مع اقتراب رؤية السعودية 2030 من نهاية عقدها الأول، يظهر مشهد اقتصادي واجتماعي متطور، يعكس قصة تحول شامل أعاد تشكيل هوية الدولة الحديثة. أصبحت الرؤية أكثر من مجرد خطة إصلاحية مؤقتة، بل مبادرة وطنية شاملة أعاد رسم دور المملكة على المستويين الإقليمي والعالمي، وأسست نموذجًا يقود التغييرات بدلاً من مجرد التكيف معها.
رؤية السعودية 2030: الإنجازات والتحولات
تشير التقارير لعام 2025 إلى تحقيق إنجازات كبيرة قبل المواعيد المستهدفة، حيث انخفض معدل البطالة بين السعوديين إلى 7%، متجاوزًا هدف 2030، بينما ارتفعت نسبة تملك المساكن للأسر إلى 65.4%، فوق هدف 2024. كما زاد عدد المتطوعين إلى أكثر من 1.2 مليون، وأضيفت 8 مواقع سعودية إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو، مع وصول عدد المعتمرين من الخارج إلى 16.92 مليون، مما يتجاوز الهدف الموضوع لعام 2024. في مجال الاستثمار، ارتفع أصول صندوق الاستثمارات العامة إلى 3.53 تريليون دولار، مما يعزز التوازن المالي ويؤكد على نضج إدارة الأصول.
التحول الوطني: نحو نمو مستدام
مع هذه الإنجازات، يطرح السؤال الآن كيفية الانتقال من تحقيق الأهداف الكمية إلى بناء تأثير تنموي عميق ومستدام. يتطلب الواقع الجديد التركيز على جودة التنمية، باستخدام مقاييس شاملة مثل العائد الاجتماعي على الاستثمار، مستوى الابتكار المحلي، ومعدلات نمو الإنتاجية. هذا التحول يدعم نمو الاقتصاد غير النفطي بنسبة 3.9%، مما يعكس تقدمًا نحو تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز القطاعات التقنية والمعرفية عالية القيمة.
بالتوازي، يتفوق القطاع الخاص كشريك رئيسي، لا مجرد تنفيذي للمشاريع الحكومية، حيث بلغ مؤشر مديري المشتريات 58.4 نقطة، مما ينعكس على حيوية الاقتصاد. يجب مواصلة تحرير بيئة الأعمال، توسيع قنوات التمويل، وتسريع الابتكارات التشريعية لدعم ريادة الأعمال وتعزيز التنافسية. كما يمثل التسارع الرقمي في الحكومة والخدمات العامة فرصة لتطوير حوكمة مشاركة تعتمد على الذكاء الاقتصادي لضمان الاستجابة السريعة للتغييرات.
لضمان شمولية التنمية عبر المناطق، من الضروري إنشاء وحدة تنمية مناطقية مرتبطة بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، مدعومة بصناديق تنموية مرنة تروج للحلول الابتكارية. على الصعيد الاجتماعي، يجب إعادة تعريف دور القطاع غير الربحي من خلال تقييم الأثر الفعلي بدلاً من حجم الإنفاق، باستخدام مصفوفات أداء دقيقة لتعزيز دوره في تحقيق أهداف الرؤية.
أما في ظل اقتراب عام 2030، فإن السؤال الرئيسي يدور حول الحفاظ على زخم التنمية بعد انتهاء هذا الإطار. يتطلب ذلك تعزيز التكامل بين الخطط القطاعية والمبادرات الوطنية تحت مظلة المجلس، مع تطوير آليات تنسيق مستمرة لضمان ترابط السياسات وتكيفها مع التحديات الإقليمية والعالمية. كما يبرز إنشاء “الحساب الوطني الشامل للثروة” لقياس رأس المال البشري والاجتماعي، بالإضافة إلى الاقتصادي، لدعم التخطيط المستدام.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لإنشاء مركز وطني لنمذجة المستقبل، يعتمد على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، أن يكون محوريًا في صناعة القرار الاستراتيجي. كما يجب ترسيخ اقتصاد الفكر والإبداع من خلال مناطق متخصصة للإنتاج الثقافي، مما يعزز تحول المملكة إلى مركز إقليمي للمعرفة.
رغم قوة البنية الاقتصادية، تظهر تحديات مثل تحقيق التوظيف النوعي عبر خلق وظائف عالية القيمة في الابتكار والتقنية، ومكافحة التستر التجاري بأدوات رقمية، وتعميق التنويع الاقتصادي. كما يتطلب الأمر تمكين المشاريع الصغيرة والمتوسطة بتمويل ذكي وربطها بالأسواق العالمية، إلى جانب بناء سياسات مالية مرنة لتحصين الاقتصاد ضد التقلبات.
في المقابل، تفتح هذه المرحلة فرصًا واسعة لتعزيز اقتصاد المعرفة، وتطوير التمويل الأخضر، وبناء سلاسل إمداد ذكية، وتفعيل رأس المال الاجتماعي. مواجهة هذه التحديات بإبداع سيعزز نموذجًا سعوديًا مرنًا، يوازن بين القوة الاقتصادية والإبداع المعرفي، ويمهد الطريق نحو مستقبل أكثر تطورًا لما بعد 2040.
إن ما تحقق حتى الآن ليس نهاية، بل انطلاقة نحو نموذج يرسخ مكانة المملكة كقوة عالمية، حيث تحولت الرؤية إلى مشروع أمة يصنع مستقبلًا ينبض في كل ركن، مدعومًا بإرادة وطنية ترتقي بطموحات الشعب نحو آفاق جديدة.
0 تعليق