ليست قناة السويس مجرد ممر مائي، بل شاهد على دماء المصريين الذين حفروها وشيدوا معالمها عبر العصور، من عمال القرن التاسع عشر إلى جنود 1956 و1973.
وأثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المطالبة بمرور السفن الأمريكية مجاناً عبر قناتي السويس وبنما، تساؤلات حول تاريخ قناة السويس العريقة التي باتت رمزاً للسيادة المصرية، بينما تحكي قصة المشروع العملاق أحلام المصرييين عبر آلاف السنين حتى تحولت إلى شريان حيوي للتجارة العالمية

قناة السويس حلم المصريين القدماء
يعود حلم ربط البحرين الأحمر والمتوسط إلى عصر الفراعنة، وتحديداً إلى سنوسرت الثالث من الأسرة الثانية عشرة (حوالي 1874 ق.م)، الذي حاول شق قناة تربط النيل بالبحيرات المرة، ورغم اندثار آثاره، بقيت فكرة الربط بين الشرق والغرب حية.
في610 ق.م، حاول الفرعون نخاو الثاني إحياء المشروع، ونجح في وصل النيل بالبحيرات المرة، لكنه فشل في ربطها بالبحر الأحمر، وتلت ذلك محاولات متعاقبة من دارا الأولالفارسي (510 ق.م)، وبطليموس الثاني* (285 ق.م) الذي نجح أخيراً في فتح ممر ملاحي كامل، تلاه الرومان بقيادة الإمبراطور تراجان (98 م) الذين حفروا قناة جديدة من القاهرة إلى العباسة.
قناة السويس من العصور الوسطى إلى العثمانيين
مع تراجع الإمبراطورية الرومانية، دخلت القناة عصراً من الإهمال حتى القرن السابع الميلادي، حين أعاد عمرو بن العاص إحياءها باسم "قناة أمير المؤمنين"، لكن الخليفة عمر بن الخطاب أوقف فكرة الربط المباشر بالبحر الأحمر خوفاً من غرق مصر.
وفي العصر العثماني، أمر محمد علي باشا (1820) بإصلاح جزء من القناة لري الأراضي الزراعية، ليكون ذلك تمهيداً للفصل الأخير من القصة.
القرن التاسع عشر وميلاد قناة السويس الحديثة
بدأ المشروع بشكله الحالي مع فرمان الامتياز الأول عام 1854 الذي منحه الخديوي سعيد لـفرديناند ديلسبس، الفرنسي صاحب الرؤية.
وفي 25 أبريل 1859، ضُربت الفأس الأولى في بورسعيد بمشاركة 20 ألف عامل مصري، الذين تحملوا ظروفاً قاسية، حيث سقط آلاف الضحايا بسبب الجوع والأمراض.
وبعد عقد من الكفاح، اكتمل الحفر في 18 أغسطس 1869، وافتُتحت القناة رسمياً في 17 نوفمبر 1869 بحفل أسطوري حضره ملوك وأمراء أوروبا، حيث عبرت السفينة "إيجيل" محملةً بالمدعوين، تبعها 77 سفينة.
التأميم ومعركة السيادة المصرية
ظلت القناة تحت السيطرة الأجنبية حتى 26 يوليو 1956، حين أعلن الرئيس جمال عبد الناصر تأميمها في خطاب تاريخي بالإسكندرية، رافضاً سيطرة الشركة الفرنسية.
أدى القرار إلى العدوان الثلاثي (بريطانيا، فرنسا، إسرائيل)، لكن مصر انتصرت سياسياً، وسددت تعويضات بلغت 28 مليون جنيه بحلول 1963، وعقب حرب 1967، أُغلقت القناة ثماني سنوات، حتى أعاد الرئيس الأسبق أنور السادات افتتاحها في 1975، لتبدأ مرحلة جديدة من التطوير.
من التوسعات إلى قناة السويس الجديدة

شهدت القناة سلسلة من التحسينات لاستيعاب السفن العملاقة:
- 1962: عبور السفينة رقم 100 ألف.
- 2001: زيادة حمولة السفن إلى 210 ألف طن.
- 2015: تدشين قناة السويس الجديدة بتكلفة 8 مليارات دولار، تقلل زمن العبور وتضاعف الإيرادات.
افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي قناة السويس الجديدة لتوسيع المجرى الملاحي وتقليل زمن العبور واستيعاب أكبر عدد ممكن من السفن، وتوسيع وتعميق تفريعات البحيرات الكبرى بطول إجمالي 37 كيلومترا وإجمالا أطوال المشروع 72 كيلومترا.
0 تعليق