هيربر: الوشم الأمازيغي في السياق المغربي أكثر تعقيدا من تجارب سابقة

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ورد في مساهمة بحثية ميدانية للطبيب العسكري الفرنسي جوزيف هيربر (1873-1953) أن “تقنيات الوشم المغربية كانت “أكثر تعقيدا” بالمقارنة مع ما التجارب السابقة، مبرزا أن “الواشمات كنّ يعرفن أن الوشم مُورسَ قديما، في بعض القبائل، باستخدام الأشواك. وفي وقت لاحق، كان رأس ورقة الأغاف (agave) يستخدم في منطقة المناصرة (les Menasra) لكنها كانت تحمل سمعة سيئة؛ إذ كان يعتقد بأنها سامة، وكان البعض يتهمها بالتسبب في حدوث التقيح”.

وأشار هيربر في مقاله الموسوم بـ”الواشمات المغربيات”، الذي نقله الباحث رشيد دوناس إلى اللغة العربية، إلى أن الوشم حينها كان “يمارس بطريقتين فقط؛ باستخدام الإبرة أو باستخدام السكين”، مسجلا أنه “إذا كان الوشم بالإبرة هو الأكثر شيوعا، فإن الواشمات لا يستخدمنه بالطريقة نفسها”، ويستند إلى الوصف القديم الذي قدمه كل من ميشيو بيلير وج. سالمون؛ إذ “صرحا بأنه في اليوم الأول، يتم تخطيط الرسومات المرغوب فيها باستخدام السخام (hamoum)”.

وأضاف نقلا عنهما وفق ترجمة دوناس: “تثقب البشرة، وتُطلى الفتحات على الفور بنفس السواد. في اليوم الموالي، يتم تمرير (النيلة) اللون الأزرق على الوشم. وفي اليوم الثالث، يُمرر الزعفران”، وأبرز الباحثان أنه “في الغالب هذه هي التقنية الأكثر شيوعا، تجرى عملية واحدة فقط باستخدام السخام ولكن في هذه الحالة، كما أوضح متأدبو القبائل العربية في وادي اللكوس، فإن التئام الجروح يكون صعبا ويحدث تقيحا”.

وفي الترجمة الصادرة ضمن العدد الأخير (15) من مجلة الدراسات الأمازيغية، يستدرك الطبيب العسكري الفرنسي بأنه “مع ذلك، لا يمكن لهذا الوصف (الذي يطرحه الباحثان) أن يقدم لنا فكرة مكتملة عن الوشم في جميع أنحاء المغرب. فلكل واشمة أسلوبها الخاص؛ إذ لا تنحدر الواشمات من نفس المدرسة (التقليد)، وتتعدد التلميذات (لْمتْعلمات) بتعدد المعلمات (لمْعلمَات)، ولكل واحدة منهن “أسلوبها الفريد”.

وينقل الفرنسي عن واشمة من قبيلة أولاد “أحمر” (Ahmar) أنها، وفقا لتجربتها غير القابلة للتعميم على الواشمات الأخريات، “تحضر كرتين أو ثلاث كرات صغيرة من الصوف المبلل بالدهون، دهن صوف الغنم، وتغمسها في السواد المتراكم في أسفل القدر المبلل باللعاب؛ ثم تأخذ إبرة غير ذات ثقب (دبوسا) لتلتقط السواد، وتثقب به الجلد لتصميم الرسم. وبعد أن تنتهي من ذلك، تزيل السواد الذي غطى البشرة لتتأكد من وضوح التصميم الذي خططته”.

وزاد شارحا (مع التذكير بأن المقالة تتحدث عن زمن الحماية الفرنسية بما أن الوشم الأمازيغي خصوصا تقريبا انقرض): “إذا لم يكن بارزا، تعيد العملية الصغيرة نفسها حتى يظهر السواد بشكل جيد، ثم تغسل الجرح وتغطيه بالحناء الدافئة، التي تزيلها على الفور”، وأضاف: “بعد بضعة أيام، تمرر على الوشم عشبة تسمى الخضيرة (el-khdira) بعد طحنها في ماء ساخن. وعند حلول موسم البطيخ، تغطي الوشوم برماد قشوره المحترقة؛ وبذلك يتم تجنب حدوث الالتهاب. وأخيرا، عندما يبدأ الجلد بالتقشر حول الوشم، تدهنه بالزعفران”.

