رغم انخفاض أسعار النفط.. المملكة تتجاوز التحديات وتُعيد هيكلة ميزانيتها لدعم رؤية 2030

سحب 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في ظل التراجع الشديد لأسعار النفط العالمية، تواجه المملكة العربية السعودية تحديات مالية متزايدة قد تجبرها على تعديل خطط الإنفاق الحكومية. حذر المحللون الاقتصاديون من أن هذا الانخفاض قد يعمق العجز في الميزانية، مما يهدد الاستقرار الاقتصادي ويؤثر على البرامج الطموحة لتنويع الاقتصاد.

عجز ميزانية السعودية وسط انخفاض أسعار النفط

سجلت المملكة عجزاً في الميزانية بلغ 59 مليار ريال سعودي، أو ما يعادل 16 مليار دولار، خلال الربع الأول من عام 2025، وهو أعلى مستوى للعجز منذ ثلاث سنوات. هذا التفاقم يعود إلى انخفاض إيرادات النفط، التي تشكل عموداً أساسياً للاقتصاد الوطني. وفقاً لتصريحات كبيرة المحللين الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري، مونيكا مالك، فإن أسعار النفط كانت لا تزال مستقرة نسبياً في بداية العام، لكنها انخفضت بشكل حاد بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن زيادة الرسوم الجمركية، مما أدى إلى تعديل توقعات المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي لنمو الاقتصاد العالمي وطلب الطاقة. بحلول الفترة الحالية، هبط سعر خام برنت إلى أقل من 62 دولاراً للبرميل، وهو أدنى مستوى في أربع سنوات، مع توقعات من “غولدمان ساكس” بأن يبقى متوسط السعر حول 60 دولاراً للبرميل في بقية عام 2025، وقد ينخفض إلى 56 دولاراً في عام 2026، بناءً على زيادة الإنتاج في اتفاقية أوبك+.

تأثير تراجع إيرادات النفط على الاقتصاد

من المتوقع أن يظهر التأثير الكامل لهذا الانخفاض في الربع الثاني من عام 2025، حيث تعتمد المملكة على النفط لتوفير نحو 60% من إيراداتها الحكومية. هذا الاعتماد يفرض ضغوطاً كبيرة على الميزانية، خاصة مع تنفيذ مشاريع عملاقة بقيمة تريليون دولار ضمن رؤية 2030، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على الهيدروكربونات. لتمويل هذه المبادرات، أعلنت المملكة عن نيتها في الاقتراض، مع توقعات بتخصيص 139 مليار ريال سعودي للديون في عام 2025. رغم القلق من زيادة الاقتراض، يؤكد المسؤولون أن تقلبات أسعار النفط تبرز الحاجة الماسة لتنويع مصادر الإيرادات. على سبيل المثال، قامت الحكومة بتقليص الإنفاق على بعض مشاريع البنية التحتية المرتبطة بشركة أرامكو وصندوق الاستثمارات العامة، الذي يبلغ قيمته 940 مليار دولار. ومع ذلك، يرى المحللون أن التباطؤ الأكبر قد يحدث خارج الميزانية، دون إلغاء مشاريع رئيسية، مع إمكانية تغيير الأولويات في المستقبل.

كما أشار كبير اقتصاديي “غولدمان ساكس” لمنطقة الشرق الأوسط، فاروق سوسة، إلى أن هذه المشاريع طويلة الأجل تتمتع بمرونة في جدول تنفيذها، مما يسمح برفض التركيز على المشاريع الأكثر إلحاحاً مثل معرض الرياض 2030 أو كأس العالم 2034، مقابل تأجيل مشاريع أخرى مثل مدينة نيوم. في السياق نفسه، شهد ميزان الحساب الجاري تحولاً من فائض بلغ 35 مليار دولار في عام 2023 إلى عجز قدره 6 مليارات دولار في عام 2024، نتيجة ارتفاع الواردات اللازمة لدعم رؤية 2030، مع بقاء الصادرات مستقرة. إذا استمر الانخفاض في أسعار النفط، فقد يصبح هذا العجز غير مستدام، حيث يتوقع “غولدمان ساكس” أن تحتاج السعودية إلى جمع 135 مليار دولار إضافية خلال العامين المقبلين، وقد ترتفع هذه الحاجة إلى 265 مليار دولار إذا انخفضت الأسعار إلى أقل من 40 دولاراً للبرميل.

رغم هذه التحديات، تشير تقارير صندوق النقد الدولي إلى أن السعودية لديها هامش مناورة جيد، مع نسبة دين إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 29% فقط، مما يتيح الاقتراض إذا لزم الأمر. بين الحلول الممكنة، تتضمن خيارات مثل تقليص الإنفاق الحكومي المستقبلي أو بيع الأصول الدولة المملوكة خارج المملكة. كما يؤكد سوسة على ضرورة التكيف مع هذه البيئة الاقتصادية الصعبة لتحقيق أهداف رؤية 2030، حيث يمثل هذا التوازن بين الاستدامة المالية والنمو الاقتصادي تحدياً معقداً في المدى الطويل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق