في ظل التحول العالمي نحو الاقتصاد الأخضر، فرض الاتحاد الأوروبي آلية جديدة تُعرف باسم "آلية تعديل حدود الكربون" (CBAM)، التي ستغيّر قواعد اللعبة أمام دول كثيرة تصدّر منتجاتها إلى أوروبا.
وتأتي مصر على رأس هذه الدول، ولا سيما مع صادرات تصل إلى نحو 20% من منتجات، مثل الألومنيوم والحديد والأسمدة، إلى السوق الأوروبية.
ويكشف الأمين العام لتحالف "زيتا" ZETA، الدكتور يان هايزمان -خلال حوار أجرته معه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- تفاصيل آلية تعديل حدود الكربون الجديدة وتأثيرها في الصناعة والتجارة المصرية.
وبرز تحالف تداول الانبعاثات الصفرية "زيتا" ZETA بمثابة مبادرة إقليمية تهدف إلى دعم الأسواق منخفضة الانبعاثات وتعزيز التحول نحو الاقتصاد الأخضر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وفي هذا الحوار، نسلّط الضوء على أهداف التحالف، وأنشطته في الدول المختلفة، ودوره في دعم الجهود الإقليمية للحد من الانبعاثات الكربونية.. وإلى نص الحوار:
ما تحالف ZETA وما أهدافه الرئيسة؟
تحالف ZETA هو مبادرة إقليمية تهدف إلى دعم الأسواق منخفضة الانبعاثات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويركز التحالف على تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء لتطوير سياسات وإستراتيجيات تقلّل من الانبعاثات الكربونية.
كما يشجع التحالف على التوسّع في استعمال الطاقة النظيفة، ويدعم الابتكار في مجالات التكنولوجيا البيئية.
ما الأنشطة التي يقوم بها التحالف في الدول المختلفة؟
يعمل تحالف ZETA على مجموعة من الأنشطة في الدول الأعضاء، منها:
- تقديم الدعم الفني والاستشاري إلى الحكومات والمؤسسات في تطوير سياسات خفض الانبعاثات.
- تنظيم ورشات عمل ومؤتمرات للتوعية بأهمية التحول إلى الاقتصاد الأخضر.
- دعم مشروعات الطاقة المتجددة وتوفير التمويل اللازم لها.
- تعزيز التعاون الإقليمي من خلال تبادل الخبرات وأفضل الممارسات بين الدول الأعضاء.
كيف يُسهم التحالف في دعم جهود الدول للامتثال إلى المعايير البيئية الدولية؟
يساعد التحالف الدول الأعضاء على فهم المعايير البيئية الدولية وتطبيقها، مثل اتفاقية باريس للمناخ، كما يوفّر التحالف أدوات وموارد لتقييم الانبعاثات، وتطوير خطط العمل الوطنية، وتقديم التقارير المطلوبة للهيئات الدولية.
ما آلية تعديل حدود الكربون CBAM؟
آلية تعديل حدود الكربون هي أداة أوروبية تهدف إلى مكافحة "تسرب الكربون"، أي نقل الصناعات كثيفة الانبعاثات من أوروبا إلى دول لا تفرض تسعيرة على الانبعاثات.

الأمين العام لتحالف تداول الانبعاثات الصفرية (ZETA) الدكتور يان هايزمان
من خلال "آلية تعديل حدود الكربون" (CBAM)، يُطلب من المستوردين الأوروبيين شراء شهادات تعكس كمية الكربون الناتجة عن تصنيع المنتجات المستوردة، مما يساوي تكلفة الإنتاج داخل الاتحاد الأوروبي.
ما القطاعات التي تشملها آلية تعديل حدود الكربون حاليًا؟
تشمل حاليًا الأسمنت، والحديد والصلب، والألومنيوم، والأسمدة، وجميعها من صادرات مصر الأساسية إلى الاتحاد الأوروبي.
ما الإطار الزمني لتطبيق آلية تعديل حدود الكربون؟
نحن حاليًا في فترة انتقالية بدأت في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وتستمر حتى نهاية 2025، أما التنفيذ الكامل فسيبدأ في يناير/كانون الثاني 2026، حيث يصبح شراء شهادات CBAM إلزاميًا.
ما حجم تأثر مصر بآلية تعديل حدود الكربون؟
نحو 20% من صادرات مصر إلى أوروبا ستتأثر بصورة مباشرة بسبب آلية تعديل حدود الكربون، فالألومنيوم وحده يمثّل 79% من الصادرات المصرية للاتحاد الأوروبي، مما يعني أن أي تكلفة إضافية قد تقلّل من تنافسية هذه المنتجات.
ما الذي ينبغي على مصر فعله لتقليل الأثر السلبي؟
يجب تطوير إطار وطني لقياس الانبعاثات الكربونية وتسجيلها، ثم التفاوض مع الاتحاد الأوروبي للاعتراف بهذا النظام.
كما ينبغي تشجيع القطاعات المتأثرة على تحسين الكفاءة واستعمال الطاقة النظيفة، وتأسيس "سوق مصرية للكربون" سيكون مفيدًا على المدى الطويل.
هل هناك خطوات فورية يمكن للصناعات اتخاذها؟
نعم، منها:
- تعيين ممثل جمركي متخصص لفهم متطلبات CBAM.
- تتبع الانبعاثات من كل منتج بدقة.
- استعمال شهادات "المنشأ الأخضر" مثل شهادات الطاقة المتجددة الدولية (IRECs)، وهي أدوات تُستعمل لإثبات أن كمية معينة من الكهرباء تم توليدها من مصدر طاقة متجدد (مثل الشمس والرياح).
