في الوقت الذي وصل فيه انقطاع الكهرباء إلى مستويات غير مسبوقة في إيران، تواجه حكومة الرئيس مسعود بزشكيان اتهامات متزايدة بتقديم معلومات مضللة للرأي العام حول قطاع الطاقة، في محاولة واضحة لتهدئة السخط الشعبي المتزايد.
فرغم تعهّد بزشكيان خلال حملته الانتخابية بالشفافية والمصارحة، تكشف وثائق سرية من وزارة النفط، حصلت عليها شبكة "إيران إنترناشونال"، أن البيانات التي تنشرها الحكومة حول إنتاج البنزين والغاز الطبيعي، والوعود بحل أزمة الكهرباء خلال الصيف، لا تعكس الواقع، بل إن أزمة الطاقة تتجه نحو التفاقم.
وتُظهر الوثائق أن إيران تعاني من عجز مزمن في الطاقة على مدار العام، حيث تصل نسبة النقص في الكهرباء والغاز الطبيعي إلى 25% خلال ذروة الاستهلاك، بينما يبلغ عجز البنزين نحو 30%.
ورغم ركود مشاريع تطوير البنية التحتية للطاقة، يتّجه المسؤولون إلى اعتماد خطاب إعلامي متفائل، معتمدين على أرقام مضخّمة لا تعكس الوضع الحقيقي، كما تثبت الوثائق الرسمية الداخلية.
في أواخر عام 2024، صرّح محمد صادق عظیمیفر، الرئيس التنفيذي لشركة توزيع المنتجات النفطية الوطنية الإيرانية، بأن إنتاج البلاد من البنزين ارتفع بمقدار 10 ملايين لتر يوميًا، والديزل بمقدار 13 مليون لتر خلال العام السابق.
إلا أن تقريرًا داخليًا سريًا من الشركة نفسها يُظهر أن الزيادة الفعلية في إنتاج البنزين في المصافي الإيرانية لم تتجاوز 1.5 مليون لتر يوميًا مقارنة بنفس الفترة من عام 2023. وعلى مدار العام بأكمله، بلغت نسبة النمو 3.5% فقط، أو ما يعادل 3.76 مليون لتر يوميًا.
أما الديزل، فقد شهد نموًا طفيفًا بنسبة 3%، أي نحو 3.38 مليون لتر يوميًا. وفي المقابل، ارتفع الاستهلاك لكلا النوعين من الوقود بنسبة 7.5%، أو ما يعادل 7 ملايين لتر يوميًا، مما فاقم من حجم العجز في الطاقة.
ورغم عدم إنشاء أي مصافٍ جديدة في البلاد خلال السنوات الأخيرة، واصلت الحكومة إدخال أكثر من 1.5 مليون مركبة محلية منخفضة الكفاءة إلى السوق سنويًا، ما ضاعف الضغط على استهلاك الوقود.
وبحسب التقرير، بلغ متوسط الإنتاج اليومي للبنزين في إيران عام 2024 نحو 101 مليون لتر، في حين تجاوز الاستهلاك 123 مليون لتر.
زيادة الاعتماد على الإضافات الكيميائية
أشار تقرير وزارة النفط إلى أن الاستراتيجية الأساسية التي تتبعها الحكومة لمواجهة هذا العجز المتزايد، تتمثل في خلط البنزين المُكرر بكميات كبيرة من الإضافات الكيميائية ذات الجودة المتدنية.
وتشمل هذه الإضافات مركبات كيميائية مختلفة، ووقودًا مستخرجًا من مصانع البتروكيماويات، بالإضافة إلى مادة MTBE المثيرة للجدل، والتي حُظر استخدامها في العديد من الدول الغربية بسبب آثارها البيئية والصحية، فضلًا عن معززات أوكتان صناعية.
وفي حين كانت نسبة استخدام هذه الإضافات لا تتجاوز 5 ملايين لتر يوميًا (أي 6% من إجمالي الوقود) عام 2018، فقد ارتفعت اليوم إلى أكثر من 20 مليون لتر يوميًا، أي ما يزيد عن 20% من إجمالي المعروض من البنزين، ما يثير مخاوف جادة بشأن جودة الهواء والصحة العامة.
ووفقًا للتقرير نفسه، فإن ربع كمية البنزين فقط المنتجة في المصافي الإيرانية تفي بالمعايير الأوروبية، وحتى هذه النسبة المحدودة لا يُمكن تأكيد مدى مطابقتها الكاملة للمواصفات الفنية المطلوبة.
إنتاج الغاز.. بين الواقع والمبالغة
في سياق متصل، أعلن رئيس مجمع الغاز في حقل "بارس الجنوبي" مؤخرًا عن زيادة مقدارها 6 مليارات متر مكعب في الغاز المُرسل إلى الشبكة الوطنية خلال العام المالي المنتهي في 20 مارس. ويُشكّل هذا الحقل نحو 73% من إجمالي إنتاج الغاز في إيران.
كما صرّح المدير التنفيذي لشركة الحقول النفطية الوسطى – التي توفر نحو 25% من الغاز الإيراني – بأن إنتاجها ارتفع بمعدل 10 ملايين متر مكعب يوميًا خلال فصلي الخريف والشتاء، أي ما يعادل زيادة سنوية لا تقل عن ملياري متر مكعب.
وبناءً على هذه التصريحات الرسمية، يُفترض أن إيران رفعت إنتاجها السنوي من الغاز بمقدار لا يقل عن 8 مليارات متر مكعب.
لكن تقديرات مؤسسات دولية مثل وكالة الطاقة الدولية (IEA) ومنتدى الدول المصدرة للغاز (GECF) – الذي تُعد إيران عضوًا فيه – تشير إلى أن النمو الحقيقي في إنتاج الغاز الإيراني لم يتجاوز نصف هذه الكمية.
وتُظهر البيانات أن إيران كانت تحقق معدلات نمو سنوية تفوق 5% في إنتاج الغاز خلال الفترة ما بين 2010 و2020. غير أن هذه النسبة تراجعت إلى نحو 2% فقط بين عامي 2021 و2024، مع توقعات بمزيد من الانخفاض إلى حوالي 1% فقط في عام 2025، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
خلاصة المشهد
توضح الوثائق المسربة أن الفجوة بين الواقع وادعاءات الحكومة الإيرانية في قطاع الطاقة تتسع يومًا بعد يوم، ما يُهدد بتفاقم الأزمات الداخلية، خصوصًا مع حلول صيفٍ يُنذر بارتفاع استهلاك الكهرباء والوقود إلى مستويات قياسية.
0 تعليق