في أزرو، ذكر الباحث الفرنسي الذي اهتمّ بالموضوع أن “الواشمة تقوم في اليوم الأول بتنظيف الوشم بالماء المالح. وفي الأيام التالية، تقوم بفركه بالأعشاب والحناء”، متطرقا إلى الواشمة في آسفي (عبدة)، وأوضح: “تستخدم السواد الناتج عن التبن المبلل وترطبه باللعاب. وبعد أن تثقب الجلد، تغسله بماء الزعفران، ثم تغطيه بالحناء حتى يلتئم لمدة تتراوح بين 4 و5 أيام. وطالما لم تكتمل عملية الشفاء، يجب على المرأة الامتناع عن تناول السمك والليمون، وعن كل ما هو ‘حامض’ بشكل عام. وإذا كانت المرأة بصحة جيدة، فإن القشرة تسقط في اليوم الرابع، ثم تتشكل قشور صغيرة خفيفة ورقيقة وبيضاء كورق السجائر، وبعدها يكتمل الشفاء في مدة أقصاها عشرون يوما”.

وعند أهالي قبيلة “كروان”، أورد الفرنسي أن “الوشم كان يمارس في الماضي باستخدام السكين”، وزاد: “هذا على الأقل ما أخبرتني به واشمة من مولاي إدريس. أما في الوقت الحالي (زمن الحماية)، فلا تستخدم إلا الإبرة. وإذا كانت حالة النباتات تسمح بذلك، تقوم رسامة الوشم بفرك الوشم ببعض النباتات مثل الشعير، والقمح، أو النعناع لجعل الوشم أكثر وضوحا وأكثر ‘اخضرارا’، وأحيانا تضيف اللون الأزرق لجعله أكثر قتامة”.

من جهة أخرى، تطرق النص إلى الظروف التي يمارس فيها الوشم، معتبرا أنها “ليست أقل غرابة”، وتساءل: “على سبيل المثال، لماذا تقوم واشمة أيت إدراسن (Ait Idrassen) بالاختباء أثناء ممارستها طقوس الوشم؟”، وتابع: “سنلاحظ أن الوشم في بقية أنحاء المغرب يُعتبر في الغالب مناسبة للقيام باحتفال صغير داخل الحريم”.

وشدد الباحث على أن “الواشمة المغربية غالبا ما تكون (في تلك الفترة) مجرد عاملة مأجورة، يدفع لها الأجر ثم يتم تجاهلها. لكن الأمر لا يتم دائما على هذا النحو. ففي الجنوب المغربي يتم استقدامها من القبائل المجاورة وتستقبل بكل احترام”، وأفاد بأنه في “تنانت”، “تحرص النساء اللائي تقوم بوشمهن على الاهتمام بها وتقديم الدعم اللازم لها. وعند نهاية عملها، تُقبّل كل واحدة من ‘زبوناتها’ على رأسها”.

ومضى الطبيب العسكري قائلا: “إنها حسب ما أفادني به ‘هـ . باسي’ الممارسة الوحيدة التي تؤدي إلى ديمومة الصلة بين النساء اللواتي وشمن في نفس اليوم”. وهي صلة قوية على نحو خاص في “أدار”، حيث تعمل واشمة تأتي من أيت ويرار، مما يفضي إلى نشوء صداقة بين الموشومة والواشمة”.

وأجمل موضحا في هذا الجانب: “لدى أهل الرحامنة، تقام وليمة مع طقوس الوشم، ويذبح من يستطيع منهم خروفا للمناسبة”، لافتا إلى أن “وضعية العائلات المادية في المجمل هي ما يحدد متطلبات هذه الاحتفالات العائلية، التي تلتئم فيها الصديقات. وقد أكدت لي إحدى الواشمات من مولاي إدريس هذه الولائم مفصحة: ‘كنا نأكل ونرقص ونغني في حين تقوم الواشمة بعملها'”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق