تشهد الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين في المغرب سلسلة مشاورات موسعة في إطار ورش مراجعة المناهج الدراسية. ومن أبرز المواضيع المطروحة، إدماج “التربية الإعلامية” كمكون أساسي ضمن البرامج التعليمية، استجابة للتحولات التكنولوجية المتسارعة، وسعياً إلى تنمية التفكير النقدي لدى المتعلمين في مواجهة طوفان المحتويات الرقمية.
ويؤكد فاعلون تربويون أن المدرسة المغربية مطالبة اليوم بمواكبة التغيرات التي طرأت على بيئة المتعلم، من خلال تمكينه من أدوات التحليل والتمييز بين المعلومات الزائفة والمضامين المهنية. ويعتبر هؤلاء أن إدراج التربية الإعلامية يشكل ضرورة لحماية التلاميذ من أخطار الفضاء الرقمي، وتعزيز قدراتهم على التفاعل الواعي والمسؤول مع الوسائط الجديدة.
وترى فعاليات حقوقية أن إدماج التربية الإعلامية في المنظومة التعليمية لا يهدف فقط إلى التحصين ضد الأخبار الزائفة وخطابات الكراهية، بل يروم أيضًا غرس قيم المواطنة الرقمية، والتربية على حرية التعبير المسؤولة. ويؤكد متتبعون أن هذا التوجه ينبغي أن ينبني على رؤية بيداغوجية متكاملة، تستند إلى تكوين الأساتذة، وتحديث مضامين الدروس بما يلائم حاجيات المتعلمين.
إرادة سياسية
قال سعيد المرزوقي، خبير تربوي أحد المساهمين في صياغة المسودات الموجهة للأكاديميات الجهوية، إن التربية الإعلامية لم تعد خياراً تربوياً ثانوياً، بل ضرورة استراتيجية تستدعي مقاربة شاملة. وأوضح أن الأطفال اليوم يعيشون في بيئة معقدة، ما يفرض على المدرسة تمكينهم من أدوات القراءة النقدية والتفاعل الواعي مع المضامين الرقمية.
وأضاف المرزوقي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن بعض الأكاديميات تبنّت فعلاً مقترحات أولية لإدماج هذه التربية، من خلال ربط مفاهيم الإعلام بقيم المواطنة وحقوق الإنسان. وأبرز أن هذه المقاربة تسعى إلى تطوير كفايات التلميذ، ليس فقط على مستوى الفهم، بل أيضاً في قدرته على تحليل المحتوى الإعلامي، وتحديد مصادره، وفهم سياقاته وأهدافه.
وأوضح المتحدث ذاته أن المسودات المقترحة تراهن على إدراج أنشطة تطبيقية داخل الفصول الدراسية، مثل تحليل الصور والمقاطع المصورة، وتفكيك الرسائل الإشهارية، وممارسة تقنيات التحقق من الأخبار الزائفة. ولفت إلى أن الهدف من هذه الأنشطة ليس فقط إكساب التلميذ مهارات تقنية، بل تعزيز روح النقد لديه، وتدريبه على قراءة المحتوى بوعي واستقلالية في زمن باتت فيه الصورة والمعلومة جزءاً من معاركه اليومية.
وشدد المرزوقي على أن إدماج التربية الإعلامية لا يمكن أن يتحقق دون وجود إرادة سياسية واضحة، مصحوبة بإعادة هيكلة شاملة لتكوين الأطر التربوية. واعتبر أن تعزيز كفايات الأساتذة في المجالين الرقمي والإعلامي يشكل ركيزة أساسية لإنجاح هذا الورش، مشيرًا إلى أن المدرس لا يمكنه مواكبة المتعلمين وتأطيرهم إذا لم يكن متمكناً من الأدوات النظرية والعملية التي تؤهله للقيام بهذا الدور الحيوي.
تكامل تربوي
يعتبر إبراهيم الشعبي، رئيس المركز الوطني للإعلام وحقوق الإنسان أستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، أن التربية الرقمية تُعد امتدادًا طبيعياً للتربية الإعلامية، لا يمكن فصلهما عن بعض. واعتبر أن التأثير الذي تُحدثه محتويات وسائل التواصل الاجتماعي اليوم يتجاوز بكثير تأثير الإعلام التقليدي، ما يفرض تعزيز الوعي لدى المتعلمين في سن مبكرة.
وأضاف الشعبي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن القانون المغربي يميز بين الصحافة المهنية ومحتويات التواصل الاجتماعي؛ إذ يُعرف الصحافة الرقمية بوصفها امتدادًا للعمل الصحافي، بينما لا تدخل شبكات التواصل ضمن هذا الإطار. ورغم ذلك، يؤكد أن من الضروري تربية الأطفال على التمييز بين المحتوى الإعلامي المهني والمضامين الرقمية العشوائية.
وذكر المتحدث ذاته أن تدريس التربية الإعلامية يجب ألا يكون منفصلاً عن إطار حرية التعبير، لأنها الأساس الذي يُمكّن التلميذ من تنمية حسه النقدي وفهمه لما يتلقاه من محتويات. وأوضح أن ترسيخ هذه القيمة سيساعد المتعلمين على بناء مواقف مستقلة، قائمة على التحليل لا على التلقين، بما يعزز قدرتهم على التفاعل الواعي مع مختلف الرسائل الإعلامية.
وأشار الحقوقي ذاته إلى أن من بين الشروط الأساسية لإنجاح إدماج هذه التربية، ضرورة الشروع في تدريسها منذ المرحلة الابتدائية، حتى تتشكل لدى الطفل مناعة معرفية مبكرة. كما شدد على أهمية وجود إرادة سياسية حقيقية، موردا أن غيابها سيجعل المشروع مجرد مبادرة جزئية تفتقر إلى النجاعة والامتداد داخل المنظومة التعليمية.
وفي تفاعله مع سؤال لجريدة هسبريس حول الفهم المغلوط الذي قد تُؤول به حرية التعبير داخل المدرسة، نبّه مدير موقع “لوبوكلاج” إلى أن هذه الحرية لا تنفصل عن المسؤولية، خصوصًا حين يتعلق الأمر بفئة الأطفال واليافعين. واعتبر أن التربية الإعلامية مطالبة بتوضيح الفروق بين التعبير المسؤول، وبين الممارسات التي تصطدم بالقانون، كخطاب السب والقذف، أو تداول المحتويات الإباحية.
0 تعليق