نظّمت كلية الإعلام بجامعة القاهرة، اليوم الخميس 8 مايو، حلقة نقاشية بعنوان "التطبيقات الرقمية والتكنولوجية في مجال الاتصال الصحي– تجارب عربية (2)"، وذلك ضمن اليوم الثاني لأعمال المؤتمر العلمي الدولي الثلاثين للكلية، والمنعقد تحت شعار "الاتصال الصحي وتمكين المجتمعات المعاصرة"، برعاية الدكتور محمد سامي عبد الصادق، رئيس جامعة القاهرة، وإشراف الدكتورة ثريا البدوي، عميدة الكلية ورئيسة المؤتمر، والدكتورة وسام نصر، وكيلة الكلية لشؤون الدراسات العليا والبحوث وأمينة عام المؤتمر، بمشاركة واسعة من الأكاديميين والخبراء والممارسين في مجال الإعلام الصحي.
أدارت الجلسة الدكتورة أماني رضا، الأستاذ المساعد بالكلية، وتولت التعقيب على مداخلات المشاركين، فيما تولى الدكتور سيد أبو شعيشع، المدرس بالكلية، مهام مقرر الحلقة، بمشاركة عدد من الأساتذة العرب المتخصصين في الإعلام والاتصال.
ناقشت الحلقة أبعاد التحول الرقمي في الإعلام الصحي، ومدى إسهام التطبيقات التكنولوجية في تحسين جودة الخدمات الصحية، من خلال استعراض تجارب عدد من الدول العربية، شملت مصر، السعودية، الإمارات، وفلسطين، إضافة إلى تناول التحديات التقنية والبشرية التي تواجه هذا المجال الحيوي.
وخلال مداخلته، أكد الدكتور سامي الشريف، عميد كلية الإعلام بالجامعة الحديثة (MTI)، أن الطفرات التكنولوجية المتلاحقة أثرت بعمق في القطاعات كافة، وعلى رأسها القطاع الصحي، مشيرًا إلى أن جائحة كورونا شكّلت لحظة فارقة أدرك العالم من خلالها أهمية الاتصال الرقمي في دعم النظم الصحية وتيسير التواصل بين المرضى والمؤسسات الطبية.
وأضاف "الشريف" أن التطبيقات الإلكترونية في المجال الصحي لم تعد تقتصر على تقديم الخدمات الطبية التقليدية، بل امتدت لتشمل مجالات متقدمة مثل الصحة النفسية، والاستشارات عن بُعد، وتشخيص الأمراض، بل وحتى إجراء عمليات جراحية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء. وأشاد بالتجربة السعودية، واصفًا إياها بالأكثر تقدمًا عربيًا، خاصة من خلال تطبيق "صحتي"، إلى جانب الإمارات، الكويت، والأردن. كما استعرض الجهود المصرية في هذا المجال، مثل إنشاء السجل الصحي الموحد وتطبيق "صحتك".
وأشار إلى أن التحول الرقمي الصحي يواجه تحديات، من أبرزها ضعف البنية التحتية في عدد من الدول العربية، ونقص التأهيل العلمي، وضعف الضوابط الأخلاقية التي تحكم العلاقة بين الطبيب والمريض عن بُعد، فضلًا عن غياب تشريعات تنظم هذا المجال الحيوي، مؤكدًا أن بعض الأطباء لا يزالون يتحفظون على فكرة الرقمنة في تقديم الخدمات الصحية.
من جانبها، تناولت الدكتورة سهير صالح، عميدة المعهد العالي للإعلام بأكاديمية الشروق، أبعاد التحول الرقمي الصحي في مصر، موضحة أن منظمة الصحة العالمية أقرت عام 2018 أهمية رقمنة القطاع الصحي، ما دفع عددًا من الدول، ومنها مصر، إلى اتخاذ خطوات جدية في هذا المسار، خاصة في ظل الأزمات الصحية التي كشفت الحاجة إلى أدوات تكنولوجية مرنة وفعالة.
وأشارت "صالح" إلى أن مبادرة "100 مليون صحة" تُعد أحد أبرز الشواهد على نجاح الدولة المصرية في توظيف التكنولوجيا لخدمة الصحة العامة، إلى جانب تطبيق "صحة مصر"، ومساهمة القطاع الخاص عبر تطبيقات مثل "فيزيتا" و"شفا"، التي دعمت الوصول إلى خدمات طبية رقمية في مختلف المحافظات. وأكدت أن تحقيق نقلة نوعية في هذا المجال يتطلب تعزيز الموارد وتوسيع نطاق التأهيل التقني للعاملين في القطاع الصحي.