- التعاون مع شركاء أوروبيين لتسهيل التوافق.
هل يمكن أن تتحول CBAM إلى فرصة بدلاً من تهديد؟
بالتأكيد، مصر يمكنها أن تؤدي دورًا محوريًا، ولا سيما في ملفات مثل تجارة الكربون البحرية عبر قناة السويس، وتطوير سوق كربون أفريقية بقيادة مصر، ولكن هذا يتطلب إطارًا تنظيميًا شفافًا وتعاونًا دوليًا فعّالًا.
ما أهم توصياتكم للحكومة المصرية؟
وضع سياسة مزدوجة من خلال فرض تسعير كربوني عالٍ على القطاعات كثيفة الانبعاثات مثل الألومنيوم، مع تأسيس سوق تداول وطنية للقطاعات الأخرى.
كما نوصي بتكثيف المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن الاعتراف بالنُظم المحلية.
ما الخطوة الأولى التي ينبغي على مصر اتخاذها لإنشاء سوق للكهرباء المتجددة أو شهادات الكربون؟
قبل كل شيء، تحتاج مصر إلى وجود منصة أو سوق لتداول الكهرباء، خاصة الكهرباء المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي تمتلك القاهرة إمكانات كبيرة فيها.
ولا بد أن تكون هذه المنصة شفافة، وتسمح ببيع وشراء الكهرباء بالجملة، على نحو منظم.
كيف يمكن توضيح فكرة هذه السوق بصورة عملية؟
سأضرب مثالًا بسيطًا: قبل 2000 عام كان هناك مكان في العاصمة الإيطالية يُسمّى "المنتدى الروماني"، كان بمثابة مركز للتجار لعرض منتجاتهم وبيعها من مختلف أنحاء الإمبراطورية.
اليوم، يُطبق المبدأ نفسه، لكن بطريقة إلكترونية، فبدلاً من تبادل السلع بالأيدي، يتم كل شيء بضغطة زر عبر منصات رقمية، وتسعى ZETA لمساعدة مصر على بناء سوق حديثة لتداول الكربون، وتخفيف التكاليف عن الصناعات المحلية.
هل تعملون فقط في مصر أم يمتد نشاطكم إلى دول عربية أخرى؟
مقرنا الرئيس في دبي، وبدأنا العمل منذ أكثر من عام، ولكن لدينا تجارب سابقة في تركيا، حيث ساعدتُ شخصيًا الحكومة التركية قبل نحو 10 أعوام في إنشاء سوق للكهرباء والغاز، واليوم لديهم "بورصة إسطنبول للطاقة" لتداول هذه الموارد.
كيف تقيّمون جهود مصر في مواجهة التغير المناخي؟
هناك جانب إيجابي يتمثّل في المشروعات الضخمة للطاقة المتجددة مثل مزارع الرياح والطاقة الشمسية، ولكن في الوقت نفسه، مصر ما زالت دولة تعتمد على الغاز الطبيعي، وهو ما يُسهم بصورة كبيرة في انبعاثات الكربون.
إلى جانب ذلك، هناك قطاعات صناعية مثل الأسمدة والألومنيوم والصلب تُعد من بين أكبر مصادر التلوث في مصر، ونأمل في مساعدة الشركات المصرية على إيجاد آلية لتقليل هذه البصمة الكربونية.
وكيف يمكن تحقيق ذلك فعليًا؟
من خلال تقديم شهادات الكربون، فهذه الشهادات يمكن منحها للصناعات التي تُظهر التزامًا بتقليل انبعاثاتها، ولتحقيق هذا الهدف، يجب إنشاء سوق لشهادات الكربون وشهادات المنشأ الخضراء.
وما الفرق بينهما؟
الفرق بينهما أن شهادات الكربون تتبع نظام تداول إلزامي مثل الموجود في أوروبا، حيث تُحدد لكل شركة نسبة تقليل معينة سنويًا، وإذا لم تحققها فعليها شراء شهادات كربون.
وتُوجه شهادات الكربون بصفة رئيسة إلى الصناعات الثقيلة مثل الألومنيوم والصلب والبناء.

الأمين العام لتحالف تداول الانبعاثات الصفرية (ZETA) الدكتور يان هايزمان
أما شهادات المنشأ الخضراء فهي تُمنح لمنتجي الكهرباء من مصادر متجددة مثل مزارع الرياح والطاقة الشمسية، أي أن لكل نوع من الشهادات دورًا مختلفًا في تحفيز التحول نحو الاقتصاد الأخضر.
ما الخطط المستقبلية لتحالف ZETA؟
يخطّط التحالف لتوسيع نطاق أنشطته من خلال:
- إطلاق مبادرات جديدة تركز على الابتكار في مجالات التكنولوجيا النظيفة.
- تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص لدعم المشروعات البيئية.
- توسيع قاعدة العضوية لتشمل مزيدًا من الدول في المنطقة.
- تطوير منصات إلكترونية لتسهيل تبادل المعلومات والخبرات بين الأعضاء.
كيف يمكن للدول غير الأعضاء الاستفادة من خبرات التحالف؟
يمكن للدول غير الأعضاء المشاركة في ورشات العمل والمؤتمرات التي ينظّمها التحالف، والاستفادة من الموارد المتاحة على منصاته الإلكترونية.
كما يمكنها التقدم بطلب للانضمام إلى التحالف، للاستفادة الكاملة من الدعم والخدمات التي يقدمها.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
0 تعليق