تستيقظ السلطات المغربية على واقع الصحة العقلية والنفسية بالمملكة بعد “حادثة ابن أحمد”، وسط تساؤلات متجددة حول ظاهرة عزوف خريجي كليات الطب عن هذا التخصص.
وبينما تسعى وزارة الصحة والحماية الاجتماعية إلى تدارك “الخصاص” الملحوظ في الموارد البشرية بقطاع الصحة النفسية والعقلية، عبر برنامج وطني، تظهر سنوات التكوين الطويلة داخل الكليات ثم أربع سنوات أخرى لبلوغ هذا التخصص مثيرة للنقاش.
وكشف الوزير أمين التهراوي أن عدد المهنيين المختصين في الصحة النفسية والعقلية بلغ إلى حدود سنة 2025 ما مجموعه 3 آلاف و230، موزعين على 319 طبيبا نفسيا بالقطاع العام و294 طبيبا نفسيا بالقطاع الخاص، إلى جانب 62 طبيبا متخصصا في الطب النفسي للأطفال بالقطاع العام، و14 فقط بالقطاع الخاص، فضلا عن 17 ألف ممرض متخصص في الصحة العقلية.
وفسّر كريم بلمقدم، الكاتب العام الوطني للنقابة الوطنية للصحة العمومية، هذا الخصاص والعزوف الحاصل من قبل خريجي كليات الطب بـ”الظروف المهنية الصعبة والخاصة داخل الأقسام الخاصة بالأمراض النفسية والعقلية بالمستشفيات العمومية”.
وأضاف بلمقدم: “داخل المستشفى العمومي يكون الطب النفسي من صنف الثقيل، الذي يتميز بحالات متقدمة تحتاج إلى عناية ومراقبة خاصة، تتطلب أحيانا من الطبيب والممرض المتخرج أن يكون لديه الشغف والرغبة في هذه المهنة”.
وتحدث المهني في القطاع الصحي عن أن “هذا الشغف صعب تماما اكتسابه في أي مهنة، وخاصة الطب النفسي داخل المستشفيات العمومية الذي يشابه طب السجون، مقارنة بالعيادات الخاصة التي تعيش الازدهار، لكون العمل مريحا ويواجه حالات متوسطة إلى بسيطة”، وزاد: “بكل بساطة أطباء الغد عند التخرج لا يحسون بالراحة في العمل بهذا الوسط، وفي ظل غياب الإمكانيات والمؤهلات المادية، ما يستدعي مقاربة خاصة تهم تثمين الموارد البشرية عبر ميزانية مضاعفة للقطاع النفسي والتغطية الصحية”، محذرا من أن “عوامل اجتماعية وأسرية هي الأخرى تحتاج إلى المعالجة لتخفيف حدة هذه الظاهرة العالمية”.
وفي المقابل تطرق الطيب حمضي، طبيب وباحث في السياسات والنظم الصحية، إلى أن “الخصاص في الأطباء والممرضين النفسيين والعقليين بسبب نفور الخريجين لا يرتبط بمدد التكوين”.
وأضاف حمضي أن تخصص الطب النفسي وحتى الشرعي يبقى غير جذاب لأطباء الغد في الكليات المغربية لكون العمل داخل المستشفيات العمومية “غير جذاب ماديا وحتى معنويا”، مقارنة بتخصصات الجراحة وغيرها.
ويبرز إشكال آخر وفق المتحدث يتعلق بنظرة المجتمع إلى الطب النفسي عموما، التي تبقى سلبية مقارنة بالعديد من الدول.
0 تعليق