تبرز وزارة المالية المصرية، بقيادة الدكتور أحمد كجوك، في وقت تتسارع فيه التحديات الاقتصادية داخليًا وخارجيًا، وتزداد الحاجة إلى سياسات مالية مرنة ومسؤولة، كأحد أهم أطراف المشهد الإصلاحي في الدولة. فمن خلال رؤية جديدة تضع في أولوياتها دعم الاستثمار، وتيسير الإجراءات، وتعزيز الثقة بين الحكومة ومجتمع الأعمال، تسعى الوزارة إلى إرساء نموذج مالي يقوم على الشفافية والتوازن، ويخدم أهداف التنمية دون أن يرهق الممولين أو يعيق دوران عجلة الإنتاج.
هذا التحول لم يأتِ في شكل قرارات منعزلة، بل كمسار متكامل يتبنى فلسفة جديدة في العلاقة بين الدولة والممول، ويعكس إدراكًا حقيقيًا بأن النهوض بالاقتصاد يتطلب شراكة لا خصومة، ووضوحًا لا غموض. وفي هذا السياق، يرصد هذا التقرير ملامح هذا التوجه الجديد من خلال ثلاثة محاور رئيسية تمثل ركائز الإصلاح المالي الجديد: أولًا، بناء الثقة والشراكة مع مجتمع الأعمال، وثانيًا، حزمة التسهيلات الضريبية، وثالثًا، الدور الإعلامي في توثيق الإجراءات وتعزيز الشفافية.
المحور الأول: بناء الثقة والشراكة مع مجتمع الأعمال
تبنّى وزير المالية أحمد كجوك نهجًا إصلاحيًا جديدًا يرتكز على إعادة بناء الثقة مع مجتمع الأعمال، انطلاقًا من قناعة بأن القطاع الخاص شريك رئيسي في تحقيق التنمية وليس مجرد ممول تفرض عليه التزامات. وقد عكست تحركات الوزارة الأخيرة هذا التوجه بوضوح من خلال فتح قنوات اتصال مباشرة مع المستثمرين ورجال الأعمال، وتنظيم لقاءات منتظمة مع ممثلي الغرف التجارية والاتحادات الصناعية، بهدف الاستماع إلى مشكلاتهم ومقترحاتهم ودمجها ضمن السياسات المالية الجديدة. لم تعد العلاقة قائمة على منطق الجباية، بل أصبحت قائمة على التعاون والتفاهم، بما يضمن استقرار السياسات على المدى الطويل ويعزز الثقة في المناخ الاقتصادي. هذه الفلسفة الإصلاحية تهدف إلى إزالة الحواجز النفسية والإدارية التي لطالما باعدت بين الدولة والممول، واستبدالها بعلاقة ندية تقوم على الشفافية والتكامل.
المحور الثاني: حزمة التسهيلات الضريبية الداعمة للاقتصاد
في خطوة عملية لدعم النشاط الاقتصادي وتخفيف العبء عن كاهل القطاع الخاص، أعلنت وزارة المالية عن حزمة واسعة من التسهيلات الضريبية، تمثل استجابة حقيقية لمطالب المستثمرين والممولين، وتهدف في الوقت نفسه إلى الحفاظ على حقوق الدولة دون إثقال كاهل السوق. وتشمل هذه الحزمة تطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية الذي يسهم في ضبط الأسواق وتحقيق العدالة بين الممولين دون أن يرهق الملتزمين، إلى جانب طرح برامج مرنة لتسوية النزاعات الضريبية تتيح جدولة المتأخرات أو الإعفاء من الغرامات عند السداد الفوري. كما تعمل الوزارة على ميكنة النظام الضريبي بالكامل لتقليل الاحتكاك المباشر بين الممول والموظف، بما يقلص فرص الفساد ويضمن سهولة الإجراءات. هذه التيسيرات لا تُعد تنازلات، بل هي أدوات إصلاح تستهدف تشجيع الانضمام إلى الاقتصاد الرسمي، وتثبيت الثقة في عدالة النظام الضريبي.
المحور الثالث: الإعلام شريك في الإصلاح وتوثيق التسهيلات
إيمانًا بدور الإعلام في دعم الإصلاح وتشكيل وعي المواطن، أطلقت وزارة المالية خطة إعلامية متكاملة تهدف إلى توثيق الإجراءات والتسهيلات الجديدة، وتقديمها للرأي العام بلغة مبسطة وشفافة. لم تكتف الوزارة بالإعلان عن السياسات فقط، بل حرصت على إنتاج محتوى توعوي من خلال مواد مرئية، وتصريحات رسمية، ومؤتمرات صحفية دورية، تُشرح من خلالها الأهداف والمكاسب المتوقعة من كل إجراء. كما تم تفعيل المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي كقنوات تفاعلية لشرح التحديثات والرد على الاستفسارات. هذا التوجه يعكس تحولًا ملحوظًا من سياسة "الصمت والقرارات المفاجئة" إلى سياسة "المصارحة والمكاشفة"، مما يرسّخ مبدأ الشفافية ويعزز ثقة المواطن والممول في السياسات المالية التي يتم تنفيذها.
تحول حقيقي في جوهر السياسات المالية
وفي النهاية ما تشهده وزارة المالية في الوقت الراهن لا يُمكن اعتباره مجرد إجراءات إدارية أو تنظيمية، بل هو تحول حقيقي في جوهر السياسات المالية نحو نموذج جديد يقوم على الشفافية، ويوازن بين حقوق الدولة وتطلعات المستثمرين. نموذج يُعيد الاعتبار للثقة، ويجعل من التيسير والوضوح أساسًا لعلاقة صحية بين الدولة والمجتمع الاقتصادي.
0 تعليق