القضية ليست مجرد خلاف حول مواقف باقري فحسب، إذ يرتبط موقع "رجا نيوز" بحزب بيداري اليميني المتشدد، الذي يتصارع مع حلفاء رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، والذي يدعم باقري في هذه الخلافات السياسية.
ويرى محللون أن هذا النزاع يعكس خلافات أعمق تتعلق بمسألة خلافة خامنئي، حيث توصف ولاء القوات المسلحة للزعيم القادم الذي سيختاره مجلس الخبراء بأنه "المسألة الجوهرية" التي تحكم مستقبل النظام.
كما ربط بعض المراقبين الخلاف بتقارير باقري حول حادثة تحطم مروحية أسفرت عن مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي، والتي قد تتعارض مع الرواية المتشددة التي تشير إلى أن الحادث كان مؤامرة خارجية.
في النهاية، تعكس هذه الأزمة حالة التوتر والانقسام داخل النخبة الحاكمة في إيران، خصوصًا في ظل غموض مستقبل القيادة بعد خامنئي، ومدى قدرة النظام على الحفاظ على تماسكه وسط هذه الخلافات الحادة.
0 تعليق