وفي إطار استعراض التجارب الخليجية، تحدث الدكتور هيثم عبد الرحمن، عميد كلية الاتصال الجماهيري بجامعة أم القيوين بالإمارات، عن ريادة بلاده في التحول الرقمي الصحي، موضحًا أن الحكومة الإماراتية تبنت منذ مطلع الألفية رؤية استراتيجية لتطوير بنية تحتية رقمية قوية، ما مكّنها من إطلاق تطبيقات صحية متطورة، على رأسها تطبيق "طبيب لكل مواطن"، الذي عزز الوصول إلى الاستشارات الطبية الرقمية.
وأكد "عبد الرحمن" أن 70% من الشباب الإماراتي يعتمدون على المنصات الرقمية للحصول على نصائح طبية، ما يعكس تحولًا ثقافيًا في أنماط تلقي المعلومات الصحية، لافتًا إلى إطلاق حملات توعية رقمية مؤثرة ساهمت في تقليل معدلات التدخين. وأوضح أن تقنيات الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من النظام الصحي الإماراتي، وساهمت في تحسين جودة التشخيص والتفاعل مع المرضى.
وأشار إلى أن المؤثرين الرقميين لعبوا دورًا بارزًا في حملات التوعية الصحية، خاصة خلال جائحة كورونا، سواء في الترويج للتبرع أو تسليط الضوء على الاحتياجات الطبية، مضيفًا أن التنسيق الرقمي بين المؤسسات الصحية ساعد في التعامل مع حالات الطوارئ، من خلال تحديد المستشفيات المتاحة عبر أنظمة رقمية دقيقة.
كما سلطت الدكتورة وفاء ثروت، الأستاذة بكلية الاتصال الجماهيري بجامعة أم القيوين، الضوء على التوسع الإماراتي في استخدام الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في الخدمات الصحية، معتبرة أن تلك التقنيات تشكّل دعامة استراتيجية في تطوير القطاع. وأشارت إلى إطلاق تطبيق "الطبيب الافتراضي"، الذي يعتمد على الواقع الافتراضي ثلاثي الأبعاد لمتابعة المرضى عن بُعد.
وتحدثت "ثروت" عن مبادرة الفحص الجيني، التي أطلقتها الإمارات للكشف المبكر عن الأمراض الوراثية، إلى جانب "منصة مراقبة الصحة الرقمية" المختصة برصد الأمراض التنفسية والتوعية، ما يعكس تحولًا استباقيًا في الصحة الوقائية. كما نوّهت باستخدام الروبوتات في إجراء العمليات الجراحية المعقدة، مؤكدة أن الإمارات باتت من الدول المتقدمة طبيًا بفضل هذه الابتكارات.
وفي سياق التوعية، أوضحت أن منصات التواصل مثل "إكس" (تويتر سابقًا) تُعد الأكثر فاعلية في الحملات الصحية، مقارنة بفيسبوك، الذي تراجع استخدامه في هذا السياق. وأكدت أن الإمارات تمضي بخطى واثقة لتكون في طليعة الدول العربية في مجال الصحة الرقمية خلال السنوات القليلة المقبلة.
من جهته، تطرّق الدكتور عهد ماهر، الأستاذ المساعد بكلية الاتصال الجماهيري بجامعة أم القيوين، إلى التحديات التي تواجه قطاع الصحة في فلسطين، مشيرًا إلى ضعف الإمكانيات وتدني مستوى الخدمات الطبية بفعل الاحتلال، لافتًا إلى أن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية تتحمل عبء تقديم نحو 70% من الخدمات وسط نقص شديد في الموارد.
وأوضح أن الأوضاع الميدانية تعيق حصول الفلسطينيين على الرعاية، خاصة النساء أثناء الولادة، نتيجة الحواجز العسكرية. وأشار إلى أن تطبيق "صحتي" يُعد من أبرز المنصات التي توفرها الحكومة الفلسطينية رغم محدودية الموارد، موضحًا أن بعض الدول الأوروبية تسعى لدعم الفلسطينيين عبر إنشاء مستشفيات ميدانية، إلا أن هذه الجهود غالبًا ما تُواجه بالتدمير أو الإعاقة.
واختتمت فعاليات الحلقة بتكريم المشاركين من المتحدثين العرب، تقديرًا لإسهاماتهم البحثية وتجاربهم العملية في مجال الاتصال الصحي الرقمي.
يُذكر أن المؤتمر العلمي الدولي الثلاثين لكلية الإعلام بجامعة القاهرة يُعقد يومي 7 و8 مايو 2025 بمقر الكلية، ويشهد حضور نخبة من الأكاديميين والخبراء والمختصين، لمناقشة قضايا الاتصال الصحي في ضوء التحديات العالمية، وسُبل تمكين المجتمعات من خلال التكنولوجيا والتواصل الفعال.


0 تعليق